الفصل الثالث : عودة 2

117 24 141
                                    


« من الغريب عودتها في هذا الوقت ، بعد إنقطاع دام سنوات »

أردف ادريس ، تجاوره صوفيا ، يجلسان فوق كرسي خشبي ، و أمامهما منظر غروب الشمس ،
بألوانها النارية المتدفقة في الأفق و انعكاس الحمرة في زرقة السماء الصافية ،
النجم الملتهب قد اختفى جزء منه بين التلال البنية ، و هناك قد أعلنت الشمس عن غروبها و قدوم ليلة ساكنة ، صامتة ، ساكنة هي كـ سكون أجسادهم ، و لكنها نابضة,حارقة كـ أرواحهم الهائجة

« ستة أعوام ، خمسة أشهر ، سبع أيام ، ثلاث ساعات و أربعون دقيقة.! »

تمتمت صوفيا لا مبالية ، تعد الأيام التي كانت بمثابة راحة لها, أجل راحة... دونها أيامها كانت عادية بالرغم من كآبتها تبقى الافضل دون تواجدها

« رباه صوفيا.! كيف تخططين لإيقافها هذه المرة »

سألها إدريس بحيرة ، التفتت اليه رافعة بصرها نحوه ،
و نعم ، كما توقع ، لا تملك خطة لإيقاف تلك الخطيئة ،

« إنتهت حلول الأرض معها, سأتركها تفعل ما تشاء لنرى خطتها و مبتغاها أولا ثم أفكر في حل لإيقافها لاحقا »

أجابته بهدوء ، و في عينيها رأى الحزن ، التعاسة ، جلد الذات و فقدان الشعور ..
جرت نفسا عميقا ، تلاه تنهيدة طويلة ، كأنما هي جمرة فوق صدرها ، تعيق تنفسها و تحرقها كلما فعلت.!

« يجدر بكِ إعلام إيميلي ، حتى تساعدنا في صدها »

« لا إدريس, لن أخبر أحدا بعودتها و لا حتى أنت ستفعل ... أتفهم ؟! »

حدثته ، لتأخذ حقيبتها الملقاة على الأرض و تسير مبتعدة عنها .

في طريقها إلى المنزل ، صادفت صوفيا عجوزا مارة من جانبها ، إلتفتت العجوز اليها و أشارت إليها بالقدوم نحوها ، التفتت صوفيا للعجوز المريبة... عباءة سوداء تأزرها ، و شكلها المخيف ،

اقتربت صوفيا منها ، فصدر في الأنحاء صوت الغراب ، يصدح صوته المزعج بالأرجاء ،
رفعت صوفيا بصرها له و اشتدت حدة صوته ،

« المختارة.؛ طريقك مليئ بالأشواك [ أشواك الماضي و الحاضر و المستقبل] ستتألمين كثيرا حتى موعد بزوغ الفجر المظلم .
إسمعيني جيدا ، لا تحاولي التخلص منها فهي جزء منك و أنت الجزء العزيز ، اتركيها تعبث حتى يحين الوقت عندها فقط ستتحررين »

متشحرجة النبرة ، أفرغت ما في جعبتها ، صوفيا كانت في حيرة من أمرها فهي أول مرة تصادف عجوزا غريبة كـ هاته

« ما الذي تقصدينه بـ "الفجر المظلم" و " حتى يحين الوقت " و كيف تعلمين بوجودها ؟ »

سألتها صوفيا ، مقتضبة الحاجبين ، قهقهت العجوز ، لتجتمع فوق رؤوسهم الغربان

« النيرفانا كنز الأجداد ، مستقبل الأحفاد ،
سيدة العالم السفلي و حاكمة العوالم الخمسة ،
أربكت الأسياد بقوتها و عظمتها ف لعنت و صارت روحا ملعونة تطوف بين العوالم بحثا عن المختارة لإتمام انتقامها وقد أشار النرد المقدس لإسمك كما هو مخلد في الصحف موروثة،
فكيف تريدينني ألا أعرفها ؟ »

رفعت العجوز رأسها تناظر أسراب الغربان التي تحلق فوقهم و بعددهم الهائل أظلمت الدنيا فوقهم ، رفعت كلتا يديها مبسطة إياهما ،
أغمضت العجوز عينيها ، جفونها المتجعدة و تلك التجاعيد التي تحضن ملامحها ،
أخبرت العجوز صوفيا ما بجعتها ، انقبضت كفوف صوفيا فوق بعضها ، و الغضب اعتلى وجه هذه الأخيرة ،

« النيرفانا لعنة ، شرسة ، في عينيها الشر المكنون، ما تعرفينه عنها خرافة العجائز أمثالك .
لا تتحدثي عنها و أنت بالكاد تنطقين إسمها »

هتفت ، بصراخ ، مصارحة العجوز بما تشعر به حيال النيرفانا ، صدح صوت الغربان بقوة
و كلما تحدثت صوفيا تزيد قوة صوتهم المزعج ،

« صوفيا يا مختارة النرد المقدس ، أنت لا تفقهين ما تفعله ، كله من أجلك.. من أجلكما
ستعرفين هذا في المستقبل القريب .
لكن الآن يجب عليك تركها تنهي ما بدأته لتظهر لك نيتها الحقيقة »

عادت العجوز بخطوات سريعة للخلف ، تتمتم بكلمات موجهة إياها لصوفيا ، و قبل أن تجيبها الصغرى همت أسراب الغربان تنزل فوق العجوز
حتى باتت كومة من الطيور و لم يعد يظهر منها شيء ، فجأة طارت الغربان مخلفة وراءها الدهشة على وجه صوفيا ... فالعجوز لم تعد بمكانها..!

[ قرية الغابة السوداء... ألمانيا ]

مجموعة من الباحثين ، و العلماء الآثار ،
شرطة تحاوط المكان ، هيليكوبتر تحلق فوقهم ،

خيام نصبها العلماء ، و أدوات مبعثرة ،

و في تلك الارض المحفورة تربتها ، يوجد تمثال
حجري يظهر النصف فيه فقط,

اقترب أحد علماء الآثار و برفقته أحد الباحثين في هذا المجال ، يحملان أدات مغناطيسية تستشعر الذبذبات القادمة من التمثال ،

كلما اقتربوا منه ، اختل الحساب بالآلة ،
و في لحظة, زادا من قربهما من التمثال ،
و زادت الرهبة و الخوف اعتلاهما ،
شعر ذراع أحدهما قد وقف مستقيما كأنما يستجيب لطاقة مخزنة بداخل التمثال ، رفع المعني ذراعه و وضعها فوق التمثال الحجري ،
رفيقه يشاهد ما سيحدث عند تلامسه مع التمثال الغريب ،

صرخ العالم بأعلى صوته ، رفع رأسه ، حدقيته اتسعت بشكل رهيب و مخيف ،
ظهر طيف لون الأصفر بعينيه لوهلة ،

بعد دقائق من ذاك المشهد المخيف و الغريب ،
سقط جسد العالم ، بعياء و تعب ، و ظل مكانه يرتجف ، رفيقه هرول يعلم الجميع بما حدث و ما إن حطت خطاه بعيدا عن جسد العالم ،
حتى استقام هذا الأخير و نفس الطيف الأصفر ظهر بعينيه للمرة الثانية لكن هذه المرة قد أطال المدة ،

صدى صوت قدم من التمثال ، جملة هي حطت على مسامع العالم الذي كان كما لو كان مسحورا

« أيها الفاني استمع لي و امتثل لأوامري ... اذهب و ابحث لي عن سيدتي لتخلصني من سجني.
و كلما أسرعت كلما زادت فرص نجاتك »

وقف العالم مواليا بظهره التمثال ، ابتسم بمكر
و ملامحه كانت غريبة عما كان بالسابق ليقول
ممتثلا للأمر بخضوع تام

« أمر سيدي مطاع »

يتبع....

SILENT NIGHT: THE RETURNحيث تعيش القصص. اكتشف الآن