متنساش النجمة حجي قبل ما تقرأ يا قمري★♥
الحلقة ( 5 ) .. - مشوه ! - :
في تمام الثامنة و النصف صباحا ..
كانت "هانيا" تقف أمام المرآة ، تتحضر و تتهيأ إستعدادا لملاقاة عدوها
بعد أن تركت الفراش ، إستعادت حيويتها بحمام ساخن ، ثم إرتدت تنورة حمراء سميكة ، يعلوها قميص أبيض حريري ، ثم وضعت فوق كتفيها معطف ذا لون سماوي يتلاءم مع زرقة عينيها تماما ، و مع المظهر الذي أرادت أن تظهر به ..
ثم جلست فوق كرسي خشبي أمام المرآة و راحت تصفف خصيلات شعرها الأشقر ، فيما زمجرت بغيظ و هي تنظر إلي صورتها .. فهذا الصباح ستواجه محنة مقابلة "عاصم الصباغ" ..
كيف ستتحمل هذا اللقاء ؟ كيف ستتحمل النظر إليه دون أن تنقض عليه و تقتله إنتقاما لأبيها الراحل الذي تسبب هو في موته .. كيف ؟
و لكن فجأة ، و بعزيمة قوية ، أبعدت عن ذهنها صورة أبيها التي تعذبها ، مستعينة علي ذلك بتذكر الحرب التي ستبدأ عما قريب ، و لكن ذلك الأمر سوف يتحدد بعد اللقاء المنتظر ..
كانت فكرة الثأر كفيلة أن تجعلها دبلوماسية في المعاملة معه عندما تراه ، لهذا كانت تعمل علي تهدئة أعصابها طيلة الوقت
ألقت "هانيا" نظرة إلي ساعة يدها السوداء الجلدية ، لم يبق لها سوى عشرين دقيقة للوصول إلي مقر الشركة .. سوف تصل سيارة التاكسي التي طلبتها هاتفيا في أي لحظة الأن
و بعد ما نظرت مرة أخري إلي نفسها بالمرآة و تأكدت من حسن مظهرها ، حملت حقيبتها و علقتها بكتفها و هي ترسخ بأعماقها شعور العزة و الكبرياء ..
حمدت "هانيا" الله عندما تبين لها أن السيدة "قوت القلوب" لا تزال نائمة ، فهي ما كانت لتتركها تغادر دون أن تتناول الإفطار
هبطت "هانيا" السلالم المتعرجة بإحتراس و روية ، و لدى وصولها إلي عتبة الباب الرئيسي للبيت المتهالك ، وجدت سيارة التاكسي في إنتظارها ..
بعد ثلث ساعة .. أوصلها السائق أمام البوابة الرئيسية لمؤسسة - A T S - للإستيراد و التصدير .. و بعد أن دفعت له الأجرة ، ترجلت متوجهة إلي الداخل ، ثم ذهبت صوب مكتب الإستقبال و الإستعلامات برأس شامخة و خطى ثابتة ، إذ طلبت أن يصار إلي إعلام رئيس الشركة بحضورها ، بينما طلبت منها موظفة الإستقبال بدورها أن تدلى بأسمها و السبب الذي من أجله أتت لرؤية الرئيس ..
أدلت "هانيا" بأسمها الثلاثي ، و رفضت أن تصرح بأكثر من ذلك ، مشيرة بأن رب العمل هو من طلب رؤيتها و ليس هي ، و بناءاً علي ذلك رفعت الفتاة سماعة الهاتف ، و تحدثت لدقيقة بصوت خافت أقرب إلي الهمس ، ثم عادت تنظر إليها قائلة بإبتسامة خفيفة:
-مستر عاصم منتظر حضرتك فعلا.
ثم هتفت بإسم أحد العاملين في الإستقبال ، فجاء شاب يرتدي زي العمل الرسمي ، فطلبت منه أن يقود الزائرة إلي الطابق السادس من المبني الضخم حيث يقع مكتب المدير الرئيسي ..
أحني الشاب ذا البسمة الحلوة رأسه في أدب ، و طلب من "هانيا" أن تتبعه ، بينما شعرت الأخيرة بقدميها ترتخيان فجأة ، و لكنها إستعادت رباطة جأشها مسرعة و عادت تحصن نفسها بأسوار الشموخ و الكبرياء ..
تمكنت من عبور البهو المفروشة أرضه ببساط واسع مزين بألوان زاهية و رسوم فنية ، و لما إنفتح باب المصعد و خطت داخله ، خيل إليها أنها تغادر العالم المتزن الواضح ، لتدخل عالما أخر غير مألوف علي الإطلاق ، بينما كان الغم و الكدر يضغطان علي حنجرتها و هي تحاول جاهدة أن تنطق دون جدوى .. الطوابق تمر أمامها و هي عاجزة أن تطلب من الشاب الذي كلف بتوصيلها إلي مكتب المدير أن يعيدها إلي الأسفل ..
و بصورة مفاجأة ، توقف المصعد ، و خرج الشاب أمامها ، فتبعته و قدماها تدوسان البساط الأخضر السميك ، بينما كانا يتوجهان نحو صالة واسعة وضع بها مكتب صغير جلست خلفه السكرتيرة الخاصة بمكتب المدير ، و حالما رأت الزائرة المنتظرة ، راحت ترمقها في فضول ، و لكنها نهضت و توجهت نحوها مسرعة ..
رحبت بها في برود هادئ و علي فمها إبتسامة رقيقة باهتة ، ثم أصرفت الشاب و أخذتها إلي مكتب رب العمل .. طرقت الباب ، و فتحته عندما سمعت الصوت الصارم يدعوها للدخول ، ثم إلتفتت إلي "هانيا" قائلة:
-حدودي لحد هنا .. اتفضلي ادخلي.
أومأت "هانيا" رأسها و تنفست بعمق ، ثم خطت إلي داخل المكتب الفسيح ..
أغلقت السكرتيرة الباب وراءها ، بينما ركزت " هانيا" بصرها نحو مركز الغرفة .. حيث إستقر "عاصم الصباغ" و قد ملأ مقعده الجلدي الوثير بكتفيه العريضتين
كان مستديرا بالمقعد نصف أستدارة ، حيث ظهر بالجانب الأيسر من جسده ، فيما كان متظاهرا بالإنهماك في إحدي مكالمته الهاتفية المهمة .. و من دون أن ينظر إليها ، أشار لها بيده أن تقترب ، ثم تجاهلها تماما ليستمع إلي محدثه الوهمي ..
بينما ظلت واقفة علي بعد مترين من مكتبه ، إلي أن تململت في ضيق و إنزعاج عندما إستغرق وقتا طويلا في مكالمته ، فيما كان هذا هدفه تماما ، أن يضجرها و يزعجها و قد نجح
و لما شعر بالكفاية ، أغلق هاتفهه ، و وضعه فوق سطح المكتب ، ثم إستدار لها بمقعده و بكامل جسده ، و نهض بطوله الفارع ليواجهها ..
الأن تستطيع "هانيا" أن تنظر إليه جيدا و تتبينه بوضوح عندما إحتوته بنظرها .. أحست بأن نفسها قد إحتبس برئتيها ، كما شعرت بالإرتباك و إختلطت عليها مشاعرها .. فالخصم الذي رسمت صورته في خيالها ، يختلف تماما عن هذا الرجل الواقف أمامها !
كانت ندبة عميقة ، خشنة طويلة فوق خده الأيمن أول ما لفت نظرها .. الأن عرفت لماذا لم تر له أية صورة علي مواقع الإنترنت ..
تابعت النظر إليه و هي تتفحصه بدقة ، كان ينتعل جزمة سوداء لماعة ، كما كان يرتدي بذلة من اللونين ، الأسود و الكحلي .. شعره أسود ناعم و غزير ، بدا ما بين الطول و القصر و هو مصفف بعناية إلي الوراء ، بينما بعض الخصيلات تموجت إلي جانبي وجهه لتضفي عليه لمسة وسامة ..
بينما إستطاعت "هانيا" أن تميز عبر المسافة الفاصلة بينهما ، حاجبين كثيفي السواد ، فوق عينين بمزيج من لون البندق و شذرات ذهبية ، و أنف مستقيم ، ينحدر إلي فم مغر بشفتين ممتلئتين شهوانيتي التأثير ، و جانب وجهه السليم المنحوت و الخالي من التشوهات ، أعطي وجهه شكلا كلاسيكيا فريدا ..
إنبهرت "هانيا" من ذلك التكوين المذهل وتساءلت .. هل يمكن أن يمتلك رجلا مثله كل هذا الكمال رغم عاهته ؟!!
أجفلت عابسة ، ثم أوقفت نفسها بسرعة عن الإسترسال في تأمل هيئته ، بينما ظهرت علي وجهه إبتسامة ساخرة و كأنه قرأ أفكارها و ما يختلج بنفسها من مشاعر متضاربة ، فيما هنأ نفسه بإنتصاره بالجولة الأولي ، فقد نجح في تطبيق عنصر المفاجأة عليها .. فهي بالطبع لم تكن تتوقع أن تر خصمها ذا وجه مشوه ..
شعرت "هانيا" بعينيه الثاقبتين تخترقانها إختراقا ، بينما بصوت عميق و أجش قال لها:
-صباح الخير يا انسة هانيا .. اهلا بيكي في شركتي ، نورتي.
ثم مد يده الكبيرة ليصافحها ، بينما لم تغب عن " هانيا" رنة الإستهزاء في صوته ، لكنها مدت يدها في بطء و ثبات و صافحته ، ثم سحبتها بسرعة و حزم و هي ترمقه بكل ثقة قائلة:
-صباح النور .. ميرسي لذوقك.
إبتسم بخفة و هو يقول:
-انا اسف لو كنت خليتك تنتظري كتير ، بس كان معايا مكالمة شغل مهمة.
ثم دعاها للجلوس في أحد المقعدين الواقعين قرب المكتب:
-اتفضلي اقعدي.
لبت "هانيا" دعوته ، إذ جلست إلي حيث أشار قبالته في المقعد الجلدي الوثير ، بينما قبل أن يجلس بدوره ، راح يعينها في إمعان دقيق ..
و بعد أن تفحصها من قدميها إلي رأسها ، إشتبكت نظراته بنظراتها ..
تمكنت "هانيا" من رؤية الإعجاب في عينيه الجرئيتين ، فتلون وجهها قليلا ، بينما جلس "عاصم" أخيرا و سألها بنعومة هادئة:
-تشربي ايه يا انسة ؟؟
أجابته بإبتسامة خفيفة:
-شكرا .. و لا اي حاجة.
-لأ ازاي ! لازم تشربي حاجة .. انتي بتزوريني في شركتي و لأول مرة مش هاينفع.
غمغمت "هانيا" برقة قائلة:
-مممم ، لو لازم يعني يبقي قهوة سادة.
-سادة !!
هتف "عاصم" في تعجب إستنكاري رافعا حاجبيه ، فأكدت له بإيماءة من رأسها ، فهز هو كتفيه بخفة ، ثم رفع السماعة و آمر بإحضار فنجانين من القهوة إلي مكتبه ، ثم عاد ينظر إليها باسما و هو يقول:
-قبل اي حاجة انا بقدم التعازي في والدك الله يرحمه .. ماتتصوريش اتضايقت اد ايه لما جالي الخبر.
في تلك اللحظة .. كانت عيناها الزرقاوان تنفثان الغضب ، لم تشعر من قبل بمثل تلك العصبية التي إعتملت بنفسها نتيجة كلماته ، و لكنها بقيت تحافظ علي برودة صوتها
لن تترك لهذا الرجل الفرصة ليشعر أنها لا تستطيع السيطرة علي هدوء أعصابها .. :
-استاذ عاصم !
هتفت في جمود هادئ ، ثم سألته بلهجة رسمية:
-حضرتك طلبت تقابلني .. و اديني اهو جتلك زي ما طلبت .. خير ؟؟
مط "عاصم" شفتيه مهمهما ، ثم أجابها ببطء متعمدا إستفزازها:
-طبعا زي ما انتي عارفة .. كل املاك والدك الله يرحمه .. بقت ملكي حاليا.
و توقف عن الكلام قليلا ، يراقب تعابير وجهها المتصلب متلذذا ، ثم عاد يقول:
-كل حاجة بقت ملكي .. ماعدا حاجة واحدة بس.
حدجته "هانيا" في حدة ، و قد فطنت بالبديهة أنه يقصد تلك الأرض التي تركها لها والدها قبل وفاته بخمسة أعوام ..
بينما رفعت وجهها ، و عقدت حاجبيها في إستغراب متكلف و هي تقول:
-مش فاهمة يا استاذ يا عاصم ! تقصد ايه ؟؟
إبتسم بإلتواء و قد إستشف فيها نزعة عنيدة و مغامرة تحت قناع وجهها الإرستقراطي الجميل ، ثم أجابها بلهجة هادئة مستمتعا باللعبة التي يمارسها معها:
-في حتة ارض صغيرة للاسف فلتت من تحت ايدي .. لما جيت افرز الاملاك اكتشفت ان والدك كتبهالك من كام سنة كده.
-طيب ! فين المشكلة ؟!
هتفت في خشونة متهكمة ، بينما أجابها بإبتسامة خفيفة:
-الارض دي علي وجه التحديد و لاسباب شخصية تهمني اوي .. انا عايزها ، هاشتريها منك و هاديلك المبلغ اللي تطلبيه.
رمقته بعبسة متجهمة ، ثم سألته في إهتمام مترقب:
-ايه مدى اهمية الارض دي بالنسبة لك يا استاذ عاصم ؟؟
هز كتفيه و كأنه يجد الأمر برمته مسليا ، ثم أجابها قائلا كمن يشرح درسا:
-هي موقعها حلو ، مساحتها كويسة ، و انا بصراحة نفسي ابني فوقيها بيت.
ثم أضاف برقة هازئة:
-طبعا ده بعد ما اهد المخزن اللي عليها الاول.
خضب كلامه وجنتيها بحمرة الغضب ، إذ كان واضحا من نبرة صوته الناعمة و كأنه تعمد أن يشعرها بالذل و الحسرة علي إرثها الذي نهبه و إستولي عليه بأساليب الإحتيال ..
فيما غالبت شعور الغضب الذي راح يتصاعد داخلها ، حيث أخذت نفسا عميقا ، و حاولت أن تبادله ذلاقته الهازئة نفسها و هي تقول:
-قبل ما اجي هنا .. كنت متوقعة ان حقوقي هترجعلي بعد المقابلة دي .. كنت متوقعة اعتذار م وندم علي التصرفات الاحتيالية اللي حضرتك لجأتلها عشان تنصب علي ابويا و تسرق منه كل حاجة.
عاد يرسم علي شفتيه تلك البسمة الساخرة ، و رفض منحها تأكيدا شافيا لكلامها ، بل قال و هو يسترخي فوق مقعده:
-طالما كشفنا ورقنا يبقي مافيش داعي للتظاهر بالبساطة و تزويق الكلام.
أردف بهدوء و قد بدا وجهه قريرا متألقا:
-الضرب تحت الحزام شيء مشروع في شغلنا جدا يا انسة .. و اذا كنت انا نصاب زي ما بتقولي .. يبقي والدك العزيز شيخ منصر.
إشتعلت حدقتيها الزرقاوين بغضب حارق ، فهبت واقفة و هدرت بشراسة تدافع عن أبيها:
-والدي اللي بتتكلم عنه ده كان راجل شريف .. كان صاحب شركات و بيزنس محترم ، مش رئيس عصابة و لا حرامي زيك .. و علي فكرة ، اوعي تفتكر اني هسكت علي اللي حصل ، انا مش ممكن اسيب حقي ، و مستحيل اسيب تار ابويا.
منحها نصف إبتسامة باهتة ، ثم سألها ساخرا و هو يعبث بقلما فوق مكتبه:
-و يا تري في ايدك ايه تعمليه يا انسة ؟ مافيش في ايدك غير شوية التهديدات الفارغة اللي بتستخدميها ضدي دلوقتي كسلاح فاسد .. انا معايا السلطة و النفوذ و الفلوس .. انما انتي.
و مسح جسدها بعينيه من الأسفل إلي الأعلي في تقييم ساخر ، و أضاف:
-انتي مش معاكي اي حاجة .. صوتك عالي بس ، لكن ده بردو انا اقدر اسكته بطريقتي.
في تلك اللحظة ، كان قادرا علي ملاحظة الحقد الوحشي يلمع بعينيها الواسعتين ، بينما أحست بموجة عارمة من الغضب في صدرها ، و بالنار تشتعل في عينيها ، فصاحت بعنف تكيل له الصاع صاعين:
-بكرة تعرف ان اللي قلته ماكنش مجرد تهديد .. مش هاسيبك تتهني بشقي ابويا ، و الارض مش هتاخدها ، بعينك ، و قريب اوي هرجعك من الصفر عشان تشحت من اول و جديد بعد ما اخد منك كل حقوقي هعمل معاك اللي عمله ابويا مع ابوك من عشرين سنة.
ثم أضفت إلي صوتها نبرة متعالية لتضعه في مكانه:
-هشتري شركتك دي و كل املاكك بتراب الفلوس .. و ساعتها هتبقي واقف متكتف ، مش هتقدر تعمل حاجة .. زي السيد الوالد.
قالت هذا و شمخت بذقنها متحدية ، فإتقدت عيناه ، و أسود مزاجه ، فأدركت للحال بأنها أخطأت في التكلم بهذه الطريقة عن والده ..
و لكن قد سبق السيف العزل .. إذ أنه رمى قلمه من يده فجأة ، فأجفلت لحركته المفاجأة ، و لكنه تأملها بقوة طويلا حتي أحست بنظراته ستقتلعها من مكانها .. ثم نهض واقفا بحركة خاطفة عنيفة
فتراجعت تلقائيا عندما رأته يتجه نحوها بخطي واسعة ، يدنو منها بجسده الضخم المكسو بالبذلة الأنيقة ..
توترت و هو يزيد من إقترابه منها ، لكنها تجمدت بمكانها متحدية بوجه متصلب ، بينما غمغم هو من بين أسنانه:
-مبدئيا .. الارض بتاعتي .. و هاخدها بأي طريقة ممكنة ، اما انتي بقي .. ففتحتي باب لسكة انتي مش ادها .. مش هحاسبك علي كلامك دلوقتي ، بس اوعدك انك في الايام الجاية ، هاتشوفي اللي عمرك ما شفتيه.
قطبت حاجبيها و هي تنظر إليه واجمة .. كان وجهه شاحبا ، و الندبة أشد إحمرارا عما رأتها لأول مرة ..
إنفتح باب المكتب في تلك اللحظة ، بعد أن طرقه الساعي الذي دلف بالقوة التي آمر بها رئيس العمل ، بينما تنهد "عاصم" بعمق ، ثم دعا "هانيا"للجلوس مجددا بنبرة متكاسلة و كأن شيئا لم يكن:
-اتفضلي اقعدي عشان تشربي قهوتك.
فأجابته بجفاف:
-اشربها انت.
ثم أحضرت حقيبة يدها من فوق المقعد ، و غادرت مسرعة بخطوات واسعة أقرب إلي الركض ..
قطعت مسافة طويلة ، بعيدة عن مقر الشركة ، إلي أن ضاقت ذرعا بنفسها ، فتوقفت تستند إلي شجرة ، تتوق إلي قدر من رباطة الجأش ، خاصة و أنها شعرت بدوار شديد
حمدا لله علي أن لا أحد هنا يشهد ضياعها و وهنها ، فهي لم تشعر في حياتها بمثل هذا الذعر الذي إستبد بها من جراء تهديده ..
ترى ماذا سيفعل ؟ .. ربما ينوي معاقبتها علي مضايقتها له بكلماتها اللاذعة .. و لكن كيف ؟!!
أن "عاصم" هذا لن ينفك أبدا عن فعل أي شيء ليحصل علي ما يريد ، ذلك ما إستنتجته بعد ما فعله ، و ما تأكدت منه بعد أن قابلته ..
لا تستبعد أن ينفذ تهديده ، فعيناه كانتا تشعان نار ، كما أن صوته الهادئ عكس غضب عنيف لا ينذر بخير علي الإطلاق
إنها حاليا لن تستطيع التصرف وحدها ، ستذهب ألي عمها لتأخذ برأيه .. هذا ما ستفعله الأن ...