الفصل العاشر

808 19 0
                                    



الفصل العاشر

أغمضت ليلى عينيها تلقائيا و هو يقترب و يقترب إلى درجة الالتصاق بينما يداه تستقران على خصرها بتملك .
رفعت وجهها إليه في استجابة عفوية لمداعبة أنفاسه الهائجة لبشرتها .
ارتعش قلبها و هدرت دقاته عندما شعرت بها تتوقف قليلا على جبينها ، قليلا على جفنيها ، قليلا على خديها و طويلا طويلا على شفتيها .
تسارعت أنفاسها و هي تنتظر بشوق القبلة التي ستبدأ بها حياة حقيقية معه .
مضت لحظة ، لحظتان و بعض لحظات أخرى و أحست بقبضته التي تشدها إليه ترتخي قليلا .
فتحت عينيها لترى تلك النظرة في عينيه ، كانت هناك رغبة تشتعل بوضوح في زرقة عينيه و لكن إلى جانبها كان ذلك التعبير الآخر .
التردد .
تردد دام لحظة قصيرة لكنها كانت كافية .
و أكثر من كافية لتفهم قيمتها في نظره .
انفلتت من بين يديه و هي تتراجع إلى الخلف فجأة ، جمعت أطراف فستانها بيديها و انصرفت بخطوات مسرعة نحو السلم .
وضعت قدمها اليمنى على أول درجة و دون أن تلتفت قالت بصوت أرادته رسميا جافا لكنه خرج مختنقا ضعيفا :
- تصبح على خير و شكرا على كل شيء.

تتابعت الدرجات بسرعة تحت قدميها و هي تراقبها من خلال ضباب دموعها تخشى أن تقع فتزيد من ذلها .
وصلت إلى الدور الثاني و هي مازالت تقبض على القماش بقوة ، تركته ينسدل بإهمال و هي ترفع كلتا يديها تضعهما على شفتيها تكتم بهما شهقاتها بينما تتجول بنظراتها تحاول تخمين غرفتها بين الحجرات الخمس التي تشغل الطابق .
لن تكون غرفة نومه بالطبع و لا غرفة مي ، تبعت حدسها و هي تتجه إلى أبعد غرفة عن غرفته و تفتحها ، ابتسمت بتعاسة تهنئ نفسها على صحة توقعها و هي ترى حقائبها التي كانت أرسلتها مع أخيها قبل أيام قليلة .
سمعت صوت خطواته و هو يصعد السلم فأسرعت تغلق الباب ، اضطربت أنفاسها و هي تسمعه يتوقف عند نهاية الدرجات ، زاد اضطرابها و هي تسمعه يقترب من غرفتها في طريقه إلى غرفته .
توقفت خطواته قرب بابها و طال وقوفه لتخرج ليلى من جمودها و تسرع إلى بابها تولج فيه المفتاح و تديره مرة أولى و مرة ثانية تحت سمعه .
ثم أغمضت عينيها بألم و هي تسمعه يبتعد و هو يقطع المسافة المتبقية بعنف واضح .
جلست على الفراش الواسع تنظر أمامها بخواء ، ضمت ركبتيها إلى صدرها و هي تعزي نفسها في ليلة زفاف أخرى تقضيها كعروس وحيدة .
سامحك الله يا وليد ، قالتها و هي تتنهد بعمق .
و رغما عنها دمعت عيناها ككل مرة تتذكره فيها .
هي لا تستطيع أن تكرهه و لا تريد أن تكرهه .
حطم حياتها لا تستطيع أن تنكر لكنها لا تستطيع كرهه
بالعكس إلى الآن قلبها يتقطع من أجله .
هو كان رجلا معها ، على الأقل في آخر الأمر، رفض تضحيتها و حتى عندما رفضت الطلاق قام بتطليقها .
طلقها و هو يعرف تماما ما ينتظره .
لأنه مقابل إثبات عذريتها كان عليها التجريح في رجولته.
في مجتمعٍ الذُّكورة هي الرُّجولة الوحيدة التي يعترف بها .
منذ البداية ، حتى قبل الزواج عرفت أن هناك مشكلة.
و مشكلته أنه كان ابن ناس .
ابن ناس أكثر من اللازم .
بعد كل صفة يجب أن تضيف كلمة جدا .
مهذب جدا ، مراع جدا ، طيب جدا
و هي لم تكن تريد هذه الجدا في كل شيء
كانت تريد بعضا من صفات أخرى ،
بعض الجرأة ، بعض النظرات ، بعض الحركات التي يجيدها الرجال الآخرين
غمزة هنا ، نكتة هناك
و لكن لا شيء من كل هذا مع وليد .
لذلك شكت في وجود مشكلة.
و يوم كتب كتابهما تأكدت من شكها .
لم تكن هناك تلك النظرة التي تنتظرها كل أنثى
تلك النظرة التي رأتها في عيون كل عريس مشتاق
تلك النظرة التي تتوعدها بأحلى عذاب حالما يغلق باب عليهما لوحدهما.
لم يكن هناك أي شيء.
كل ما قاله هو " مبروك يا عروسة ".
قالها بتهذيب كأنه يهنئ زوجة رجل آخر.
شعرت به بعيدا جدا عنها ، مربوطا إلى كرسيه بنداء الواجب لا بنداء الشوق .
ابتسمت و هي تتذكر نصائح أختها منى قبل أن تتركهما بمفردهما .
- لا قُبل ، فهمت يا ليلى أو يأخذ عنك فكرة سيئة
أنت تعرفين الرجال و شكوكهم التي لا تنتهي
فقط لمسة يد يا ليلى ، لمسة يد سريعة لا أكثر
ابتسمت ثانية بسخرية مُرّة و هي تتأسف على نصائح أختها التي ذهبت دون جدوى.
فكل ما فعله وليد في تلك الدقائق كان نزهة لنظراته بين حذائه و حذائها .
حتى أنها فكرت أن من الأنسب أن ينسحبا هي و هو و يتركا زَوْجَيْ الأحذية على راحتهما .
و منذ ذلك اليوم توالت الخيبات
رحلت بها ذكرياتها إلى ليلة زفافها السابقة .
تذكرت كيف جلس وليد كأنه ينتظر حكما بالشنق .
شرقت بدموعها و هي تتصور شعوره في تلك اللحظة .
المسكين ربما هو ضحية أكثر منها
في تلك الليلة ، عندما دخلا أخيرا إلى غرفتهما تذكر جيدا أنها لم تكن تشعر بالخجل .
كانت تشعر بالغرابة .
لم تستطع حينها أن تكذب على نفسها أكثر ، لم تكن هناك أي جاذبية ، أي إحساس .
كل ما أرادته هو أن ينتهي كل شيء و تخلص .
بلطف ليس بعده لطف عرض عليها وليد أن تدخل الحمام قبله ، استحمت بسرعة و خرجت بقميص نومها القطني كأن قلبها كان يعرف.
دخل هو بعدها و لم يخرج .
على الأقل ليس و هي مستيقظة .
انتظرته طويلا و شعورها بالغرابة يزداد و يزداد .
ثم أطفأت النور الذي بجوارها و هي تقول أحسن .
و نامت نوما مقطعا حتى شعرت به يوقظها للصلاة.
لم تعرف أصلا هل نام بجانبها أم قضى ليلته في الحمام
و هكذا مرت تلك الليلة .
و تكرر الموقف و تكرر لكن كل مرة بشكل مختلف
مرة يخرج و لا يعود ، مرة يصاب فجأة بصداع شديد ، مرة أخرى هناك مباراة القرن ، مباراة لا تنتهي إلا بعد أن يغلبها النوم .
و أخيرا بعد نحو أسبوع دخل عليها و هي مازالت مستيقظة ، جلس بجانبها على الفراش و هي تشعر أن ما يفصلها عنه ليس فقط مجرد سنتيمترات من القماش لكن مجرّات و سنوات ضوئية.
- ليلى ، ناداها بصوت خافت

اغدا القاك الجزء الاول من سلسلة بين قلبى وعقلى لكاتبة نغم الغروبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن