الفصل 22: حنين
"لم أركض في حياتي مثلما ركضت ذلك اليوم، لم أصرخ يوما كما صرخت حينها، لم أبكِ أبدا بتلك الحرقة. من المؤلم حقا أن يدرك المرء قيمة الأشياء الغالية بعد فقدانها، ولكن الأشد ألما من ذلك هو أن تعطي للأشياء قيمتها بالفعل وتعتاد على ذلك الشعور العارم بالامتنان، ستنتابك حسرة لا تفوقها حسرة عندما تختفي هذه الأشياء والأشخاص الذين يعنون لك شيئا ما."
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبر جو الصباح الساكن تحركت الدراجة بسرعة زحزحت الهواء وصنعت نسيما خافتا ضايق الراكِبين.
سلك أوليفر عدة طرق فرعية ومختصرة لم يسبق لإيفا أن رأتها في حياتها رغم أنها تعيش في فيلدسباث منذ أكثر من خمس سنوات، ولكن اكتشاف أماكن جديدة لم يكن محط اهتمامها بأي حال فقد كانت تتخبط في أعماقها بين الامتعاض من جينوا لأنها خرجت ببساطة دون استئذان ولم تفكر حتى باستشارتها أو على الأقل إطلاعها على أمر الصورة المفقودة من الكتاب، وبين قلقها من أن هذه الأخيرة قد وقعت في ورطةٍ ما، طالما لا أثر لها في أي مكان.
هذا ليس كل شيء بالمناسبة. كلما صدف وأن غابت جينوا عن تفكير إيفا للحظة، شغل ذهنها بدلاً سؤالٌ تردد على نحو مزعج ومثير للفضول: 'ما الذي كان أوليفر يفعله في ذلك المكان، وفي مثل ذلك الوقت المبكر بالذات؟'
وبقولها 'ذلك المكان'، كانت تقصد ذلك الشارع بالتحديد حيث يتواجد منزل جينوا.
هو الآخر كان لديه ما يشغله، عيناه مثبتتان على الطريق ريثما يقود بسرعة جنونية، أما إيفا التي تمضي وقتا عصيبا في التمسك بمقعدها الخلفي فقد كانت تحيط علما بمقدار القلق الذي يعتريه، وأنه لا يبدو كمن يرغب في فتح محادثة الآن.
ولكنه أوليفر وحسب، حتما ليس الشخص الذي ستتردد إيفا في سؤاله عن أي شيء.
-"أوليفر؟"
-"نعم، ما الأمر؟"
أجاب بصدر رحب رغم شعوره بالضغط وانهماكه ببذل جهد بدني معتبر، ذلك خلق بعض الثقة في نفس إيفا لتسأله دون تخوف من مضايقته..
-"هل كنتَ تحتاج شيئا مستعجلا من جينوا؟ أرجو أن كل شيء بخير، و.. أنا ممتنة حقا لأنك ظهرت في الوقت المناسب وإلا لوقعتُ في حيرة من أمري."
ثم قهقهت بخفة ليبدو كل شيء كمحادثة رتيبة، غير أن أوليفر شعر بأن هناك أمرا غريبا.
أجاب دون أن يبذل جهدا في المراوغة..
-"ليس هناك شيء مهم، مررتُ من هناك صدفةً."
بعد لحظات من الصمت المحرج، تربعت العجلة الأمامية على حافة منحدرِ ما، فتوقف قليلا قدرَ ما نبس لمرافقته قائلا..
أنت تقرأ
شيفرة ليتوفيتشينكو
Fantasiaفيلدسباث لم تكن سوى بلدة ريفية لا تكاد تظهر على خريطة مملكة إيلدينغار، ما الذي قد يجعلها مهد الثورة المنتظرة؟ مِن هناك، بدأ سعي دوق هيڤي ستون المستميت لإنهاء الحقبة المظلمة التي تلت سقوط الأسرة الحاكمة على يد عابث متخفٍ، مستعينا في ذلك بأعظم سر أخفت...