✔️| الفَصلُ الأَوَّلُ .

455 43 9
                                    

لَـم تَـكُـن يـاسـمـيـن تَـنـتَـظِـرُ الـكَـثـيـر مِـنْ عَـائِـلَـتِـهَـا، انِـتَـظَـرت حُـضـنـاً دافِـئـاً يَـحـتَـويـهـا فَــ يُـغَـلِّـفُ جَـوارِحـهـا مـاحِـيـاً آثَــارَ الـصَّـقِـيـع عَـنْ جَـنَـبـاتِ فُـؤادِهـا الـمُـحتَـرق، انتَـظَرت أنَـامِـلَ حـانِيـة تَـمسَـحُ عَنـهـا كَـرَبَـهـا وَدُمُـوعَـهـا، فَــ تَـرُسُـم بَـسـمَـةً عَـلَـى شِـفـاهِـهَـا، إِلَّـا أَنَّ الـحَيـاةَ وَضَـعَـتْ لَهـا حِكَايَـةً مُختَـلِفَـةً بَـعِيـدَةً عَـنْ أَحـلَـامُـهَـا الـوَردِيـة.

تَنَهدتُ بِـتَعَب أَمسَحُ عَلى وَجهِي، أُحَاوِل إِزالَةَ عَلاماتِ الإرهَاقِ عَنْه، فَـبَـعدَ يَومٍ مَدرَسِيٍّ طَويِلٍ خِلالَ مَوجاتِ الحَرِ الحَارِقَة، أُرِيدُ فَقَط الاستِلقَاء فَوقَ سَريري والنَوم، شَققتُ طَرِيقي لِغُرفَتي لِتّحقيقِ تِلكَ الغايَة مُتَمَنِية أَن لَا أُقابِلَ أَحد أَفرادِ عائِلَتي؛ لكِنْ لَيس جَميعُ الأمانِي كُتِبَ لَها أنْ تَتَحَقق، حَيثُ أبصَرتْ عَينيّ هَيئِة أمِي تَنزِلُ عَلى الدَرَج، لِأَتنَهد بِتَعب قَبلَ أَنْ أُنادِي عَلَيهَا، أهَيِّئ نَفسِي لِمَا سَأتجَرَعه بَعدَ فِعلَتِي.

"أ أمِـ ـي"

نادَيِت بِتَأتَأةَ أَغتَصِبُ اِبتِسامَة مِنْ شَفتيّ المُرتَجِفَة بِـتَـوَتُـر، قَبَضتُ عَلى بِـنْـطـالِي بِـقَـلـق إِذْ أَنَّ تَعابِير والِدَتي الجامِدَة ما قَابَلنِي، عُيونٌ زرقَاء لَا تَخلُ مِنْ القَسوَة تُطالِعُنِي فَـتَـنشُر فِي دَاخِلِي مَزيجَاً مِن التَوتُر وَالألَم، شِفَاهٌ رَفِيعَة تَصبُغُها بِـلَـونٍ وَردِيٍّ بَرَاق يَجعَلُها تَبدُو كـَإحدَى المُدَرِساتِ فِي المَدَارِسِ الخَاصَة، ذَلِكَ النَّوع الشرِير مِنهُن، بَشَرَةَ مُجَعدَة تُظهِر عَلامَاتِ التَّقَدُم بِالسِّن، بِـشَـعَـرٍ أَشقَرٍ يَتَخَلَلُهُ الشَّيب، تَرفَعُهُ دَومَاً بِشَكلٍ مُنَظَم حَيثُ لا تَفُرُ أَيُّ خُصلَة مِنْ تَسرِيحَتِها.

أَبعَدتْ والِدَتِي الهَاتِفَ عَنْ أُذُنِهَا، تَنظُرُ لِي بِحاجِبَين مُقَطَبين بِـإنـزِعـاج، عَلَى ما يَبدُو أَنَّنَي قاطَعتُ مُكالَمَةً مُهِمَةً بِالنِسبَة لَها، وبِالطَّبع لِم أَكُنْ أَعلَم بِكَونِهَا تَستَخدِمُه، فِإن كُنتُ عَلَى عِلمٍ بِذلِك لَم أَكُنْ لِـأَنـدَهَ عَلَيها، عَينَاها لَم تَتَوقَف عَن مُطالَعَتِي أَثنَاء اِعتِذاِرها مِنْ الطَّرِفِ الآخَر وَطَلَبِها إعادِة ما قَالَه لَِعدم سَماعِها لَه، انتَظَرتُ أَقِفُ أَمامَهَا لِبَعضِ الَدقائِق والتِي طَالَت لِتُصبِحَ خَمسَ عَشرَ دَقيِقَة، شَعَرتُ خِلالَها بَِكونِي أَحتَضَر فَـصَـقراوِيَتيهَا لَم تُفارِقانِي حَيثُ كُنتُ أَقِف أَمامَها كَـطـالِبٍ يَطلُبُ المَغفِرَةَ عَلى ذَنبٍ لَم يرتَكِبه.
أََغلَقَتْ هَاتَِفها بَعدَ إلقائِها كِـلِـمات الوَداع، تَرشُقنِي بِنَظرَة بارَِدة، شعَرتُ دَومَاً أَنَّ خَلفَهَا تَكمُن أُخرَى مُستَصغِرَة ساخِرَة كَأَنّها تَقول -ماذَا تُرِيد العاجِزَة الآن-، وَهِيَ جُملَة لَم تَكُن لِتَخجَل مِنْ رَميِها عَلَى مَسامِعي، رُغمَ أَنِّهَا لَم تَنطّق بِها يَومَاً إلّا أنَّنَي تِذَوقتُها مِن نَظَراتِها، شَعَرتُ بِقَلِبي يَتَوَقف لِشِدَةِ خَفَقانِهِ وَكَانَ ذَلِك بِفعلِ الأَلَمِ الذِي تَسَلَلَّ لِفُؤادِي المِسكِينِ والذِي اِستَعذَبتُ آلامِهُ بـِبحثي فِي حَدَقَتَيها عَمَّا يُراوِدُها، ابتِسامَتِي المُشَوهة اِستُبدِلَت بِـأُخرَى مُتَألِمَة.

يـاسَـمِـيـن | بَتَـلـات مُـتسـاقِـطـة .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن