الوقتُ يَجري صانِعاً مِنَ الدَّقائِقَ ساعاتٍ، وِالسَّاعاتَ إِلى أَيام، تَضحى الأَيامُ شُهوراً، كَمِّا تُصبِحُ الشَّهورَ سِنيناً، تَحملُ فِي طَياتِها الذِّكرَيات.
بِهَذا الشَّكل مَضَت عَلَى عَزيزَتِنا ياسَمين أربَعَةَ سَنوات، أَنهَت بِها دَراسَتَها الجامِعيَة، وَتَدرِيبِها المَهَنيّ، سَنواتٌ أَربَع مَليئَةٌ بِالمُغامَراتِ رِفقَةَ الأَصدِقاء، وَضِحَكاتِ العائِلة وَالرِّفاق.السَّماءُ بَدَت صافِية، النَّسيم لَطيف، وَالأَجواءُ هادِئة، عَكسَ ضَرباتِ قَلبِها المُضطَرِبَة، التَّوتُرُ يَكاد يَفتِكُ بِها، أَنامِلُها تِقبِضُ عَلى حِزامِ حَقيبَةِ يِدِيها حَتى بَلَلته، شَفتاها تَطلُبانِ الرَّحمة، تَرجُوانِ المَغفِرة، فِي ذَنبٍ لَم يَقتِرفاه، وَرغمَ تَذِوقِها مَذاقَ الدِّماءِ المِعدَنيّ فِي فِمِها، إلّا أَنَّها لِم تَغفِر لَهُما، حَلقُها جافٌ لا يَرتوي، حَتى مِع اِسرافِها فِي شُربِ المِياه، خُطواتُها بِطيئة تِحملُ مِعالِمَ للتَّرَدُدِ وَالتَّوتُر.
اِستَقلَت المِصعَد نادِمةَ، لِرفضِها عَرضَ جِيف فِي اِيصالِها فِي يَومِها الأَول بِمكانِ عَملِها الجَدِيد، مَع تَركِ قُبلَةٍ عَلى ناصِيَتِها تَبُثُ الشَّجاعَةَ فِي داخِلها، هَذا ما تَحتَاجُهُ الآن قُبلةَ دافِئِةَ وَكَلِماتٌ تَحفِيزيَة تَضُخُّ فِيها الشَّجاعَة وَتَمنَعُها مِنَ الهَرب، وَتَبعَثُ فِي أَطرافِها المُرتَجِفةَ الدِّماء.
'جِيف أَيُّها الأَحمَق كانَ عَلَيكَ أَن تًصِرَّ أَكثَر فِي عَرضِك!'
لامَت شَقيقَها الغَبي، عَلى عَدم اِجبارِها عَلى الصُّعود فِي سَيارَتِه لِإِيصالِها، وَالذِي بِالمُناسَبةَ اِستمَرَ فِي مُحاوَلَةِ اِقناعِها لِما يَزيدُ عَن ساعَة، إِلّا أَنَّها لَم تَكن تَستَجيب، وَبَقِيت مُتِمَسِكَ بِقَرارِها، كَالحَمقاء."حَسنَاً ياسَمين عَلينا الهُدوء، فِي طَريقِ العِودَة سَنلعِن جِيف بِما يَكفي"
نَبَسَت بِخفوت تَحتَضِن نَفسِها تُطَبطِبُ عَلى ذِراعَيها، فِي مُحاوَلة لِطَردِ التَّوتُرِ، وَبعثِ الطَّمَأَنِينة فِي أَطرافِها وَخَلايَا جَسَدِها، تَستَغِلُ خُلو المَصعَدِ مِن البَشَر."يَجَب عَليّ الهُدوء"
رَدِدت مِن جَديد، أَقدامُها تِرتِجِف، وَوِجهَتُها تَقتَرِب، المِصعَدُ يَقتَرِب مِن طابِقها وَهي لا تَزالُ تَحتَضِر لِفَرطِ اِرتِباكِها. تَوقِف المِصعد وَفُتِحَ البَاب، لَم يَكُن طابِقها المَقصود، دَخلَ شَخصٌ ما الحَيزَ الضَّيقَ، الذِي تَكادُ ياسَمين أَن تَحصُلُ عَلَى نَوبَةِ هِلَع فِي مِساحَتِه، لَم تَستَطِيع رَفعَ رَأَسِها لِاِكتِشافِ الراكِبِ الجَديد، إِلّا أَنَّ رَائِحَةَ العُطرِ النَّفاذ، كَشَفتَ كَونَهُ رَجُلاً، لِم يَكُن وُجودُها رِفقَةَ رَجُلٍ غَريبٍ ما يُخِفُها، بَل حَقيقَةُ اِقتِرابِها مِن طابِقها مَن فَعَلت، الصَّداعُ أَصابَها؛ نَتيجَةَ الاِرتِباك، هَل يَجب عَليّ رَفعُ رَأَسِي وَاِلقاء اِبتِسامَة لَكيّ لا أَبدو وَقِحة؟
لا عَلَيّ العَملُ عَلَى تَخفِيفِ تَوتِري، قَبلَ الوصُولِ لِطابِقِ عَملِي، لَا وَقتَ لَديّ لَظُهورِ بِمَظهَرٍ لَطيفٍ أَمامَ غَريباً لا أَعرِفُه.
أَدِيتُ طُقوساً كَثَيرة فِي مُحاوَلَةِ تَمالُكِ نَفسِي، مُنذُ صُعودِي لِلمِصعَد، عَدَدتُ الخِرافَ، غنَيتُ أُغنِيَتي المُفَضلة، راسَلتُ جِيسي إِلّا أَنَّ الأَخرَق لَم يُجيب؛ بِالتَّأَكيد هو نائِمٌ الآن، تارِكاً إِياي أُعانِي داخِلياً وَحيدةَ.
أنت تقرأ
يـاسَـمِـيـن | بَتَـلـات مُـتسـاقِـطـة .
Romanceلَـم تَـكُـن يـاسـمـيـن تَـنـتَـظِـرُ الـكَـثـيـر مِـنْ عَـائِـلَـتِـهَـا، انِـتَـظَـرت حُـضـنـاً دافِـئـاً يَـحـتَـويـهـا فَــ يُـغَـلِّـفُ جَـوارِحـهـا مـاحِـيـاً آثَــارَ الـصَّـقِـيـع عَـنْ جَـنَـبـاتِ فُـؤادِهـا الـمُـحتَـرق، انتَـظَرت أنَـامِـ...