فَلِعَينَيكَ ما يَلقى الفُؤادُ وَ ما لَقي

18 4 3
                                    

النِّسيان لَيتَني أَستَطيعُ أَنْ أَنسى، كَم مَرَّةٍ نَسيتُ أَشياءً تَخُصُني وَ لَمْ أَنساهُ، مَن يُصَدِقَ أنّي لَم أُكَلِمَ والِداي مُنذُ عودَتِهما لِليابان؟ بالفِعلِ قَد نَسيت، لَكِنَني لَمْ أَنسَ تَفاصيلَهُ يَومًا، لَمْ أَنسَ أَنْ أَكرَهَهُ، لَم أَنسَ أَن أَشتُمُهُ، لَمْ أَنسَ أَن أَشعُرَ بِالغَيرَةِ عَليهِ، كَيفَ لِي أَلّا أُدرِك حُبًّا قَدْ بَرى جِسمي؟ دُموعٌ شائِكَةٌ في مُقلَةِ عَينَها لا تَندَفِعْ وَ لا تَلزَمْ مَكانِها، أَيَّتُها الدُّموع، ارحَمِ عَينًا سَكَنتِها لِسَنَواتٍ طَويلَةٍ مَريرَةٍ، عَينًا مَا لَمَعَت إلّا فَرَحًا.

لَيتَكَ تُحِبُني بِقَدرِ حُبِكَ لِكَسري و إِهانَتي، لَيتَنا بِهٰذا القَدرِ نَقتَسِمُ، كَفاكَ طَعنًا بي كَفاك! لَو كُنتَ صَخرَةً لَشَعَرتَ بي، لا تَلومَني لِأَنني أَبوحُ بِمشاعِري وَ لا أَكتُمُها، فَكَيفَ لي أَنْ أَكتِمُ حُبًّا قَدْ بَرى جِسمي تَلتَفُ أَحوالَها و مُمارَساتِ يَومَها حَوله، هُو مِحوَرها.

يُكَرِّر سُؤالَهُ بِنَبرَةٍ أَيقَظَتها من شُرودِها لِيَنتَفِضْ جَسَدُها كَالطّفلِ الخائِفِ: آنِسة (سانا)، أَينَ شَرَدتِ؟
(سانا): لا مَكان، أَنا هُنا حَضرَةُ الطَّبيبِ، (تشانيول): ما هِي مَشاعِرُكِ تِجاهه اليوم؟ (سانا): لا أَعلَمْ، لا أَظُنُها تَغيرَت، ولا أُظُنُها باقِيَةٌ عَلى حالِها! هَل هٰذا طَبيعي؟ (تشانيول): بالطَّبعِ، بِما أَنَّ مَشاعِرُكِ بَدَأَت تَختَلِف عَمّا قَبلْ هذا مُؤَشِّر جيِّد، هَلّ جَدَّ جَديد ؟ (سانا): أَجَلْ، أَنا عازِمَةٌ أَنْ أُقصيهِ مِن حياتي أَعِدُكَ سَتَرى التَّحَسُن، (تشانيول): عَزمُكِ حَديديٌّ، هذا ما أَطمَحُ إِليهِ.

أَرفَقَ كَلامُهُ بِإِخبارِها عن دواءٍ يُحَسن من حالَتِها، وَ حَثَّها على تَناولِهِ بَعدَ الطَّعامِ، لِتُخبِرُه قائِلَةً: أنا لَن أَتَناوَلَ الطَّعامَ، (تشانيول) يَلْتَفِتُ لَها وَ يَنظُرُ لَها مِن زاوِيَةِ عَينِه، مَاذا قُلتِ؟ لِمَ! هَل هو يَوم الصيامُ العالمي؟ أَم أَنتِ تُحاوِلينَ التَّقرُّبَ مِنَ الرَّب؟ يضحك (تشانيول) و يقول: أَمْ أَنَّكِ تُكَّفِرينَ عَن خَطيئَتك عِندَما أَحبَبْتِ مَخبولًا؟ (سانا) تبتسم: رُبَما هو كَذلك حَقًا إنّه خَطِيئةٌ، (تشانيول): ما رَأَيُكِ أَنْ نَذهَب لِتَناوِلْ الغَداءِ مَعًا ؟ إنَّه عَلى حِسابي، (سانا): موافقة.

بِلا تَرَدُدٍ وَافَقَت، رُبَّما لِأَنَّها لَمْ تَجِدُ شَريكًا يُشاطِرُها طَعامُها، لَيسَ ذَلِكَ فَقَطْ فَهي لَمْ تَكُن تَملِكُ أَحَدًا لِيُشارِكَها حُزنُها، أَلَمها، و حتَّى خَيبَتُها، (مي يونغ) كَانَت تَفي بالغَرَضِ أَمَّا الآن فَلَديها مَشاغِلَها، بالواقِعِ مِنْ حَقِّها أَنْ تَعيشُ بِدونِ كَدَرٍ، صَمتًا (سانا) لو سَمِعَتكِ (مي يونغ) لَحَطَّمَتْ وَجهَكِ، هَكذا سَرسَرتْ في ذاتِها.

Philophobia || فيلوفوبيا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن