١

847 81 21
                                    

الصيف بعد أربع سنوات ونصف وجدت نفسي في نفس ذلك الموقف مجددًا، مدرسة جديدة ومكان جديد لا أعرف عنه الكثير. فتاة سمراء البشرة خضراء العينين، طولها يصل إلى مئة وواحد وسبعين سنتمترًا، تتقن ثلاث لغات.. وهي لا تبدو سعيدة لتواجدها هنا.

هذا ما بدا في وجهي رغمًا عني بينما كان معلمي الجديد يُعّرف عني لطلاب الصف، رمقتهم بملل ممزوج ببعض امتعاض فأنا أعرف هذه الملامح التي علت الكثير منهم وبدأ عقلي في تخيل السيناريوهات التي قد تحدث لاحقًا والتي مررت بمثلها من قبل.

-كيف تجيدين اليابانية بهذا الإتقان؟
-هل أنت من أفريقيا؟
-هل ستعودين إلى بلدك قريبًا؟

أسئلة كثيرة غبية تناثرت في الجو بعد أن أنهى المعلم تعريفه، أسئلة لا يفترض بها أن تخرج ممن سيؤدون إمتحانات لدخول الجامعة السنة المقبلة، لكن لا ينفك هذا الجيل يفاجئني بما يعرفه.

تجاهلت كل الأسئلة التي لم تعجبني وأجبت بإختصار عن التي لم تجلطني. وبعد دقائق جلست في مقعدي أخيرًا.

طوال سنين دراستي في اليابان اعتدت على الجلوس في المقعد الأخير فأنا دائما أطول من في الصف ولم يختلف الأمر الأن سوى أنني ولأول مرة منذ أربعة سنوات ونصف سأعيش روتيني الدراسي في سلام وهدوء كأي طالبة عادية أخرى.

-أنت أجمل في الواقع.

تعليق هامس صدر عن يميني حيث جلس فتى ما. نظرت ناحيته متفاجئة، ابتسامة مبتهجة استقبلتني، كأنه فعلًا سعيد لرؤيتي ويعني حقًا ما قاله. ورغم كونه جالسًا إلا أنه كان من الواضح أنه يماثلني طولًا وربما أطول مني.

-آآه، شكرًا؟
لم أعرف بماذا أرد غير ذلك ولحسن حظي بدأ المدرس في الحديث فساد بيننا الصمت.

مدرستي هذه المرة خاصة، من النوع الذي يحتاج أن يكون والداك غنيين ليدخلاك فيها لكنها أيضًا تقدم برنامجًا جيدًا للمنح. ولكونها خاصة فهذا جعلها كبيرة وذات مبانٍ كثيرة، كما كان لديها برنامج خاص للرياضيين إذ يأتي إليها الكثيرون عبر المنح الرياضية حيث يتلقون التدريب المناسب والإسم حيث يستفيدون لكونهم قد تخرجوا من ثانوية هوشياما المشهورة والذي سيساعدهم مستقبلًا.

أعلم أن تسجيلي في هذه المدرسة كان طريقة والداي في مساعدتي على تغيير الجو في بيئة مماثلة قد أجد فيها نفسي مرة أخرى، لكني كنت قد فقدت الرغبة في كل ما يتعلق بالرياضة، ولو كنت أعلم بنيتهما تسجيلي هنا لكنت رفضت. فحياة في مدرسة عامة عادية كانت لتكون كافية في آخر بضعة أشهر من الثانوية، لكن حدث ما حدث وها أنا ذا آخذ جولة داخل المدرسة عَلي أحفظ ممراتها.

لم يكن من الصعب جذب انتباه كل من أمر بهم، همسات ونظرات ترافقني أينما ذهبت، وعندما سألت أحدهم عن غرفة مجلس الطلبة رد علي بالإنجليزية لسبب ما رغم كوني تحدثت باليابانية بلا شك.

الرهـانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن