الفصل الثامن

775 24 0
                                    



الفصل الثامن



وقف ماهر أمام النافذة الزجاجية الكبيرة في عيادة والده يتأمل الشارع الواسع الزاخر بالأضواء ، تابع بعينيه الحركة الانسيابية للسيارات المختلفة بينما كلمة واحدة يتردد صداها بوضوح داخل جوانب عقله :
مطلّقة

ما الذي فعله بنفسه
ما الذي سيفعله بها هي الآن
كل ما كان ينوي أن يفعله هو أن يعطي الرجل تلك الورقة ، عقد زواج بارد و رسمي كي يعلقه شهادة على براءة ابنته من اتهامات الناس .
لكن زواج بالفعل لم يفكر فيه أصلا .
كان ينوي أن يطلقها دون أن يلمس شعرة منها .
هكذا يكون أراح ضميره و أرضى جميع الأطراف .
و هي و أبوها يدعهما ليتصرفا كما يشاءان .
ما ذنبه هو إن كانوا مازالوا يعيشون في القرن الماضي.
عشرات النساء يتعرضن لمثل هذا الموقف ، يعقدن و يتطلقن دون دخلة و يستمررن بالعيش ، ربما أطول من الأخريات .
ولكنه عرف الآن أنها مطلّقة.
لو مضى في خطته الأولى سيحطمها تماما ، الزوج الأول طلقها بعد ستّة أشهر و الزوج الثاني طلقها قبل أن يدخل بها.
من سيفكر فيها بعد هذا.
زفر بعمق و بيأس .
- لماذا تسرعت يا ماهر ، لماذا لم تسأل عن كل شيء قبل الاتصال بوالدها
التفت يواجه والده بجسده و لكن ليس بنظراته :
- أمي ، أمي سامحها الله ، أخرجتني من عقلي
أنت تعرفها يا أبي ، تزوج من هذه ، لا تعرف تلك و احتملتُ كل ذلك منها
لكن أن يصل بها الأمر أن تتصرف بتلك الطريقة مع بنت الناس
كان شيئا يفوق قدرتي على التحمل في الواقع .
أردت أن أجعلها تتوب عن التدخل في خصوصياتي .

تصور أنه سيضرب عصفورين بحجر واحد و لكن على ما يبدو طارت العصافير و وقع الحجر على دماغه.
- أنت تجعل أمك تتوب ؟ تهكم والده و هو ينظر إليه من تحت نظاراته ، كنت فعلتها أنا قبلك يا بني

رغما عنه ابتسم ، هكذا هو والده دائما ، حتى و الدنيا سوداء و مظلمة تجد ابتساماته دائما طريقها إلى من حوله.
- كيف يعقل أن كاميليا رحمها الله لم تخبرك ؟ أعاده السؤال إلى الواقع و أعاد ابتسامته من حيث أتت
- أكيد أخبرتني و لكن ، أنت تعرف كيف

هز رأسه و هو يتذكر كيف كان يستمع إليها عندما تتحدث عن جمعيتها ، عن معارفها ، عن أي شيء لا يخصه هو أو عمله.
كان يستمع بذهن غائب تماما و يشغل أسطوانة الإجابات الجاهزة.
يكاد يتصور الآن حديثها معه :
- ماهر حبيبي ليلى ستتزوج
- امم، امم ، ممتاز
- لا تتصور كم أنا سعيدة من أجلها
- طبعا ، طبعا

ثم و هي تخبره بطلاقها بعد ستة أشهر
- مسكينة ليلى يا ماهر
- ……..
- لقد تطلقت اليوم ، أنا حزينة جدا من أجلها
- شيء مؤسف ، مؤسف جدا

نعم مؤكد أن كاميليا أخبرته.
" سامحك الله يا كاميليا ، سامحك الله يا أمي " ، تمتم في سره .
- ماهر بني ، أنت رجل مؤمن أليس كذلك ؟

تنهد بعمق و قال :
- لا إلاه إلا الله يا أبي

أكمل السيد ممدوح و هو يحك ذقنه ببطء :
- الفتاة وضعها قدرها و قدرك في طريقك ، لماذا لا تكمل مشوارك معها بني ؟
- شاهيندا أيضا وضعها القدر في طريقي و لكني لم و لن أفكر في الزواج منها يوما ما .

اغدا القاك الجزء الاول من سلسلة بين قلبى وعقلى لكاتبة نغم الغروبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن