حُلمي البَعيدْ..|6

38 10 2
                                    

تِلكَ الرُّتبة مِن العِشق..أنْ يصِل حبُّها شِغافَ قلبيْ..أجَل هيَ تستوطنُ جميعهْ...
.
مِن أعماقِ الوحدةْ طُرِحتْ لا جليسَ لي ولا صاحِب..فقطْ أحادثُ لوحتِي وفرشاتي...
منذُ وفاةِ والدتي أصبحتُ لا أجيدُ التواصلَ معَ البشَر حتى الأقربَ لي تخلّوا عنّي وأودعونِي في ميتمِ النكرَان...
أتتْ هي فكانتْ لي هيَ خيرَ خاتِمة لوحدةٍ عسّرت حياتي..زيارتِها لأحلامِي تجعلنِي لا أخشى الاستيقاظْ..وعلمِي بأنها لمْ تغدو مجرّدَ رؤية ستندثرُ ما أنْ أصحو يجعلُ أيسري يضِجُّ بالحياة..
.
.
نِمتُ تلكَ الليّلة بِعمق وكأنني هاجرتُ النوم لِسنين..هلْ تمكّنَ مِنّي الإرهاقَ لهذهِ الدرجة..يبدو أنني غفوت كلّ اليومْ..
صحوتُ لا أتَذكّرُ سوى ابتسامتها النقيّة أثنَاءَ نومِي..
وددتُ الإيابَ إليهَا ولكنْ ربّما تكونُ قدْ غادرتْ بحلولِ الآن...
سأذهبُ فقطْ للإطمئنان...
.
بكلّ حماسي خرجتْ..عقلي يتخيلُّها وهيَ تنظرُ لي بعيناها..وكمْ أنا وهنٌ أمامَ بلادِهما القاسية..
وصلتُ أخيراً ووجَهتي غُرفَتها..صادَفَ أنها تخَرُج ويبدو أنّها تعاني الإتِّزان..بإتجاهي نحوها لأثبّتها يبدو أنّ هناكَ منْ سَبقني..سبقنِي الآن وآنفاً..تشبّثت ببذلتهِ وكانتْ تبتسمْ..بدوا سعيدين معاً..لا يوجدُ ما يثيرُ الشفقةَ غيري هُنا..
تراجعتُ للوارء كيْلا يرونَني..لمْ أشأ أن أكونَ دخيلاً بينهُما مجدداً..
.
عدتُ أدراجِي أُجرجِرُ آمالي التي بنَت سِقافها عالياً..أذكّر ذاتي أنّها ستظّلُ فقطُ حُلمي البعيد..
.
.
انْقضَى يومانِ من حياتي مكثتُهما في أريكَتي بكلِّ خِمول..اتّصل هاتفي الذي أصبَحَ وجودهُ كعدمِه فإنه لا يرنّ أبداً.
حملتهُ ورأيتُ المتّصل..يبدو رقماً غريباً ، أتاني صوتهُ جهورياً خلفَ الهاتف لأعلمَ فوراً من يكونْ..إنّه خطيبُها المدعوْ بيشينغ..
لمَ يتّصلُ بي؟
.
<< مرحباً أونيو أخيراً أجبتْ اتصلتُ بكَ كثيراً>>
حقاً اتصل؟ لم ألاحِظ ذلك..
أردتُ التحدث ولكنْ صوتي متحشرجٌ من أثرِ النوم..
<<حقاً اتصلت؟ آسف لقدْ كنتُ نائماً ماذا أردت؟>>
ضحكةٌ خافتة انبعثتْ منه لمَ يتعاملُ معي وكأنّي صديقُه؟
<<حسناً كلّ ما بالأمْر أنني أردتُ مقابلتكَ لنتحدثْ عن العمل وأرادتْ خطيبتي أن تشكركَ لذلكَ نريدُ دعوتكَ على العشاءِ اليومْ ما رأيُك؟>>
.
عقلي تجاهلَ جُلّ حديثه ودققّ فقط على نسبهِ لها وكأنها تخصُه..
يداي أوشكتْ علىْ تحطيمِ الهاتِف..
أردفتُ بهدوءٍ يُنافي غليانَ داخلي..<<بالطبعْ لا أُمانِع>>
..
..
اكتنفتُ بِذلةً سوداء لا تشبِهُني وربطتُ ما تبعثَر مِن شعري..يبدو شكلِي مهندماً وقلّما يكونْ..
ياتُرى كيف سيكونُ شكلُها اليوم؟ قلبي تغزّل بِها قبلَ أن يراها..
.
.
