|٤| غضب.

181 21 206
                                    

السلامُ عليكم 

 وازرع بجوفِ قُلوبنا طمأنينة نُساير بها هذهِ الأيّام يَا كريم.

_____

علا صوتُ تكبيرِ أريز في غُرفته مُعلنًا بدايتهُ ليومه، لم يُحدِّد وجهةً مُحدّدة ليرتحل إليها اليوم، يكفيه الحوار الذي دارَ مع والدته البارحة، إضافةً إلى أنّه في عطلةٍ من عمله، وكلُّ ما عليه فعله هُو جعل اليوم يسيرُ كما يجبُ له أن يفعل، دونَ تخطيط تاركًا لنفسه مُتعة التفاجؤ بخفايا قدره.

ما الذي دارَ بينه وبين والدته؟ لم تقتنع والدته بحججه التي حاولَ بكلِّ ما به تغليفها بغلافِ الحقيقة.

فهي وإن كانَت كذبة مُغلفة بحقيقةٍ هشّة، تبقَى كذبة استطاعت أم أحمد اكتشاف بُعدها عن الصحة، وما أمرَّ اكتشاف والدته لفكرة أن احد أبنائها يكذب، فهذا يعني بكلِّ بساطة أنَّ هُناك مصيبة كبيرة بانتظارها، لذلك استشاطت غضبًا عليه، والمسكين أريز لا يعلمُ كيفَ له أن يخبرها أنَّه شخص يتخيل أشياءً لا تُرى ولم تحصل.

أخبرته أنها خائفةٌ عليه وأنّ الحالة التي رأته بها اليوم غير طبيعية مُتبعةً ما سبقَ بأسئلةٍ عن الخطأ الذي فعله ليكون غير طبيعيٍّ لهذه الدرجة.

لم يحتمل فكرةَ أنّه غير طبيعي آن ذاك، فما حصلَ معه هُو الغير طبيعي، ومعَ أن توبيخها لهُ كانَ اعتياديًا إلّا أنَّ الضغط الجاثم على صدره ذكَّره بخيبته المُتمثلة بمحاولاته الكثيرة بفعلِ كل الخير ومقابلتهم هذه المحاولات بكلماتٍ كاسرة ومؤلمة.

صحيحٌ أنهم قابلوه في مراتٍ عديدة بابتساماتٍ وشكر، إلّا أنَّ ألم رأسه منعه من تذكر كلِّ ما هو خيِّر وجيد، لا يتذكر إلّا الأسوأ.

لينتهي بهِ اليوم خارجًا إلى حديقة منزله جالسًا بجانبِ والده دونَ أن يتلفظَ إلّا بالتحية مُنتظرًا صلاة العشاء كي يذهب إلى المسجد.

كلُّ ما بهِ آنذاك كانَ بحاجةٍ لقربِ الله مع صوت القرآن، وضعَ كمامته، أخذ سجادة صلاته متوجهًا لأقربِ مسجد لبيته، ذات المسجد الذي صلَّى فيه على جده وودَّعه فيه.

كلُّ تلك الذكريات بدأت تضربُ عقل أريز، كلُّ شيءٍ سيء بدأ بتذكره، كلُّ خيبةٍ قاساها ضربت رأسه حتّى شعرَ لوهلة أنَّ الأرض على سعتها لا تستطيعُ احتضانه.

إلّا أنّه فورَ سجوده أول سجدة بدأَ بترتيب مشهده كلّه شاعرًا بصعقةٍ خفيفة سببها ملامسة جبهته للأرض، وكأنَّ تلك الصعقة الخفيفة التي شعرَ بها فورَ سجوده منحته فرصةً لتسويةِ كلِّ مشاهده، ساحبةً طاقته السلبية كلها مُبعدةً إيّاها.

رويدًا رويدًا بدأَ عقله بفرشِ بسُطٍ مريحة في جميعِ زواياه مانحًا كلَّ ما في أريز مساحةً واسعة للتفكير بشكلٍ أوعى، وفورَ انتهائه من الصلاة شعرَ وكأنَّ الأرض بكلِّ ما بها تُرحِّب به مُخبرةً إياه أنها ستحتضنه يومًا ما إذا ما تعرَّف عليها أكثر، آنذاك كان كلُّ ما به سعيدٌ لفكرةِ أنه سيتعرف على الأرض مرةً أخرى بعدَ رحلته المريرة اليوم.

متَّبعًا إيّاه. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن