التحدّياتْ خُلقتْ للضعفاءِ أمثالنا نخشى مجابهتها والفناءِ في غياهبِ الخسرانْ ..بصيصُ أملٍ لا ينفكُ يتسربُ منْ أفواهِ صدورنا يبشّرُ بنورٍ دانٍ ولا يشارفْ حتى يغدو فانٍ...
ولا زلتُ أصارِعُها بقلبٍ ضامِرْ وعقلٍ خائِر أجولُ أنحائها متفائلاً يترقّبُ رواقِ الأحوال وربّما الزّوال...
.
.
نظرِي موجهٌ إليها أطالعُها بخيْبة خلفَ الزُجاجِ وهيَ ممدّدة في الحجرةِ أمامي والطبيبُ يفحصُها أكادُ أمزّقُ راحةَ يدي بأظافري من شدّةِ القلقْ..
ألمحُ نظرة الإستغرابْ بادية منْ وجهِ الذي برفقتي فلا أستطيعُ لومهْ فأنا ليستْ لدي القدرة على التمثيل أنّ ما أراهُ أمامي لا يكسرُ لي ضلعاً..بلْ يبدو جلياً أنّها ضِلعي!
.
.
بخروجِ طبيبها منْ تلكَ الحجرة أستطعتُ التنفّس مِن جديد ولا أعلمُ سرّ تلكَ النغزة التي راودتْ صدري تُنبؤني بأنّ هناكَ ما هوَ سيء سيحدُثْ وكمْ تمنّيتُ أنْ يخطئ حدسي لأولّ مرة..
.
تحدّث بنبرةٍ خابية ليصعقَ أذناي بسّمٍ لا يزولْ..
<<حالةُ قلبِها تسوء،يجبْ أنْ نُجري لها الجراحة في أقربِ وقتْ>>.
ما سمعتهُ جعلَ خطواتي تتراجعُ للوراءِ بلا إرادة منّي ليتْبعها مشاعري التّي تناثرتْ في أنحائي لا أفقهُ ما يقول ما خطبُ قلبها؟
.
<<ماذا تقولْ مابهِ قلبِها!>>.
أنظرُ بينَ الطبيب وبينَ السيّد يشينغ الذي لمْ تبدو عليهِ الدّهشة مما سمعناه هل يعني ذلكَ أنّ الطبيب لا يهذي بحديثه؟
.
<<لينا تعاني من قصورٍ في القلبْ يبدو أنّها لمْ تُخبركَ بذلك بعد>>.
نطقَ بها بجدية ما اللعنّة معهم ما هذهِ المزحة الثقيلة عقلي لا يكادُ يهضمها ليباشرَ برفضٍ قاطعْ..
.
<<هل تعني أنّها قد لا تنجو ما لمْ تجري العملية؟>>.
أنظرُ لهُ برجاءٍ ليخبرني أنّها بخيرْ وما أن تستيقظ سنخرجُ منْ هُنا..
.
<<للأسف سيّدي ليس لدينا طريقة أخرى>>.
نبسَ بها وأكملَ طريقهُ للخارج...
.
خطواتي تسيرُ بي نحوَ الخارجْ فقد ضاقتْ جميعُ الجدرانْ..ضعفٌ سحيقْ يتملّكُني يأسرُ دموعي حبيسةً داخلَ عيناي ولا أكادُ أصدّق إحتماليةَ فقدانها كيفَ ولمْ أحصُلْ عليها بعد!
.
.
أرحتُ قدماي في أحدِ الكراسي الخارجية للمشفى فلمْ أعُد أقوى الوقوفْ..أنظرُ للأرضِ ودموعي تطالبُ التحرّر وتلكَ الغصّة تقفُ بجمودٍ في حلقي كجندي يحرسُ قومه بكاملِ عتاده..
لا يوجدُ منْ هو أضعفُ منّي الآن..
.
.
شعرتُ بجلوسِ أحدهمْ بقربي ولشدّة إنشغالِ ذهني لمْ ألتفتْ
<<أنتَ تُحبّها صحيح؟>>.
.
صوتهُ وذاكَ السؤال أخرجني من دوامتي لألتفتَ وأنظر له بعيني الداميتين بدهشة..
.
نظرَ أمامهُ يكملُ حديثه
<<علمتُ ذلكَ منذُ أولّ لقاء لنا أنتَ واضحٌ جداً يا رجل>>.
.
<<لمَ تتحدثُ معي بهذهِ الأريحية إذاً بدلاً عنْ أن تلكِمني>>.
بصوتٍ أجش خرجت منّي بلا مبالاة فما قالهُ لا يشوبهُ خطأ
.
<<لمَ ينبغي أنْ ألكمك هكذا هي المشاعرْ لا أحدْ يتحكمُ بها هيَ فقط ما يقودُنا، صحيحْ أنّي أحبّها جداً ولكنْ منْ النظرِ لكْ فقد تغلبتَ عليّ بجدارة،أستطيعُ أنْ أبصمْ أنّك ستسعدُها أكثرَ منّي بمجرّد رؤية طريقتك فالنظرِ إليها>>.
تحدّث إلي ببسمتهِ الحانية يربّتُ على كتفي
.
<<كنتُ أنتظرُ سبباً لأكرهكَ منْ أجلهْ ولكنّك لا تتركَ لي مجالاً البتة>>.
.
<<لنْ تستطيع فليسَ هناكَ أحدٌ لا يحبّني>>.
لا أنكرْ أنّه جملتهُ المتعالية تلكْ جعلتني أبتسم رغمَ غمومي..
.
<<إذنْ ما رأيكَ أنْ تعترفَ لها بمشاعِرك ما أنْ تستيقظ؟>>.
.
نظرتُ لهُ بكاملِ صدمتي هلْ أذناي بخيرْ لأسمعَ خطيبها يخبرني بذلك؟
<<ماذا تقول؟ أعني أنتما معاً كيفَ لكَ تقولُ ذلك>>.
.
نظرهُ امتدّ للأمامْ ينظرُ لتلكَ الزهرة الذابلة مجدداً
<<أتعلمُ أمراً هيَ لمْ تُحبّني يوماً ولمْ تراني كما أراها لذا أفكّر بفسخِ خطبتنا منذُ وقتٍ طويلْ ولكنْ لمْ أستطعْ فقطْ هي علّةُ المشاعر>>..
.
<<ربّما هيَ فقط لا تجيدُ التعبيرَ عنْ ذلك>>.
.
<<صحيح..ولكنّي أرى ذلكَ بعيناها هي فقط معي بجسدها أمّا عنْ روحها فلا أعلمُ عنها شيئاً>>.
.
صمتتُ أنظرُ له لا أعلمُ ما أقولْ يبدو الحزنُ جليّاً عليهْ ولكنّي لا أجيدُ المواساة وأنا أشدُّ من يحتاجُها الآن..فقطْ أريدُ من يخبرني أنّها ستكونُ بخيرْ..
.
<<هيَ قوية ستنهضُ قريباً لا عليكْ>>.
.
شعرتُ وكأنّهُ يستطيعُ قراءة ما فكرّتُ بهِ الآنْ وكمْ آنسَ ذلك وحشةَ أفكاري وظلماتِ أركاني..
.
.
.
الصباحُ أشرفَ للمرّةِ الرابعة وهيَ لا تزالُ نائمة تترُكني وحيداً أخشى أنْ أغفلَ عنْها لثانية ولا أراها مجدداً لذلكَ لمْ أبرحَ مكاني منذُ أنْ أتينا..
الطبيبُ سمحَ لي بدخولِ غرفتها أقضي كاملَ وقتي بالنظرِ إليها وتخيّلِ لمعانِ داكنتيها حينَ استيقاظها..
السيّد يشينغ يأتي بينَ الحينِ والآخر فهو لا يستطيعُ تركَ عمله طويلاً
يقنعُني بالذهابِ لأرتاحَ قليلاً ولكنْ كيفَ لي ذلكْ قبلَ أنْ أراها تنظرُ إلي..
.
.
أنظرُ للنافذة بجفولْ وأعود للنظرِ إليها مجدداً أترقبُ أقلّ حركةٍ منها تعيدُ الأملَ لأيسري..
تسارعتْ نبضاتي برؤيتها تعكّرُ حاجباها لتستيقظ وتنظرَ لي بعيناها التي اشتقت مُتعبة..
لمْ أشعُر بي سوى وأنا أمسكُ بيدها وأراهنُ أنّ عيناي احمرّت
<<لينا! هل أنتِ بخير؟ أتسمعينني؟؟>>
.
<<إهدأ إهدأ من لا يسمعكَ بصراخك هذا>>.
قالتْ مازحة لأحتضنها بجلّ شوقي لها لا أقدرُ حتى على مجابهته ومنعِ ذاتي..
ابتعدتُ حينَ إدراكي لأنهضَ وأخبرُ طبيبها الذي حفظَ وجهي لكثرِة ذهابي إليه.
.
عدتُ سريعاً لأتأكدّ أنّي لستُ في أحدِ أحلامِ يقظتي
وما أنْ فحصها الطبيب طمأنني أنّ حالتها مستقرة حالياً يبدو أنّ إلحاحي عليه أتى بنتيجة فهو أخبرني بكاملِ تفاصيلِ حالتها..
ليذهبَ ويتركني برفقتها
<<هل أنتِ متأكدة أنكِّ بخير ألا تشعرينَ بألم؟>>
.
<<أنا بخير أونيو ولكن فقط أشعرُ بالنعاس كم نمت؟>>
.
<<كيفَ ذلك؟ يفترضُ أنكِ أكملتِ مخرون أشهر بهذا النوم، نمتي أربعةَ أيام>>.
.
<<هلْ أنتَ جاد؟ أربعة!>>
.
أومأتُ لها أؤكد حديثي لأنهض رغبةً بإحضارِ شيئاً لها لتأكله..
ليقاطعني حديثها
<<ولكنْ كيفَ ذلكْ لا زلتَ ترتدي بذلتك هل أنتَ هُنا منذُ أربعةِ أيام!>>
.
كيفَ لمْ ألحظْ ذلكْ..لا أعلمُ ماذا ينبغي أن أقول في هذا الموقف البغيض
<<إنّها بذلة مختلفة ؛ سأحضرُ لكِ بعضَ الطعام ارتاحي>>.
.
تعكّرُ حاجباها فما قلتهُ لمْ يعبرْ حتى قشرةَ عقلها..
.
.
.
تعبٌ يجولُ جميعَ جسدي أشعرُ بالخمولِ يسري حتى بأطرافي وبرغمِ نومي لأربعةِ أيامْ كما يزعمْ لا زلتُ متعبة..
بالحديثِ عنه هو يبدو شاحباً جداً ورؤية لهفتهِ تلك لاستيقاظي أثلجتْ قلبي الخامل..
لا يستطيعُ عقلي تصديقَ فكرة أنّهُ لمْ يفارقَ غرفتي لأربعةِ أيام رغمَ إيقاني بذلك؛هو يكذبْ أنا أعلم ولكنْ اهتمامهُ ذلكْ يذهبُ بي لطرقٍ أجهلها..
.
تعذرّ بالذهاب لجلبِ الطعامِ لي ولكنْ حينَ وقوفهُ مالَ باتجاهي يترنحْ يحاولُ تثبيتَ جسده بيداه على حافة سريري ووعيهُ ينسحب منهُ ببطء ليسقطَ أرضاً....
نظرتُ إليهِ بخوف لأنزلَ منْ سريري باتجاهه منْ شدّةِ خوفي صببتُ كأسَ الماءِ بأكملهِ في وجهه ليجفلَ بفزع ينظرُ حوله يحاول إدراكْ حالته.
يحاول النهوض ولكنْ يبدو أنّ جسده لا يستطيعُ حتى حمله ليعدلّ بجلستهِ بقربي وينظرُ لي بصمت..
<<هل أنادي الطبيب؟؟>>.
.
<< لا لا أحتاجه انهضي لسريرك بسرعة أنتِ بحاجة للراحة>>.
.
هو ليسَ جاداً كيفَ لهُ أنْ يهتمّ لي بحالتهِ هذه..
<<لمَ تفعلُ هذا بي بحقّ السماء فقط أخبرني أنّك لم تنم ولم وتأكلْ شيئاً منذُ أربع أيام!>>.
لا أعلمُ كيفَ قلتُ هذا ولكنّي غاضبة الآن وهو فقطْ ينظرُ لي بصمت.
<<أنا بخير هيا انهضي>>.
.
افلتتُ يدهُ التي تمسكُ بي لأنهض
<<لن أفعلْ حتى تخبرني>>.
منذُ متى وأنا بتلكَ الطفولية ولكنّه يجبرني على ذلك بتصرفاته التي لا أفهمها.
.
<<أجلْ أنتِ محقة أنا فقطْ لا أستطيعُ ممارسةَ يومي أو حتى الحياة وأنتِ لستِ هُنا لذا لا تسأليني مجدداً وفقط ظلّي بخير لأستطيعَ إكمالَ يومي حياً>>.
.
لمْ أتوقع حديثهُ هذا ولا أنْ يكونَ في هذا الوضعْ ونحنُ على الأرضْ هكذا
.
مرتّ عدّة ثواني وألجمَ لساني لا أستطيعُ الرّد ولا أعلمُ كيفَ قمتُ بالتصرّف بشيءٍ لا يُشبهني البتة..اقتربتُ ناحيتهُ يستندُ على الجدارْ لأجذبَ وجههُ ناحيتي وأقبّلهُ بكاملِ غرابةِ شعوري فأنا حقاً لا أعرفني الآن!...
.
.
.
بجلّ غرابتهِ أتاني غربتي وبكاملِ شقائي استقبلتُ شِقاقهْ...

أنت تقرأ
SOÑADOR..|حالِمْ
Romanceمُنقادٌ للخيالْ..لا يجِدُ لذّة في الواقِع.. بدأتْ بتاريخ ٢٧/٤/٢٠٢١م خُتمتْ بتاريخ ٢٤/٤/٢٠٢٢م..