pt11

10.8K 492 94
                                    

يومٌ باردٌ آخَر يَمُرُّ على القَرية البائِسة.. صباحٌ جديدٌ يُشرِق على التلالِ الخضراء الواسِعة بشمسٍ باهِتةَ اللون خافِتةَ الضياء تتداخلُ خيوطُ إشعاعِها بينَ رمادية الغيومِ الكثيفة.. تتسللُ بعضٌ مِنها داخِلَ تلكَ الغُرفة الصغيرة.. 


رائحةُ الحاكِمِ عالقةٌ على جَسَدِه، عَبقُ ذلكَ العطرِ الفاتِن يَملأُ صَدرَه، يتخللُ رئتيه في كُلِّ نَفسٍ وشَهيق، قَلبُهُ مازالَ يرتجفُ طوالَ الليل لِتلكَ الرائحة، لتلكَ الهالة التي بقيت تُحاوُطُه طيلةَ نومِه.. ومازال في ذاتِ الوقت يشعر بدفئٍ غَريب.. دفئٌ مَكَّنَهُ من النومِ بِسلام رغمَ تَوَتُرِ قَلبِه.. ذلكَ الدفئُ بطريقةٍ ما تسللَ إلى أحلامِه.. يرى حُلُماً غريباً مع طلوعِ الفَجر يرى نَفسَهُ في احظانِ الحاكِم في حديقةِ واسِعة وجميلة كالجَنَّة لقَد تَركَ جَدَّهُ وقريتَه وقد أتى لينامَ في احظانِ الحاكِم.. يُكَوِّر جَسَدَه كَطفلٍ صَغير والحاكِمُ يَمسحُ على شعرِه بِلُطف وعلى وجههِ الشاحِب ترتسِمُ إبتسامةٌ دافِئة..


لَقَد غَرِقَ في تفاصيلِ ذلكَ الحُلُم.. غرِق في دفئِ يدَي الحاكِم يرغبُ بأن يبقى فيهما إلى الأبد.. ولو يدري بأنهُ مُجَرَد حُلُم فهو سيتمنى بأن لا ينتهي هذا الحُلمُ أبداً.. فقَد وجَدَ في ذلكَ الحُلُم دِفئاً لَم يشعُر بِه منذُ طفولَتِه.. في يَدي الحاكِم بدأَ يشعُر بِحُبِّ أُمِّه وعَطفِ والِده.. لقد شعرَ بِعواطِف كانَ قَد نسيها منذُ وقتٍ طويل..


زرقاويتاه بدأتا تُفتحانِ بِبُطء، آثارُ الحُلمِ مازالت مُحيطةً بِه.. ولَم يَكُن ليستفيقَ لولا إزعاجُ إشعاعِ الشمس.. وقَد أمضى وقتاً حتى استيقظَ تماماً..


أنظارُهُ اخذَت تدورُ في أرجاءِ الغُرفة وكأنهُ يرى غُرفَتَه لأولِ مَرة.. ينظُرُ إلى جَسَدِه والآثار التي تُرَكَت هُناك لتعودَ لهُ تفاصيلُ ماحصلَ ليلةَ أمس.. تفاصيلُ الواقِع تشابَكَت مع تفاصيلِ حُلمِه.. شَعَر بالحرارةِ ترتفعُ في وجنتيه.. كيفَ لهُ أن يرى حُلُماً دافئاً كهذا عن ذاتِ الشخصِ الذي إنتهكَ كُلَّ إنشٍ مِن جَسَدِه، كيفَ لهُ أن يشعُر بحنانِ والديه الضائع في أحظانِ الشخص الذي سَرَق مِنهُ جَسَدَهُ وأرضَهَ وصِحةَ جَدِّه!..



'لا بُدَّ أنني بدأتُ افقِد عَقلي'

اردفَ مُلقياً اللومَ على عقلِه، إذ لهُ كاملُ الذَنب بتصويرِهِ لهُ حُلماً كهذا.. هو مازالَ حُلماً لطيفاً يَملأُ قَلبَهُ بالدفئ لكنهُ حلُمٌ سيءٌ وَحَسب.. فالحاكِمُ رُغمَ ما يُظهِرُه مِن لُطفٍ وطيبة إلا أنه مايزالُ مُحتلاً طاغياً.. وعليهِ أن ينظُرَ إليه كَعدوٍ فقط..







............



الساعةُ تَقتَربُ مِن العاشِرة صباحاً وهو مازال قابِعاً في سَريرِه يأنُّ مِن الآلام على جَسَدِه، ويعودُ بِذكراهُ إلى الحُلُمِ الذي راوَدَه مِراراً وتِكراراً.. الشعورُ الذي يُراوُدِه من ذلكَ الحُلُم يجعلُهُ يشعر وكأنهُ يُحَلِّق في فِردوسٍ بَعيد.. الشعورُ العَذِب يأخذُهُ إلى عالمٍ آخَر..



حَرَكـةٌ جَرِيئـةٌ | YM +18 حيث تعيش القصص. اكتشف الآن