اتجهتُ إلى الموقعِ الذي أرسلهُ لي..عندما وصلتْ بدا لي أنه أفخمَ مِما ظننتْ..سرتُ بخطواتي للداخِل..طرازهُ إيطاليٌّ يبهرُ النظَر..نُقِشَ أثاثهُ بدرجةٍ أقتم من درجةِ الجدرانْ يدعوكَ للتأملّ طويلاً وكمْ تحبُّ عينايَ الجمال..
.
رأيتهُ يجلسُ وبحوزتهِ كأسُ نبيذٍ قانٍ..حيّاني بحاجباهْ وذهبتُ نحوهْ..عيناي تبحثانِ عنْ مفضلتِهما..
جلستُ أقابلهُ واحتفظتُ بِسؤالي الذي يتساءلْ أين هي..
ابتسمَ بسعادة وأردَف :<<لقد ظنناكَ لنْ تأتي لمَ كلّ هذا التأخير؟>>
.
لمْ انتبِه أنّني تأخرتُ قرابَة النصفِ ساعة..الذنبُ يعودُ لمحاولتي ألا أبدو رثّاً..
سكبَ لي مِن النبيذِ الذي يجاوِره وناولني إيّاه..أظنُّ أنّ النبيذَ حبّي الثاني أنا حقاً مهووسٌ بِه..
بالحديثِ عنْ ذلكْ..لقد أبصَرتْ عيناي حبّي الأول أخيراً..
.
تمشِي بخيلاءٍ تليقُ بها..الجبيرةُ التي تحتلُّ يدها لا تُنقصها جمالاً..ترتدِي فستاناً أحمرْ خُلِق خصيصاً لجسدِها..
شعرُها متمّوجْ لا يصِلُ كتِفاها يعمّهُ السوادْ لمْ يسبق أنْ رأيتُ بجمالِها..
تعِجُّ بالفِتنة لا أستطيعُ إزاحةَ ناظرِي الذي يُبجِّلُها..
.
جلستْ أمامِي تبتَسِمُ بخفة كتحية..عينايَ تقرآنِها جيداً هيَ تُعَظّمُ صمتُها..أستطيعُ أنْ أسمعْ الضجيجَ المستمِر بداخِلها..
.
كانَ هوَ من يقودُ الحديثَ فكلانا هادِئان..تُزْهرُ قلبيْ أحياناً بضحكتِها فابتسمْ..لمْ أشعر بذاتي إلا وأنا أجَسّد مظهرها الفاتِن في منديلٍ ورقيْ وجدتهُ أمامي وبقلمِ حبرٍ وجدتهُ في جيبي..صفنتُ وأنا أخطّها بكلّ تركيزي ليقاطعنِي صوتهُ..
..
<<حسناً لنتحدّث عنْ العملِ قليلاً..كما قلتُ لكْ أنوي إقامةَ معرضٍ قريباً..أُريدكَ أنْ تختارْ الفكرة وتريني مقترحاتِك.>>
.
لقدْ مرّ وقتٌ طويلْ منذُ أن عمِلتْ..توترتُ قليلاً ولكنّي أريدُ أن أفعلَ ذلكَ لأجلِها..
نبستْ بصوتها الهاديء كنعيمٍ طهّر أذنَيْ..
<<ماذا كنتَ ترسِم الآن؟>>
.
كيفَ لاحظتْ ذلِك..ماذا سيكونُ موقفي الآن؟
نبسَ وهوَ يبتسِمُ بِجانبها :<<هلْ رسمتَ شيئاً؟ أرِنا>>.
.
أخرجتهُ بتوتر مِن جيبيْ آملُ أن لا يظنّا أنني معجبٌ بها..ذلِك خطأ لأنني هنا أمُوتُ حبّاً..
نظرا إلى المنديلْ لثَواني..نظرتهُ غيرُ مقروئة خلافها..رأيتُ لمعة برزتْ في عيناها..
وأردفتْ بشيء يشبهُ الحماس.. :<< أهذهِ أنا!>>
ابتسمتُ لردِّ فِعلها.. ماذا ستفعلْ لو رأت منزِلي وهي تُحيطُ كُلّه!
.
نبسَ هو أيضا وصوته لا يشيبهُ شيءٌ منْ الغضبْ :<<أنتَ ماهرٌ حقاً تشوقتُ لأرى بعضَ لوحاتِك>>
ابتسمتُ بخفة وقدْ قلّ توتري ونبستُ اشكرهْ : <<شكراً لكْ..أتطلعُ لذلِك..>>
.
تحدّثتْ هي بهدوءها الذي أُحب.. :<<سأحتفِظُ بِها>>
وددتُ إخبارها أنّ كلّي لها ولا ضيرَ من ذلِك حتّى لو أرادتْ الإحتِفاظَ بي..
.
.
.

SOÑADOR..|حالِمْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن