بِدايَةُ الطَريقِ

17 6 0
                                    

تَستَيقِظُ بِكامِلِ قِواها الّتي خارَت، بِهِمَّةٍ قَدْ تَبَخًَرَت، بِروحٍ حيَّةٍ قَتَلها الهِيامُ، تَسلُكُ مَسارًا مُستَقيمًا لِتَروي ما ذَبِلَ مِنْ مَعالِمِ وَجهِها بالماءِ البارِدِ في نِهايةِ الخريف حَقًا هذا بارد.

لِتَرتَدي فُستانًا فِرَنسي الطّابعِ بلونٍ أسودٍ داكِنٍ جِدًا، سُترةٍ بَيضاءٍ خفيفةٍ، و حذاءٍ أسودٍ، لِتَسقي عُنُقَها بالعِطرِ الذي أهدتها إياه (مي يونغ)، تَتْرُكُ شَعرَها مُنسَدِلًا كَشَلّالٍ مِنَ النّعيمِ، مُمسِكَة بهاتِفِها تَخرُجُ إلى جلسَةٍ أُخرى مُؤلِمَةٍ جِدًا، على الرُغمِ مِن إنطِفائِها لا زَالَت أَجمَلَ فَتاةٍ عَلى الإِطلاق، وَصَلَت إلى عَرينِ الطبيبِ (بارك تشانيول)، تَخطو إلى مَكتَبِهِ بِلُطفٍ كَما لو أنَّها تَخشى إِِيقاظُ أَحَدَهُم، مُمسِكَةً بِمِقبَضِ البابِ تَفتَحُ البابَ بَعدَما استمحَتْ العُذرَ بالدخولِ من مُساعِدَتَهُ، لِتُصابُ بالتَوَّجُسِ مِما رَأَت.

بِعَدَمِ تَصديقٍ كَالسَّهمِ انطَلَقَتْ نَحوَهُ جاهِلَةً ماذا سَتَفعَل، بعدما رَأَت (بارك تشانيول) مُلقً على الأرضِ وَ الدِّماءِ تَعُمُّ المَكانَ، تَجوب أَعيُنِها الغُرفَةَ لِتُصدَمَ ثانِيَةً، نَعَم ذَلك ال(جونهوي) جالِسًا كَما لو أَنَّه وَرِثَ المَكانَ أَبًا عَن جَد يُنَظِف المُسَدّس بِكل برود، استَقام مَاشيًّا نَحوَها ليَهمسَ لَها "هَذِا لَيسَ شَيئًا آنِسَتي".

خَرَجَ تارِكًا خَلفَهُ يُنبوعًا مالِحًا من الدُموعِ الَتي ذَرَفَتها على جَسَدِ (بارك تشانيول) مُحاوِلَةً إِيقاظُه، تَطلُب عَونًا من أي أَحَدٍ يَسمَعُ صوتَها، كَأَنّهم اختَفَوا أَم ماذا؟ لا أَحد يُجيب، (سانا): أَرجُوك.. افتَحْ عَينيَكَ أَرجُوك، تَتَعالى أَصواتٌ بَدَت مَجهولَةٌ سُرعانَ ما بانَت.

صَوتُ المُنَبِهِ المُزعِجِ هذا كُلَّهُ حُلُمْ، لَقَدْ كَانَ حُلُمًا هذا القَول الذي تَرَدَّدَ عَلى لِسانِها عِندَما أَدْرَكَتْ أَنَّه كابوسٌ بَشِعٌ جِدًّا، أَطفَأَتْ المُنَبِهَ بِضَجَرٍ واضِحٍ لِتَذهَبَ للإِستِعدادِ لِمُقابَلَةِ ذٰلِكَ ال (بارك).

اختارَت فُستانًا باللونِ الأَحمَرِ الدّاكِنِ مُغايِرَةً لِلحُلُمِ، فوقَهُ سُترَةً خَفيفَةٍ سَوداءٍ و حِذاءٍ أَسوَدٍ طَويلٍ، رَفَعَت شَعرَها الحَريريُّ مُقَيِّدَةً إِياهُ بِرِباطٍ غَلَبَ عَليهِ طِرازِ الأَميراتِ، عِطرُ زَهرَةِ البوفارديا الذي اجتاحَ عُنُقَها الطَّويل، كَم كَانَت بَخيلَةٍ وَ قاسِيَةٍ لِكي تَمنَعُ نَفسُها مِن طَعامٍ يُعيدُ بِناءَ جَسَدَها المُهَدَّمِ، خَرَجَت تَحتَ الرِّياحِ الخريفيةِ النَّاعِمَه فَضَّلَت المَشيَ على أَن تَستَقِلَ المَركَبَةَ.

