Chapter 9

389 22 12
                                    

                                                                   لاتيشا

  كان بلال نائما بعد أن أنهى من نوبات القيء، التي يصاب بها بعد جلسه العلاج الكيميائي، وكنت قد أنهيت إزاله آثار القيء، وجلست على الحاسوب في غرفته أحاول الدخول إلى موقع يعطي بعض الارشادات والنصح لأمهات الأطفال المصابين بالسرطان، مع تقدم العلاج، خصوصا الدعم النفسي
لأمهات يعرفن خطورة حالة اطفالهن، كنت أجد في الموقع بعض التعويض عن الذهاب الى مجموعات الدعم، لم يكن لديّ الوقت دوما لمجموعه الدعم التي سجلت فيها.
  كانت صفحة بريد بلال مفتوحه، ورأيت فيها رساله إلى بلال من أمجد حلواني.
  كان بلال قد اخبرني انه راسل سيناريست الفيلم، طالبا منه السيناريو، لم اجد مشكله في الامر، توقعت ان لا ياتي رد، لكني فكرت ان كان بلال يبحث عن (بلال الحبشي) حقا ام كان يبحث عن والده، لان كل ما يربطه بوالده هو الاسم الذي اختاره له يوم ولد، ثم رحل، فكرت ان كان يمكن حقا البحث عن سعيد بعد كل هذه السنوات وان كان ذلك مجديا اصلا لبلال.
  لم اتوقع ان ياتي رد من السيناريست، بل لم اتوقع اصلا ان يقرا رسالته احد.
  قلت له ذلك كي لا يحبط، ووعدته ان نحاول البحث في الانترنت عن بلال الحبشي، لم يقل بلال شيئا يومها.
   لم يكن بلال قد أخبرني برد أمجد الاول عليه، غريب كم هو كتوم هذا الصبي، دائما عرفت ذلك، وزاد الأمر من انتقالنا الى بروكلين، حاولت كثيرا أن أخترق القشره التي يحيط نفسه بها، لكني عجزت، يكون أحيانا مرحا جدا ويغرق في أحيان أخرى في صمت كئيب.
  فكرت أنه ربما تكون هناك مشكله لديه في المدرسه ، لاحظت أن لا أصدقاء كثيرين لديه، لا أحد تقريبا يتصل على الهاتف، لا أحد يخرج معه خارج المدرسه.
   حاولت كثيرا أن أسأله، أن أجعله يخبرني إن كان هناك ثمة شيء خطأ في المدرسه، كان يرد دائما كل شيء بخير.
   شككت بوجود شيء ما، ذهبت إلى مدرسته، وقابلت المسؤوله، فقالت لي ان بلالا لم يشك يوما، وانه لو كانت ثمة مشكله، لكان قال شيئا، ونصحتني ان اتركه يتعامل مع الامر بنفسه، لو كان ثمة مشكله عابره، وأوضحت أن محاوله حلها بدلا منه سيجعله اتكاليا، ويطلب حمايتي دائما، ومادام لم يتحدث هو عن المشكله، فلا داعي لافتراض وجودها.
  شككت بوجود اذى، وتنمر من الطلبه موجه نحوه من قبل، كان قد جاء مرة ليخبرني انهم كانوا ينادونه بالسمين،  وكان يرتجف،  ولم يكن بلال سمينا لهذه الدرجه، كان وزنه اكثر من المعتاد ليس الا، سالته ان كان هذا كل شيء، فأكد ذلك، حاولت ان أطمئنه، وذكرت له نسب زياده الوزن بين من هم في مثل سنه، لكي يشعر انه ليس وحيدا، سكت هو، ولم يعد الى ذكر الموضوع مجددا ..
  عدا صمته ووحدته، كان يقرا كثيرا، وينام جيدا ويأكل جيدا، علامته كانت جيده عموما، الشيء الوحيد الذي لاحظت انه تدهور او اختفى، هو انه كان يمتلك موهبه جيده في الكتابه، وكان يطيب لي ان اتصور انه اخذها مني، لكنه توقف تماما عن الكتابه، او عن كتابه اي شيء مميز في فروضه في اللغه الانجليزيه، فكرت ان هذا ربما يكون جزاءا من أنه يكبر، وربما كان الصبيان في مثل سنه يرون أن الكتابه بناتيه بطريقه أو بأخرى، لم أحب أن أتدخل في هذا..
  الغريب ان السرطان كسر صمت قليلا، ولم يكسر كتمانه، كسر صمته فقط، صار يتحدث اكثر ويسأل اكثر، سالني عن والده في هذه الفتره اكثر مما سالني طيله حياته، لم افهم تحديدا ان كانت هذه الاسئله ناتجه عن معرفته بالاصابته بالسرطان، او انها اسئله مختزنه في داخله منذ ان وعي أن والده  غادر وهو لا يزال بعمر اشهر، وجاء السرطان ليحررها، ام ان هذه الاسئله هي نتيجه طبيعيه لهذا السن، عندما يكون الصبي على ابواب المراهقه، ويكون بحاجه الى والده، ربما اكثر من اي وقت مضى.
  تحرر من صمته، لكنه بقي كتوما، كنت اجد من تاريخ زيارات مواقع الانترنت، انه زار بعض المواقع التي تتحدث عن نوع السرطان الذي اصيب به، وعن نسب النجاة منه، كان يزيل احيانا كل تواريخ الزيارات، فلا اعرف ماذا زار من مواقع، وكان احيانا يتركها كما هي، كما لو انه يريد ان يقول لي، عندما ادقق على زيارته، انه يعرف احتماليه نجاته الضئيله.
  لا اعرف ان كان هذا يسهل الامر على ام لا..
  ان تعرف ام، ان ابنها يعرف ان فرص نجاته ضئيله..
  وان من كل عشره مثله، عليه هو ان يغلب ثمانيه، لكي ينجو..
  في صندوق رسائل بلال، رساله لم تفتح من امجد.
  رب ما وصلت بينما كان العلاج الكيميائي يتدفق في شرايينه.
  او ربما اثناء واحده من نوبات القيء.
  تأملت في بلال، كان يغط في نوم عميق، يشبه الاغماءة من الارهاق.
  نظرت الى الرساله غير المفتوحه.
  بلال قاصر بعد كل شيء، وأمجد لا بد أنه أكبر منه بكثير، على ان اراقب ماذا يقول لابني.
  بقليل من التردد فتحت الرساله، وقد قررت ان ازيل علامه انها قرئت بعد ان انهيها.

  ****

  رساله امجد كانت غير متوقعه.
  توقعت انه سيتحدث عن السنه التي ولد فيها بلال، او المكان الذي ولد فيه، شيء كهذا.
  لكن سيزيف وصخره الاسطوره الاغريقيه !
  وصخرة بلال ! وهذا التعذيب على الرمل الحارق !!
  والربط بينهما العبث واللا جدوى، مقابل التحمل والالم من اجل الحريه؟
  و تلك الجمله الاخيره، التي تقول ان صادف دائما صخره ما في حياتنا، يمكننا جعلها صخره سيزيف،      أوصخره بلال .
  كان ذلك قويا جدا..
  لا اعرف ان كان بلال سيفهم كل ما كتبه هذا الأمجد، لكني انا، وجدت نفسي اتفاعل جدا مع ما كتب.
  بينما اقرا، كنت اجد قصه حياتي وحياه من حولي بين السطور، اغلب اقربائي يقضون حياتهم كلعبه سيزيفيه لا معنى لها، نشأت أنا في سانت لويس، كان الاسم الوسطي للجميع تقريبا، في بيئه سيزيفيه عاقبتها الآلهه بان تقضي حياتها في دحرجه الصخره الى الاعلى، ثم اعادة دحرجتها مجددا، كل من عاش في كلارا أفينيو في سانت لويس، يعرف ما أعني، او ربما لا يعرفه لانه يعتبر الطريقه الوحيده للحياه، ولكن سيزيف هنا زنجي وليس اغريقيا، كان الحي دائما في قائمه اسوا الاحياء للعيش في امريكا طولا وعرضا، وليس في ميسوري وحدها، و يمكن لاي احد ان يتخيل معنا ان تولد في حي كهذا، نادرا ما يمكنك ان تخرج منه الى ما هو افضل منه، كان من المفترض ان ابقى فيه، كانت نسب الفقر والجريمه قريبة جدا من احتماليه موت بلال بالسرطان، كما لو أن عليَّ أن أبقى دائما أحارب هذه الأرقام وأحاول النجاة منها..
  كان والدي عاطلا عن العمل أغلب الأوقات، لكنه كان يحبّني، يوم وجدني متفوقه في المدرسه، قال لي ان ثمه فرصه لي، ان اخرج من الحي ومن تلك الارقام و تلك النسب، بدا ذلك حلما بعيدا يوم قاله، لكني تمسكت بحلمي، يوم حققت حلمي، ولو جزئيا، كان والدي في السجن.
  كنت الوحيده التي دخلت الكليه من بين كل ابناء اقاربي.. كنت فخرهم، وقليلا من غيظهم ايضا..
  في وقت ما، كان يفترض ان اكمل وصولا الى الجامعه، والحصول على شهاده البكالوريوس، لكن حدث أن التقيت بسعيد، وأرجعني سعيد إلى المربع الاول، إلى صخرة سيزيف، أحملها كل يوم وأركض بها لأتمكن من دفع القوائم وتسديد أقساط دراستي التي لم أنهها كما أحببت، بل توقفت عند شهادة الدبلوما فقط.. كام سعيد يعمل أحيانا، زلا يعمل أغلب الأحيان، وكان يستغل إدماني عليه، فلا ينفق شيئا على البيت أصلا مما يكسبه من عمله.
  كان يستغل إدماني عليه، كي أنفق على إدمانه على المخدرات.
  تلك كانت مرحله سيزيفيه بامتياز من حياتي..
  ثم جاء بلال وخلصني من ادماني ومن صخره سيزيف، ثم واجهت الحياه كما لو كانت قريبه مما وصفها هنا هذا السيناريست، كما لو كانت صخرة بلال..
   قدّمت لاكمال دراسه الجامعه، وحصلت على قرض مكنني من ذلك، و كنت اعمل في الوقت ذاته لانفق على بلال، غرقت في ديوني لاسداد القرض الدراسي، لكنني حصلت على شهاده البكالوريوس من جامعه ميسوري، وفي اليوم الذي خرج فيه والدي من السجن، كان اول يوم الاول الذي التحق فيه بالعمل كمدرسه للغه الانجليزيه، في ثانويه فيرغسون، سانت لويس.
   تاملت في بلال النائم، وهذا السرطان الذي ينهش دماغه، هو ايضا صخرة..
  ولكني لا اعرف حتى الآن إن كنت أعاملها كصخرة سيزيف، أو كصخرة بلال..

  ****

  كنت على وشك ان اضع علامه، بحكم العاده، على ما كتبه أمجد.
  كنت سأعطيه +A بالتاكيد .
  لكني اغلقت الرساله بسرعه، وجعلتها غير مقروءة.
  وتساءلت ان كانت ستنفع بلالا.

------------------------------------------------------------
أرجوا لكم قراءة ممتعه ☺

شيفرة بلالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن