غربت الشمس على ورد الذي يمشي بااتجاه المستشفى حيث تنام والدته ، يحاول حبس دموعه بصعوبة ، كان الجو باردا ولكنه كان يشعر بالنيران تلتهم جسده .
وقف أمام غرفة والدته وماإن رآها حتى انهارت الدموع من عينيه تحرق خده " لم أستطع ياأمي ، لم أستطع قتله ، لم أستطع الإنتقام لنا ، أكثر مايؤلمني ليس أنني لم أقتله ، بل لأنني حين عزمت على ذلك لم أتحمل رؤيته يؤذى ولو بقرصة نحلة ، مايؤلمني ويشعل النار بداخلي ويجعلني غاضباً من نفسي هي أنني لاأستطيع أن أكرهه ، في داخلي حربٌ شرسة بين عقلي وقلبي ، عقلي يقول لي هو من دمرك وأذاك ، وقلبي يحاول اختلاق الأعذار له ويريد تصديق كلامه ، سامحيني ياأمي ، سامحيني لأنني ضعيف لهذه الدرجة "
خرج من المستشفى وقد حل الليل ، لم يعرف أين يتوجه وأين ينام ، لم يجد في النهاية مأوى سوى كرسي من الخشب في الحديقة التي أمام المستشفى ، حاول بصعوبة النوم لكنه لم يستطع ، كان يفكر بفارس " أخرج من رأسي أرجوك " .كان فارس مستلقياً على الأريكة وزجاجات الكحول فارغة أمامه بعد أن شربها كلها ، فكر بورد كثيراً " ماذا يفعل الآن ياترى ؟ أين نام ؟ إن الجو بارد في الخارج أرجو أن يكون في مكان دافئ لكي لايصيبه مكروه " ثم فكر بمستقبله وبحياته وبمأسآته ثم غلبه النوم على الأريكة.
****************
_ أشعر بالخوف ياعماد ، منذ فترة وأنا ينتابني شعور أننا سنخسر سارة ، سنخسر ابنتنا الوحيدة ، لا استطيع التفكير بأنني سأخسرها ، هي كل حياتي
اقترب عماد من زوجته ليلى ليطمئنها :
_ ماالذي تهذين به ياليلى ، لن نخسر سارة أبداً ، هي ابنتنا ولا يوجد في الكون قوة تستطيع أخذها منا
_ منذ أن اتصلت بنا مديرة الميتم منذ عشر سنوات وأخبرتنا أن أخاها يبحث عنها لم أستطع النوم يوماً هانئة البال ، هل يعقل أن يجدها يوماً ما ويأخذها من بين أحضاننا ؟
دخلت سارة فجأةً إلى الغرفة لتجد والديها مضطربان :
_ أمي هل أنتِ بخير ؟ هل جائتكِ أزمة قلبية مثل قبل؟
ضمت ليلى ابنتها إلى صدرها :
_ لا ياحبيبتي لاتقلقي أنا على أفضل حال
وأكملت وهي تحاول تغيير الموضوع :
_ ولكن ياصغيرتي ألم تتأخري على جامعتك؟ لقد تعدت الساعة التاسعة
_ ليس عندي محاضرات اليوم ، سأقضي اليوم بأكمله معكِ أيتها المشاغبة ، مارأيك أن نذهب للتسوق؟
ثم نظرت إلى أبيها :
_ وأنت ياأبي إياك أن تهرب ستذهب معنا أيضاً
_ وهل أستطيع أن أرفض طلبكِ ياأميرتي ؟ بالطبع سنذهب********************
حل الصباح واستيقظ ورد الذي لم يستطع النوم إلا قليلاً وهو منهك ويشعر بأن عظامه قد تكسرت ، ذهب إلى صنبور ماء كان موجوداً في الحديقة ، فتحه وشرب منه وغسل وجهه ، سمع أصواتاً تطلقها بطنه لتذكره بأنه لم يأكل منذ أكثر من يوم وأن الجوع قد نال منه ، لكنه حاول أن يتناسى جوعه وتوجه إلى المستشفى حيث لا مكان آخر يتوجه إليه .دخل إلى المستشفى وصعد إلى الطابق الثاني حيث تنام والدته في العناية المركزة ، وقف أمام الزجاج لينصدم بعدم وجودها ، لم تعد قدماه تحملانه ، دارت به الدنيا وتسارعت أنفاسه وكذلك نبض قلبه ، جلس على الأرض مستنداً على الحائط وهو يلهث بشدة " هل ماتت ؟ هل ماتت ياالله ؟ " ركضت إليه ممرضة حين رأت حالته :
_ هل أنت بخير أيها الشاب ؟
لم يستجب لها ورد ، أو لم يستطع الاستجابة بسبب ضيق تنفسه ، ركض إليهم ممرضان آخران وحاولا تهدأته :
_ هل نأخذه إلى الإسعاف ؟
قالت الممرضة الأولى فرد عليها أحد الممرضين :
_ لا داعي إنها نوبة هلع
أمسك المنرض بيدي ورد :
_ الآن انظر إلى عيني وحاول أن تشهق ثم تزفر بعمق
هيا حاول
نظر ورد إلى عيني المنرض ولكن بدل أن يحاول الشهيق إستطاع أن يتكلم بصعوبة وهو مختنق :
_ هل ...... هل ماتت أمي ؟ .......... هل ماتت ... راجحة ؟
تفاجأ الممرض من ورد :
_ ماذا ؟ لا لا لا السيدة راجحة لم تمت اطمأن هي بخير ، لقد استيقظت منذ أكثر من ساعتين وهي بصحة جيدة ، لاتقلق والآن تنفس هيا
شعر ورد وكأن تياراً من الهواء قد انطلق في صدره ، أحس كأنه يطير في السماء ، عانق الممرض بقوة وهو يبكي :
_ لاأصدق ، هل أمي بخير ؟ هل استيقظت راجحة ؟ .فتح الممرض باب غرفة راجحة وكان ورد ورائه ، يمشي ببطئ وهو متردد ، ينتابه شعور غريب ، مزيج من الخوف والرهبة والذهول والاشتياق ، شعور لم يشعر به من قبل ، دخل إلى الغرفة ورآها أمامه بعينيها الرحيمتين ووجهها الدافئ ، رآها تبتسم له والدموع تنهمر من عينيها بغزارة ،
ركض إليها يقبل يديها ويضمها إلى صدره باكياً يشكو ببكائه كيف ظلمته الحياة ، ضمته إلى صدرها هي الأخرى تشمه كأنها غير مصدقة أنه في أحضانها ، ودت لو تضعه طفلها في قلبها ولاتخرجه أبداً ، وبين دموعه ودموعها لم يستطع الممرض الواقف أمامهم سوى مشاركتهم البكاء ، نظر إليهم وكأنه لم يرى مثل هذا الحب قط ، حب غير مشروط قائم فقط على غريزة الأمومة وتعلق الطفل .*****************
أما فارس فقد وقف ينظر من نافذة بيته إلى الشارع الذي أمامه ، ينظر له بعينين فارغتين من كل معنى ، فكر كثيراً منذ أن تركه ورد كم أن حياته عبثية بلا أي معنى ، تألم حين اكتشف أنه مامن سبب يجعله يستمر في هذه الحياة ، ولكن الألم قد انتهى الآن ، وحل بدل منه فراغ هائل يملأ جوفه ، نظر إلى الماضي فتذكره قاتلاً مؤلماً مأسآوياً ، ونظر إلى الحاضر فلم يستشعر سوى وجع القلب والدموع ،
ثم فكر بالمستقبل فلم يستطع تخيل شيء سوى الظلام ، ولكنه للحظة ارتاح لفكرة الظلام ورآه أكثر راحة من أي شيء آخر ، وقرر حينها أنه سيملأ هذا الفراغ الذي بداخله بظلامٍ بارد ، توجه إلى المطبخ وأخرج منه حبل وسكين ثم ذهب إلى الصالة أخذ منها كرسياً وضعه في منتصفها ، صعد عليه وعلق الحبل بسقف الصالة ثم صنع منه دائرة وضعها برقبته ، نظر إلى الفراغ مجدداً ثم رمى الكرسي بعيداً بقدمه وأخذ يتأرجح وهو يتحشرج ، استقبل الموت بيدين مفتوحتين لمعانقته ، فحين ظلمه القدر وأخذ منه كل شيء لم يجد سوى الموت هو البطل المنقذ .
أنت تقرأ
نهاية الآلام
Romanceيُلحق "فارس" رئيس أقوى المافيا في البلاد شتى أنواع الألم بضحيته البريء " ورد " ولكن ماذا إن وقع في حبه؟