تَسابَقَت أَوراقُ الشَّجَرِ على مَن سَيَصدِمُ وَجهَهَا أَوّلًا، أَخيرًا تِصل إِلى مُبتَغاها عيادَةُ (بارك تشانيول) دَخَلَت وَ أَخبَرَتها السكرتيرة بأن تنتَظر قَليلًا فَلديهِ ضيف، بالفِعل خَرجَ الضيفُ بَعدَ بُرهَةٍ لِتَفزَعَ الأُخرى، راكِضَةٌ نَحوَ غرفَتَهُ تُنادي (تشانيول، تشانيول) فَتَحَت البابَ بِسُرعَةٍ، (تشانيول) آنِسة (سانا)هل أَنتِ بِخَير؟ (سانا) دامِعَةُ العينِ اللعنه أَنت مَن يَجب عَليهِ أَن يكونَ بِخَيرٍ، بِتَساؤُلٍ واضِحٍ يَنتَظِرُ شَرحًا.

كَانَت سَتَتَحَدّث لولا تَدَّخُل (جونهوي) حَسَنًا هو الرَّجل الذي رَأَته و خَشيَت أَن يَتَحَقَقُ الحُلُم أَقصِد الكابوس، سَأَلَ (جونهوي) يا آنِسة هَل أَنتِ بِخَير؟ تِلكَ الكَلِماتِ التي أَحيَت ما ماتَ منها، تلك الكَلِماتِ التي أَطرَبَتْ سَمَعَها.

بِخير؟ أَتَقولُ بِخيرٍ؟ أَيبدو أَن الخيرَ واضِحٌ عليَّ جدًا، أَيُ خَيرٍ تَتَحدَثُ عَنهُ؟ أَنتَ حَوَلتَني لِشَخصٍ لا أَعرِفُني، تَغيَّرَت حالي وَ تَقولِ بِخَيرٍ، رافَقَتني الدُّموعُ و الآلامُ في كُلِّ وَقتٍ منذُ لُقيايَ لُقياكَ.

أَتَعلَمُ كَم كَرِهتُ نَفسي الساذَجَه التي أَحبَبتُكَ بِها؟ كَم كَرِهتُ نَفسي لأَنَني لا أَستَطيعُ أَن أَكرَهُك! جَعلتَني أَخسَرُ نَفسي، والِداي، ذاتِي القَديمَه، شَغَفي و فَنِيَ.

(سانا): بِخير يا سَيّد، دون أَن تَنظُر إِليهِ نَطَقَت، (جونهوي): حَسَنًا؛ فَقَد رَأَيتُكِ فَزِعةٌ و تَركُضين، (سانا) بِتَوَتُر: هذا شيئًا لا يَعني سِيادَتَك أَنَا بِخَير، (جونهوي): حَسَنًا، الوَداع،

(تشانيول) باستِغرابٍ مِن تَصَرُفِ (سانا) الغَريب جِدًّا، ما هذا (سانا)؟ (سانا) سَيِّدي هٰذا هُوَ (جونهوي) الرَّجُلُ الذي أُحِب مُبتَلِعَةً ما بِحَلقِها بِصُعوبَةٍ.

(تشانيول) يُهَمْهِمْ، إذًا ما سَبَب إِقتِحامِ الهُنودِ الحُمرِ الَذي قُمتِ بِهِ؟
(سانا) إنَّهُ الكابوس لتُخبِرَهُ بِكُلِ شَيء.
(تشانيول) يُدَوِّن كُلَّ شَيء في الدَّفتَر، قائِلًا أَليسَت صُدفَةً أَن يَأَتي بِنَفسِ يَومِ الحُلُم؟ هل هذه المَرَّةِ الأُولى التِي تَحلُمينَ بِهِ فيها؟
(سانا) أَتَقصِدُ هَل هُنالِكَ لَيلَةٍ لَمْ أَحلُمَ بِهِ فيها، أَراه في أَحلامي، طَيفًا في النَّهار، لا أدري فَقَط دَعني أَنساه.



Philophobia || فيلوفوبيا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن