الفصل 15: الناجية

138 23 30
                                    

الفصل 15: الناجية

"أنا هو كاتب هذا الجيل وليس أنت، لطالما كنتَ خيارا ثانيا.."

همس صوت خافت من كائن معتم كأنه مصنوع من الطين في هيئة تمثال بشري، تزيد هالة النيران الساطعة خلفه من ظلمة ملامحه.
..

منزل آل سييف هادئ جدا، الأب يغط في النوم بوضعية غريبة، ويبدو وكأنه يرى كابوسا يسمع فيه كلاما غريبا يصدر من كائن أغرب، فهو لا يتوقف عن تغيير تعابير وجهه رغم أنه في أعماق سباته.

أما الأم، فهي في غرفة المعيشة، تجلس جاعلة ساقا على الأخرى، بينما تشاهد التلفاز وبيدها كيس رقائق بطاطا، أخذت تحشر قبضتها داخله لتسحب ملئ كفها ثم تلتهمها دفعة واحدة مثل الطاحونة. وعندما انتهت منه، رمت الكيس جانبا لينضم إلى عدة أكياس أخرى، وما تزال تتناول كيسا آخر من كومة ضخمة بجانبها.

لم تكن ماديسون تركز على التلفاز، أو على ما كانت تأكله بكل حال، وإنما جعلت تمضغ ما تضعه بفمها بسرعة شديدة لفرط توترها، لم يدعها التفكير بشأن ما حدث بينها وبين إيفا تحظى بقسط من الراحة منذ أن غادرت ملقية تلك العبارة القاسية: "أنت لست والدتي"..

وللمرة التي لم تتفرغ ماديسون لعدها، وقف الطعام بحلقها عندما تذكرت وجه إيفا وهي تقول ذلك فشرعت تسعل بعنف.

..

بدأت ملامح ذلك الظل تستضيح، بمجرد أن هبت ريح ساخنة من خلفه جعلت خصلاته الذهبية التي تساقطت على حوافها إضاءة النيران البرتقالية والحمراء تتطاير وتتمايل بعنف، فاشتعلت عدستاه الزرقاوان كأنها مصابيح باهتة، ليصيح منقضا في وجه محاوره الذي ارتفعت أنفاسه وأصبح يوشك على الصراخ من الفزع..

-"ماذا ستفعل بشأن هذا يا أرنست؟!"

عندها كسر ذلك الصمت الذي يغزو أرجاء الغرفة شهقة فزعة من جوف أرنست، والذي فض مضجعه ذلك الكابوس الغريب لتتسع عيناه الرماديتان في صدمة.

جلس برهة حتى يستوعب أنه استيقظ أخيرا، مكتفيا بإسناد رأسه الذي نهشه الصداع على كفه لبعض الوقت.

-"بئسا لهذه المروحة، تقوم بإرجاع الهواء الساخن لا غير.."

نبس متذمرا بعد أن رفع رأسه ليجد المروحة المعلقة في السقف ما تزال تعمل، وكل ما تفعله على حد قوله هو تحريك الهواء الساخن في الغرفة لا غير، فنهض من مكانه وقام مباشرة بكبس زر ليطفئها، بعدها اتجه نحو نافذة الغرفة يجر قدميه بتثاقل ولا ينفك يتثاءب كونه لم يستوفِ حاجته من النوم، والتي لا تُستوفى أبدا ولو نام الدهر كله.

أبعد الستائر بعنف غير متعمد حتى أوشك يقتلعها من مكانها، ثم فتح النافذة على مصراعيها حتى تُضاء الغرفة قليلا، فإذا بنسيم حار لافح يصطدم بوجهه بمجرد أن أبعد الدفتين عن بعضهما البعض.

شيفرة ليتوفيتشينكوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن