⚫️مفاجأة غير متوقعة⚫️

4.3K 73 17
                                    



              
      
    "الحياة في نهاية المطاف تغلب، وإن بدا غير ذلك والبشر راشدون مهما ارتبكوا أو اضطربوا أو تعثرت خطواتهم، والنهايات ليست نهايات، لأنّها تتشابك ببدايات جديدة "
                                     _لقائله ...

                                •••

اختلط صوت قطرات الماء المنسابة من ثقوب ( الدش ) الضخم بصوت همهمات ونحيب واهن ليخلق سيموفنية شديد الكئابة اكتملت بالبخار الذي تسلل من الكابينة الزجاجية( للدش )ليحيط بالمكان معطياً منظراً ضبابي باهت .
لم يمضي الكثير من الوقت حتى فُتح باب الكابينة لتخرج فتاة متوسطة الطول لتتجه نحو المرآة التي تخفت بين سحب البخار .
توقفت امامها لقرابة الدقيقة ...بدا وكأنها مترددة من مسح البخار عن المرآة وكأنها تخشى رؤية وجهها ... ولكن في النهاية لم يكن هناك بد من مواجهة نفسها ، زفرت بعض الهواء بهدوء قبل ان تمد يدها ببطئ لإزالة طبقات البخار لتتكون صورتها امامها تدريجياً ...تأملت نفسها في المرآة لتغرورق عيناها بدموع متكبرة ذات أنِفة ترفض حتى أن تتحرر من سجن مقلتيها  .
كانت نظراتها شاردة ، مكسورة ، متألمة .
قامت بفك ربطة شعرها لينسدل بنعومة اسفل ظهرها وباليد الاخرى قامت بحمل مِقص معدني ...
عضت على شفتها بغضب مكبوت عندما احست بدمعة  دافئة هاربة من عينها وقليلاً حتى بدأ   صوت نحيبها بالعلو .
توالت شهقاتها المكتومة لتطبق على شعرها الكثيف بانفعال وكأنها تعلن عن اعدامه .
تساقطت خُصلات شعرها المغدور بها أرضاً لتتحول نظراتها المكسورة تدريجياً الى نظرات ثلجية باردة لا تعكس عما بداخلها لترتسم بعدها ابتسامة متمردة أعلى شفتيها .
   ________________________________________
عاد بظهره الى الوراء ليغوص في كرسيه الوثير ... بالرغم من انه لا يزال مستيقظ الا ان عينيه كانتا مغمضتان ... بينما برز جانبي فكه العريض لجزه على اسنانه ...
بدا مسترخياً جداً ...
اقتربت منه احدى المضيفات بإبتسامة متصنعة فُرضت عليها في وظيفتها وتعاملها مع المسافرين ... طلبت منه بصوت هادئ ربط حزام الامان لأن الطائرة على وشك الهبوط .
فتح عيناه لتبرق رماديتاه وهو يبتسم ابتسامة صغيرة جانبية ليومئ لها برأسه بينما امتدت يداه لربط الحزام ... ( سبحان الله وبحمده )
رمقته المضيفة بنظرات مُعجبة جاهدت لكي لا تبدو واضحة ... ثم ابتعدت بعدها عنه لتتوجه للبقية اللذين يشاركونه في درجة رجال الاعمال التي تعج بالتفاصيل الفخمة لتطلب منهم ايضاً ربط الأحزمة .
عاد لإسترخاءه مرة اخرى وما هي الا دقائق حتى هبطت الطائرة على مطار هيثرو الدولي .
انهى اجراءاته بيسر وسهولة وانطلق نحو الرجل الذي يحمل لوحة كُتب عليها اسمه ...
رحب به بطريقة رسمية ليطلب منه مرافقته للخارج  ...
ما إن خرج حتى لفحته موجة الهواء الباردة ... كانت درجة الحرارة تحت الصفر بعدة درجات ... شد على معطفه ليدخل بعدها الى السيارة التي تحركت لتجوب شوارع مدينة الضباب التي تلحفت بالثلوج ...
اتجهت السيارة صوب شارع هاي هولبرون ... لتتوقف به امام فندق " ذا روز وود" الذي يُعتبر من اعرق وافخم الفنادق في لندن .
اول م يجذب انتباهك هو عربات الخيل التي كان يستقلها النُبلاء الانجليز قديماً لتتوجه بك الى داخل الفندق وكأنك احدى سكان لندن الارستقراطيين في القرون المنصرمة .
اما الفندق من الداخل فقد كان آية من الفخامة والجمال ، ذا ديكور عصري من خشب المهوقني ويحتوى على افخم واندر انواع الرخام .
أكمل اجراءاته واتجه الى المصعد ليوصله الى الطابق الذي يوجد به جناحه ...
قام بفتح الباب بالكارد الممغنط المخصص ... وم ان دلف الى الداخل حتى خلع معطفه بسبب الدفئ المنتشر في الجناح .
تأمل الجناح الفخم بنظرات اعتادت على هذه الفخامة ... اتجه نحو غرفته وهو يهم بخلع ساعته من معصمه ...
فتح ازار قميصه ثم ارتمى على السرير بإرهاق وهو مغمض العينين ...
مضت عدة دقائق ليزفر بعدها الهواء باسترخاء لينهض متجهاً نحو الحمام .
