2 رحلة البحث عن ورد

6.8K 249 8
                                    

صفع فارس ورد عدة صفعات وهو يردد قائلاً :
_ من تظن نفسك حتى تعبث معي ؟! كيف تجرؤ على ذلك
أما ورد الذي كان مستسلماً لقدره البائس رد بيأس كما علمه قنوان :
_ لقد أخطأت اغفر لي سيدي
لكن فارس واصل ضربه كأنه لم يسمع شيء كان يصفعه بكلتا يديه تارةً ويرفسه بقدمه على بطنه ورأسه تارةً أخرى لقد كان دوماً يشعر بالعظمة والنشوة حين يؤذي أحداً وهاقد أتيحت له الفرصة ، بعد أن تعب من ضربه جلس على كرسيه وأمر رجاله :
_ خذوه إلى القبو وأقفلو عليه لاتدخلو له أي طعام أو شراب
أطاع رجاله الأمر وأخذو ورد كأنه جثة هامدة أما فارس فقد جلس يشرب نبيذه وهو يبتسم من السعادة والنشوة
               ~~~~~~~~~~~~~~~~~
كانت راجحة تركض من شارع إلى شارع وهي هائمة على وجهها لاتعرف أين تتوجه ومن تسأل ، لقد اختفى طفلها ولاأحد يعرف أين هو مرت ثلاث ليال لم تستطع فيها لا النوم ولا الأكل لم تستطع عمل أي شيء سوى سؤال الناس عن ولدها والبكاء عليه كل حين ، لكنها لم تفقد الأمل كانت تشعر أو تحاول أن تعطي نفسها أملاً أن ولدها مازال حياً وأنه سيعود لحضنها ، حين يرى الإنسان أن كل الأبواب أغلقت في وجهه وأن حياته قد أظلمت ، يحاول أن يخلق أملاً زائفاً يبقيه على قيد الحياة فمن دون الأمل لن يستطيع الإنسان إكمال حياته وسيستلم لأحزانه التي ستأكله وتنهشه دون رحمة ولن تبقي منه سوى الفتات ، وهي تهرول من شارع إلى شارع خطر لها أن تدخل لمقهى جنيد للمرة العاشرة لعله رآه ذلك اليوم وقد نسي ، دخلت إلى المقهى وحين رآها جنيد تظاهر بالانشغال فقد كانت رؤيتها تؤلمه وتذكره بمدى دنائته :
_ جنيد أرجوك قل لي ألم تتذكر مجيئه إلى هنا ؟ أقسم لك أنه قال لي أنه سيأتي إلى هنا ، ولدي لايكذب
_ لو تذكرت لقلت لك، في ذلك اليوم أساسا لم يأتني زبائن كثيرون ، وربما أن ورد أصابه شيء قبل أن يصل إلى هنا
خافت راجحة من كلمته الأخيرة :
_ حسنا وكاميرات المراقبة هل بحثت بهن مجددا لعلك تجد شيء ؟
_ لقد قلت لك سابقاً كانت الكاميرات في ذلك اليوم معطلة والآن أرجوكِ عندي عمل كثير
أما راجحة التي لم تلقي بالاً له سألت رجلاً دخل إلى المقهى وهي تظهر له صورة ورد :
_ سيدي أرجوك هل رأيت هذا الشاب من قبل ، إنه ابني وهو مفقود منذ ثلاثة أيام
_ مع الأسف لم أراه
خرجت راجحة خائبة الأمل تنظر إلى صورة ابنها والدمع ينزل من عينيها ولكن شاب من الخلف وضع يده على كتفها :
_ سيدتي هل أستطيع رؤية صورة ابنك لعلني أكون رأيته
أرت راجحة الصورة للشاب وهي لم تعد تأمل شيئاً لكن الشاب أظهر رد فعل مختلف :
_ نعم لقد رأيته منذ ثلاثة أيام هنا أنا متأكد حتى أنه اسمه ربما وليد أو وعد لاأذكر بالضبط ولكنه كان يكلم جنيد قبل أن يدخل المقهى
لم تصدق راجحة ماتسمعه وهي تكاد تطير فرحاً لدرجة أنها عانقت الشاب ، لكنها تمالكت نفسها للحظة :
_ ثانية ! ، هل قلت أنه كان هنا وكلم جنيد أيضاً ؟
_ نعم أنا متأكد
حينها استشاطت غضباً وذهبت مسرعة لمهاجمة جنيد ، الذي خاف وانقبض قلبه حين رآها قد عادت غاضبة وماإن اقتربت منه حتى صرخت في وجهه : جنيبيد ، أيها الكاذب النذل لقد رأيته أليس كذلك ؟ قل لي ماذا تخفي ، أين ولدي ؟!
أما جنيد فلم يتجرأ حتى على الكلام ولم يعرف ماءا يقول أساساً ولكنه حاول تبرأة نفسه :
_ أنا لاأعرف ، قلت لك أنني لم أره ، واهمٌ من قال لك أنني رأيته أو كاذب
_ كاذب أليس كذلك ؟! سنرى من الكاذب أيها الحقير سأجعلك تندم أيها الحقير على اليوم الذي ولدت فيه
وأكملت وهي تصرخ بوجهه وتكسر ماجاء أمامها من أثاث في وجهه وحين تجمع الناس حولهم وظنوا أنها ستقتله أظهرت في النهاية رد فعل غير الذي توقعوه فقد انهارت بالبكاء وهي تتوسل :
_ أرجوك........أرجوك أخبرني أين ولدي ، هو كل مااملك ، إنه طفلي ، أليس عندك أطفال ، ألم تذق حرقة القلب على طفلك من قبل ؟ إن قلبي يحترق ولاأجد مايخمد ناره ، أرجوك ساعدني
نظر الناس جميعاً لجنيد وكأنهم يرجونه أيضاً ليرد لكن رده لم يكن سوى دمعة تساقطت من عينيه وخرج من المقهى من بين الناس وقد ترك مكانه في أمانة عامل عنده ولحقت به راجحة ونادت عليه وهي تحاول أن تظهر نفسها قوية :
_ سأكتشف كل شيء وإن اتضح أن لك يد في الأمر فسأقتلك بيدي هاتين ، أعدك أنني سأقتلك
لكنه لم يلتفت لها وواصل المسير
            ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
كان القبو فارغاً مظلماً وبارداً والحيطان تفوح منها رائحة العفن والرطوبة وكان ورد جالساً بإحدى الزوايا يرتجف من البرد والخوف الذي احتل قلبه ،كان الظلام دامساً لدرجة أنه لم يستطع رؤية اصابع يديه حتى ، لكنه كان يحاول إبقاء نفسه قوياً ولم يجد شيئاً يساعده على ذلك سوى التخيل والذكريات الجميلة " عد إلى الخلف ورد هيا عد عشر سنوات إلى الوراء مازلت في منزلك الدافئ في الحي القديم ، والدتك في المطبخ تطبخ حساء الدجاج اللذيذ ..... رائحته شهية كالعادة ، أما أنت فجالسٌ بحضن والدك الذي يمسد على رأسك كقط صغير ويروي لك مغامرات شبابه المثيرة ، حضنه دافئ جداً ، ضمه أكثر ضمه هو لن يتركك أبداً ، لكن والدتك تنادي بصوت هادئ ورد ... ورد تعال لتساعدني ياورد هيا حبيبي تعال لتنقل الطعام للطاولة ، لكنك لاتريد الابتعاد عن حضن والدك الدافئ ومازالت تواصل النداء بصوت أعلى ورد تعال ياصغيري تعال والصوت يعلو اكثر ويزداد حدة هيااا أقول لك هيا ياورد ولكنك لاتريد الذهاب ، ألم أقل لك أن تأتي تعااااااال ، هي فجأة أمامه ألم أقل لك أن تستيقظ أيها النذل الحقير ؟! وصفعته على وجهه" ليستيقظ مرعوباً وفارس أمامه ولم تكن إلا صفعته التي أيقظته من ذلك الحلم الجميل ، حينها لم يخف منه كثيراً ، فكل ماخاف منه هو أن تتشوه ذكرياته كما تشوه واقعه

نهاية الآلام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن