جلست على الأريكة وهي تهز ساقيها بتوتر بينما تستمع الى حديث صديقتها التي بدت غاضبة للغاية :
" بقيتي بتكذبي علي ؟ "" م كذبت.."
" إلا كذبتي ... قلتي لي نازلة شوية وجايا الكلام دا من الصباح ... معقولة تجيني داخلة هسه ؟ "
" ياسمين انتي م عارفة انا حصل لي شنو ؟ "
" اها عذرك الجديد شنو المرة دي ؟ "
نهضت من مكانها لتتحدث وهي تحرك ذراعيها بعصبية :
" شنو العذرك الجديد شنو ؟ انا جاتني نوبة هلع قوية وم عارفة نمت كم ساعة هناك "وضعت ياسمين كفها على فمها بصدمة :
" سجمي ، بس م يكونو عرفو منك شي ... والله العظيم انتي م حيجينا خير إطلاقاً من وراك يا آن "" انتي كنتي عايزاني اعمل شنو ؟ ها ؟ اتكلمي ؟ انا حتى م كنت مستوعبة الحاصل شنو ... م استوعبت الا بعد م صحيت من النوم ... مفروض اسوي شنو يا ياسمين ؟"
" مفروض تكوني عاقلة وم تنسي ..."
قاطعتها بنبرة حادة :
" انتي منو القال ليك نسيت ؟ منو القال ليك انو الحصل لي انا اصلاً نسيتو ؟ عشان كل شوية تقولي لي م تنسي ؟ انتي م بتحبي تشوفيني مبسوطة ولو شوية ، انا جيت هنا لي كم شهر ؟
شهرين كاملات قاعدة مدسية كأني مُجرمة لا بطلع لا بشوف لا بشوفوني ... لمن حسيت اني نسيت كيف اتعامل مع ناس ... بقيت كأني جايا من العصر الحجري م قادرة اتواصل مع زول ولو شفت زول اخاف وادسا ..... البلكونة دي لو عايزة أقيف فيها الا بعد سلة روح وتعب واتأكد انو ماف زول واقف ف الشارع ... متخبية وحاسا دايماً اني مراقبة و ... وخايفة ... خايفة يا ياسمين ... دايماً ف حالة خوف لمن بقيت بحس انو الأمان دا اسطورة من الأساطير ...وزني نزل وشكلي بهت وبقيت عبارة عن بقايا بشرية عايشة عشان شي صغير وحتى الشي الصغير دا انتي م رحمتيني فيه وكنتي دايماً بتخوفيني وتحبطيني وتثبطيني "" انتي متين حتفهمي انو دا لي مصحلتك ؟ "
" مصلحتي دي انا زاتي تعبت وبقيت مُرهقة منها شديد ... انتي عارفة انو دي اول مرة من شهور طويلة احس بي ناس مهتمة بي وخايفة علي؟
حسيت بالشي دا ف عيونهم وكلامهم معاي ... في ... في شعور بتاع أمان اتدفق جواي كيف م عارفة ... بس بالجد آمان ... حاجة بتحسيها بتتقل ليك ف قلبك وبطبطب على كتفك كانو زول ، زول شنو ... كمية من الناس بيقولو ليك م تخافي احنا جمبك ومعاك "" آن فتحي عيونك دي كويس واوعك تقعي وقعة جبانة تاني ... الوحيد الحباك بالجد هو هسه تحت التراب غير كدا دا وهم مفهوم ؟ "
اتسعت حدقتا آن لتعض على شفتها السفلى بانفعال بينما اهتز كتفاها غضباً لتعتصر كف يدها بقوه حتى كادت اظافرها أن تُدمي كفها .
تلك الجملة التي تفوهت بها ياسمين اشعلت النار في صدرها ، كيف بوسع الإنسان أن يكون أحمقاً لتلك الطريقة التي يؤذي بها من حوله بمجرد كلمات .
للكلمات الجارحة قوة كقوة سيف بتار ، الفرق بينهما أن جروح السيف تُرى بالعين المجردة اما جروح الكلمات فتنزف سراً ، سحيقة بعيدة لا يمكن الوصول إليها بسهولة لمُداواتها .
ولعل هذا كان السبب في كثرة الأحاديث الدينية التي تشير الى حفظ اللسان بل وصل الأمر بتوضيح العُقوبة للتفوه بأي كلام من دون ضبطه ومراعاة الله و خواطر الناس فيه .
كانت ياسمين تُطالعها ببرود وهي في هذه الحالة ، لتُخفض الأخيرة رأسها لتنهض باتجاه غرفة نومها ، كانت تمشي ببطئ وكأن تلك الكلمات فقط قد نالت منها وهزمتها هزيمة نكراء .
__________________________________________
بدا وجهها حزيناً للغاية بينما كانت ممدة على بطنها في السرير وقد دثرت جسدها بغطائها ، سالت دمعة دافئة من مدمع عينها نحو انفها لتمد كفها لتمسحها بسرعة كانت تُطالع قطرات المطر التي تصطدم بنافذتها الزجاجية بينما كانت لا تزال عالقة بذاكرتها في ذلك الموقف عندما تجرأ أحمد على زميلها بالضرب .
لم تستطع الإستيعاب لما قام بهذا التصرف العُدواني الهمجي ، وتلك الطريقة التي صرخ بها عليها آلمتها كثيراً فهي لم تعتد على هذا الأُسلوب في التعامل .
وُلدت وترعرت تحت كنف والدان لم تسمع احدهما يرتفع صوته في وجه الآخر يوماً فكيف يتجرأ أحمد على الصراخ عليها وليس هذا وحسب بل تلك الطريقة التي لكم بها كارل على وجهه ، مجرد تذكر صوت قبضته تهبط على وجه المسكين ازعجتها .
لقد كان كارل زميلاً مُلاصقاً لها لمدة ٤ أعوام كاملة قضتها في الجامعة ، رفيق الدراسة والإمتحانات والشرح والبحوث الجامعية ... كيف فسر أحمد ما حدث بينهما ليهجم عليه بتلك الطريقة .
لن تُسامحه ... لن تُسامحه إطلاقاً على تصرفه الأحمق هذا .
اتجهت ببصرها تلقائياً نحو جوالها عندما سمعت صوت نغمة الإشعارات .
مسكته لتقوم بفتحه لتجده إشعار من تطبيق ال(واتساب) بأنه تمت إضافتها الى مجموعة ( سفرة ) التي قام عبدالرحمن بإنشائها قبل قليل لتجد منه مجموعة من الرسائل :
{ يا شباب صباح الخير او مساء الخير ايهما اقرب }
{المهم}
{ حبكت لي ف راسي فجأة إنو احنا لي قاعدين لي هسه في كيب تاون وم سافرنا لينا رحلة ؟ }
{ البيشوف الرسالة دي يقوم يجهز شنطتو من هسه ، انا قاعد من قبيل بالورقة والقلم وخططت لي سفره رهيبة شديد ربنا يسهلها ، م داير مواسير سامعين ؟ }
إبتسمت ميهان بفتور ... هذا حقاً ما تحتاجه الآن ، تثق تماماً في تخطيطات عبدالرحمن ويبدو انها ستكون رحلة ممتعة .
أغلقت الجوال قبل ان تُلقي نظرة للساعة التي تشير الى الرابعة فجراً لتنهض من على سريرها لتأخذ أقراص مُسكنة مرة أُخرى لذلك الصداع التي احتل نصف رأسها الأيمن .
ابتلعت من الأقراص ثم عادت لتُكمل نومها .
__________________________________________
تسللت أشعة الشمس الذهبية عن طريق النافذه عندما كان عمران يرتشف قهوته وهو يقرأ احدى الأعمدة السياسية في صحيفة الصباح .
لم يخفى عليه ذلك القلق الذي تجلى على وجه عبدالرحمن الذي كان يهز ساقيه حيناً ويتأفأف حيناً آخر ، ليُطالعه عمران من أسفل نظارته متسائلاً :
" في شنو ؟ مالك ؟ "
أنت تقرأ
كسارة البندق (الجزء الأول )
Romanceيجب قراءة رواية بنت عمران لفهم ماضي بعض الأبطال برواية كسارة البندق . لذلك من الأفضل ان تبدأ ببنت عمران اولاً .