كان الرخام النادر يغطي كل شيئ بفخامة ... مغسلة ضخمة مكونة من ثلاثة مرايات وحوض استحمام قد يكفي لخمسة اشخاص ... المناشف وشامبوهات الاستحمام ولوشنات ترطيب الجسم وعبوات الشموع وُضعت بطريقة تليق برواد هذا الفُندق ... خلع عنه ثيابه بعد ان فتح صنبور الماء الدافئ بلمسة ليعلو صوت خرير الماء اللطيف .
دخل الى الحوض ليسمح للماء الدافئ برخي اعصابه التي شُدت من طول السفرة ... كان حماماً دافئ مريح استحقه بشدة ... انسل من الحوض ليجفف جسده ... ارتدى ثياباً مريحة للنوم واخيراً رش بعض العطر عليه كما اعتاد ثم توجه للسرير الذي بدا ملمسه كملمس الريش الناعم ... ضم يديه وهو يغمض عينيه ليقول بنبرة هامسة :
" ممتن ليك يا الله ... ممتن ليك على كل النعم المنعمني بيها ... ممتن ليك على نعمة الرفاهية ، نعمة الصحة والعافية ، نعمة الاسرة المكتملة ونعمة البركة المحاوطني بيها ... الحمدلله حمداً كثيراً طيباً حتى يبلغ الحمد منتهاه  ".
كان الامتنان على النعم احدى اهم عادات ما قبل النوم لديه ... وكأن الله كان يكافئه بزيادة النعم كلما امتن له وحمده...مد يده لُيطفئ الاضاءة المتواجدة بجانب سريره ... ليغط بعدها في نومة عميقة استعداداً للمؤتمر الذي سيُقام بعد عدة ساعات ... ( استغفر الله العظيم )
                               • • •
علا صوت المنبه للمرة الثانية بعد أن ايقظه الأول ليؤدي صلاة الفجر ... لم يأخد كثيراً من الوقت ليمد يده للهاتف ليقوم بإطفائه ... مرر يده على رأسه وهو يضغط على زر الوايفاي الموجود على الشاشة ليتصل هاتفه بشبكة الانترنت تلقائياً ليبدأ الهاتف بالاهتزاز معلناً عن وصول الرسائل ...
ابتسم عند رؤيته لذلك الرقم المتصل ... أجاب بصوت يشوبه النعاس : يا مرحب
ليصله صوت رجولي وقور من الجهة الاخرى : ما أكون بس صحيتك من النوم .
إتكأ بيده ليستند بظهره على رأس السرير الخشبي المبطن : لا أبداً اصلا صاحي .
عاجله الرجل متسائلاً  : ها حنفطر مع بعض ؟
بطريقة تلقائية اتجهت رماديتاه نحو الساعة الليزرية الموضوعة على الكومودين بجانبه ... انها الثامنة صباحاً ... التوقيت ممتاز ومناسب ليتناول الافطار معه قبل ان يبدأ المؤتمر الذي قدِم من اجله .
أجاب بصوته الناعس : اكيد م حفوت الفرصة دي .
علت قهقهة الرجل مستأنساً من الطرف الاخر للمكالمة : اوكي يا عزيزي منتظرك ، هسه حرسل ليك اللوكيشن .
أغلق الهاتف بعد ان قال : ساعة بالكتير وحكون معاك بإذن الله .
وضع الهاتف على الكومودين بينما إسترخى بتكاسل وهو يغمض عينيه ... كان السرير بدفئه مغرياً جداً لكن لا وقت لتضييعه فكل ثانية محسوبة عليه ... فتح عينيه مرة اخرى وهو يلتقط هاتفه كأنه تذكر شيئ مهم... اجرى مكالمة هاتفية ولكن الطرف الاخر لم يجب فاضطر  بالمقابل لإرسال رسالة صوتية ... بلل شفتيه وهو يقول بصوت هادئ (( صباح الخير يا حبيبتي ، آسف م قدرت اتصل عليك اول م وصلت لاني كنت مرهق جداً من السفر ... واضح انك نايمة او مشغولة ... المهم انا الحمدلله وصلت بخير اول م تلقي رسالتي دي اتصلي بي )) .
وضع الهاتف بهدوء على السرير ثم قفز خارج الفراش الدافئ ليقاوم اي افكار للبقاء عليه ... اتجه نحو الحمام تحديداً نحو الكابينة الزجاجية ... بلمسة فقط على الزر البارز على الجدار الرخامي انهمرت المياه من الدش الضخم ... سالت من رأسه لأخمص قدميه معطية اياه جرعة انتعاش جعلت النشاط يدب في  اوصاله ... عندما اخذ كفايته من الانتعاش اوقف الماء ليخرج وهو يلف احدى المنشفات على وسطه وبيده الاخرى حمل منشفة صغيرة ليجفف رأسه ... توقف امام المرآة الضخمة واحتاج لأن يمسح عليها مزيلاً طبقات البخار لتتضح له صورته ... كل شيئ يبدو على ما يرام ما عدا لحيته التي تحتاج قليلاً من الترتيب ... اقترب من المرآة اكثر وهو يحمل ماكينة الحلاقة ثم بدأ بتهذيبها .
نظر لنفسه برضى ليتجه بعدها ليرتدي ثيابه .

كسارة البندق  (الجزء الأول ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن