٣_أَزهَارُ تولِيبٍ: طَنِينٌ.

272 23 1
                                    

التّـاسعُ مِن تِشرِين الأَوَّل.
سِـيؤول -كـوريـا الجَـنُوبِيَّةُ.
_______________________

بعد انتِهاء دوامِها في الصَّفِّ، كَانت عسليَّة الشّعر تسير بخطواتِها شَارِذة الدِّهن.
هي قَطعا لم تُصدّق أنّ من عَانقتهُ في المشفى قبل أيّامٍ هو نفسُه مُعلّمها، فأنّى لها أن تُصدِّق أنَّه والدُ من تحمِلهُ بين أضلُعِها؟

هزّت رأسها بخفّة فطردَت ذلك أفكارها تنفِي تلك الإحتمالات الغبيّة كالساذجة، رغمَ أن كلّ شيئ واضحٌ أمامها، إلّا أنه صعبُ التّصديق فحسب.

كَانتْ تحمِلُ بعض أزهَارِ التّوليب بين ذراعيها، تُحرّك سيقانها نحو المقبَرة بينما تُفكِّرُ وتُفكِّر.

نيَّتُها كانت أن تزُور قبر هانيول، كانت أوّل زيَارة لها لِقبر من أوصتها على زيارتِها دائما.

ضلّت تمشي دون ملل بعد أن تركتها سيّارة الأجرى في المكانِ المَطلوبِ، تشتمُّ نسيم المساءِ العليل وتتأمّل المَارّة بابتسامة بهيّة.
مرّت الدقائق بسرعَةٍ، وهاهي ذي أمام بوَّابةِ المقبرة، وفي لحضة واحدَة انقلب مزاجُها.

ضلّت تقِف هناك تزدردُ رِيقها، رغم أنّها ليست ذاتُ المقبرةِ حيثُ دُفِن والديها، لكنّها لازالت تُكِن الضَّغينة نحوَ المقابِر دون قصدٍ مِنها، هي مُضطرّة لأنّها تحمِل ذكرَى وفاة والديها المُؤلِمة بين ثنايا ذِكرياتها، والمقْبرةُ كانت واحدةً من تلكَ الأماكِنِ التي ذبحتها.

تنهّدت بفتور ثمَّ دلفت تسير بين قبُورِ تِلك المَقبَرةِ المُهيبة، رغمَ أنّها كنت فوق هضبة تُطلُّ على الغُروب، لكنّ دام شعَرت بالخوفِ دون أدنى مجهود.

بحثت بعسليَّتيها بين القبُور عن قبرٍ مُزيَّنٍ بأزهار التوليب، ضلّت تُبحلق وتُبحلق، حتّى مرّت بنيَةٌ سوداءٌ من جانبها أجفلتها، فشهقت بخفوت.

الآخر لم يأبه حتما، كان شارد الذِّهن ذاتا، فأكمل خطاه حاملا أزهار التّوليب البيضاء بين أنامل كفّه اليُسرى.
كانت أكتفاه العريضة ذابلة، تُوحي أنّه ليس بأفضل حال.

الأخرى ضلّت مُتسمّرةً تشتمُّ وتتدارك أن العِطرَ الذي لفحَها لوَهلة مِنهُ هو نفسه للرّجُل من يومِ الجُمُعة، أو بالأحرى مُعلّم الإنجليزية جيُون.

رمشت بخفّة ثم أخدت تتقفَّى خُطاه التي توقّفت عِند قبرٍ مليئٍ بأزهار التوليب، جثى على رُكبتيه واضعا الأزهار التي جلبها إلى جانِبِ أشبَاهِها، ثم تنهّد يجذبُ منديلا من باطن جيب بنطاله، فأخد يمسح بخِفَّةٍ عَلى لوحِ إسمها بهمٍّ بدى عليهِ.

الأخرى انحنت نحو أحد القبور وكأنّ صاحبه يقرُبها، ثم أخدت تطلّ برأسها بفضول حتّى تتأكد من شكوكها،رغمَ أنّه لازال رتدي نفس الثيّاب من صبيحة اليوم، وقد استطاعت لمح بعضًا من ملامِحهِ الشَّاحبة، ولأنّها حفِضت ملامِحهُ بعد جَازِعة الصّباح، فقد كانَ هوَ دون أدنى شكّ.

نُطفةٌ مِن أُخرَىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن