متنساش النجمة حجي قبل ما تقرأ يا قمري★♥
الحلقة (15) - الفرار ! - :
كانت آشعة الشمس تخترق ستائر الغرفة بنورا بهيا ..
بينما إستيقظت "هانيا" علي إثر الضوء الذي ضرب عينيها ، كانت تشعر بألم في رأسها و لم تدر لأول وهلة سببا له و لا لتلك الكآبة التي غشيت كيانها !
لكن سرعان ما عاد إليها سيل الأحداث التي وقعت بالأمس ..
فتدفقت الدموع من عينيها في الحال ، و شعرت بها ساخنة حارة و مؤلمة ، ثم دفنت وجهها في الوسادة و إنفجرت منتحبة ...
كانت ما تزال غير مصدقة بأنه عاملها بتلك القسوة ، صحيح أنه شيطان متجبر ، و لكن لم تتوقع أن يكون مجردا من كل عاطفة آدمية بهذا الشكل !
و لم يعزها أن عمله إرتد عليه و أن خطته فشلت ..
بل شعرت "هانيا" بشكل لا يقبل الشك بالجهد الخارق الذي كان عليه أن يبذله ليبعد جسده المتآجج عن جسدها ، لكنه إنتزع نفسه إنتزاعا و هو في ذروة إستعداده لغزوها ..
لم تسمع "هانيا" قرع الباب في تلك اللحظة ، كما لم تسمع الصوت الذي ناداها و ظلت علي حالها .. حتي إنفتح الباب و دخلت الخادمة الشابة و هي تحمل بين يديها صينية الإفطار ..
بينما إلتفتت إليها "هانيا" و قد إنعقد لسانها و ملكها الخوف .. إذ بسبب الدموع التي منعتها عن الرؤية الواضحة ..
لم تدرك ما إذا كان الشخص الواقف أمامها "عاصم" أم لا ..
ثم أخيرا ، جاء الصوت الأنثوي إلي سمعها:
-صباح الخير يا هانم !
تجهم وجه الخادمة و هي تنظر إلي "هانيا" بفضول و تتمتم شيئا لم تفهم منه شيئا .. :
-في ايه ؟؟
سألتها "هانيا" بإنزعاج منفعل ، فهزت الخادمة رأسها بإرتباك و هي تقول متلعثمة:
-عـ عاصم بيه امرنا نطلعلك الفطار هنا !
و كادت تضع الصينية فوق الفراش .. إلا أن "هانيا" صاحت بها بعنف:
-شيلي الاكل ده من هنا و اطلعي برا.
أجفلت الخادمة بذهول ، و لكنها إنصاعت لأمرها و إندفعت خارجة بعد أن أغلقت باب الغرفة خلفها ..
هدأت "هانيا" قليلا عندما وجدت نفسها مجددا وحدها في غرفتها ..
و بتثاقل .. نهضت من فراشها و إتجهت صوب الحمام ..
ملأت الحوض بالماء البارد ، و غمست وجهها فيه مع إبقاء عينيها مفتوحتين حتي ترطبهما و تزيل الإحمرار عنهما ..
نظفت أسنانها ثم عادت إلي الغرفة و هي تنشف وجهها بالمنشفة البيضاء الصغيرة ..
تأملت صورتها في المرآة .. بدا كل شيء و لو في الظاهر علي ما يرام بعد أن غسلت وجهها و أزالت عنه معالم القهر و الوهن ، غير أن الشحوب الذي ملأ وجنتيها أفشي حقيقة أمرها ، و بدت عينيها الزرقاوين شديدتي الإتساع في وجهها الشاحب ، و حول فمها إرتسمت علامات الإرهاق الشديد ..
أطلقت تنهيدة من أعماق أعماقها .. فهي لم تكن تود أن يراها "عاصم" أو غيره في هذه الصورة التي توحي بالضعف و الإستسلام ..
زفرت في كدر و هي تتجه نحو خزانة الملابس لتبدل ثيابها ، و لكنها شعرت بحاجة قوية للإغتسال لتصفي ذهنها و لتلين عضلات جسدها المتيبسة ..
لذا أقفلت الخزانة ، و توجهت مرة أخري إلي الحمام ..******************************
كان "عاصم" جالسا مترأس مائدة الطعام ، و أمامه كان يجلس "شهاب" يتناول الإفطار بشهية أراحت بال شقيقه ..
و بفخر راح "عاصم" يتأمل مسرورا خديه الصارمين البارزين ، و جسده الذي عاد إليه وزنه الطبيعي بعد صراع مع عادة خبيثة إستطاع أن يقلع عنها بضراوة و شجاعة .. :
-بس قولي بقي ! يا تري خطيبتك دي حلوة ؟!!
قال "شهاب" ذلك متسائلا و هو يمضغ لقمة كبيرة ، فأجابه "عاصم" بجفاف مصطنع:
-اه حلوة .. بس خد بالك ، دي هتبقي مرات اخوك يعني احترم نفسك.
قهقه "شهاب" بمرح و قال:
-ماشي يا عم هحترم نفسي .. رغم اني مش مصدق انك اخيرا هتعملها .. طيب انا هتعرف عليها امتي ؟؟
-انهاردة علي الغدا هعرفك عليها.
و هنا .. تناهي إلي سمع الشقيقين صوت "زين" الصاخب حين أقبل عليهما مهرولا:
-لما عاصم كلمني الصبح و قالي شهاب هيرجع البيت انهاردة سيبت الحاج و الحاجة و ركبت عربيتي و جيت جري.
إلتفتا إليه معا .. بينما رمقه "شهاب" بنظرة ضجرة مفعمة بالضيق .. فهو لم يكن راضيا يوما علي وجود "زين" المتطفل بحياة شقيقه ، إذ يعتبره "عاصم" فرد أساسي بعائلته ..
نهض "شهاب" متكاسلا ليصافح "زين" و علي وجهه إبتسامة باهتة ، فيما قال "زين" مبتهجا و هو يصافحه بيد قوية ثابتة ، ثم يجذبه إليه ليعانقه:
-حمدلله عالسلامة يا واد .. نورت بيتك اخيرا.
كان "عاصم" يراقبهما مبتسما و هو يرتشف قهوته الساخنة علي مهل ، بينما تخلص "شهاب" من "زين" و خو يكبت تأففه بجهد ، ثم رد عليه بإيجاز و بلادة:
-الله يسلمك .. شكرا يا زين.
و إلتفت إلي شقيقه متابعا:
-انا هطلع اخد دوش و اغير هدومي و هبقي انزل علي الغدا.
ثم عاد ينظر إلي "زين" و يسأله بإبتسامة مصطنعة:
-هتتغدا معانا اكيد يا زين !
أومأ "زين" بحماسة عفوية و هو يجيبه:
-اكيد ، انا انهاردة قاعد معاكوا لأخر الليل لازم نحتفل برجوعك بالسلامة.
أطلق "شهاب" ضحكة قصيرة مقتضبة ، و إستأذن منهما ، ثم إستدار علي عقبيه و غادر حجرة الطعام ..
بينما دعا "عاصم" صديقه للجلوس بإشارة من رأسه قائلا:
-اقعد يا زين .. اقعد افطر معايا.
لبي "زين" دعوة صديقه بكل سرور و سحب كرسي و جلس أمامه .. ثم سأله و هو يسكب لنفسه من تلك القهوة الطيبة:
-ها يا سيدي .. احكيلي بقي ! عملت ايه من ساعة ما سيبتك ؟؟
قطب "عاصم" و هو يستوضحه:
-عملت ايه في ايه مش فاهم !!
-قصدي علي النزيلة اللي اصريت تستضيفها في بيتك .. هانيا علام.
أومأ "عاصم" .. ثم تنهد بعمق و أجابه بهدوء بارد:
-ماعملتش حاجة جديدة .. عرضت عليها الجواز زي ما قلتلك قبل كده.
-و وافقتك ؟؟
سأله "زين" مترقبا ، فأجاب "عاصم" بضيق:
-هتوافق .. هتوافق يا زين.
خيم بعد هذه المبادلة بالحديث صمت ثقيل قطعته الخادمة بدخولها المفاجئ و هي تقول بشيء من التوتر:
-عاصم بيه .. هانيا هانم رجعتني بالفطار .. مارضيتش تاخده مني !
تجهم وجه "عاصم" للحظات قبل أن يقول بلهجة آمرة جامدة:
-طيب هاتي الفطار و تعالي ورايا.
إنحنت الخادمة لسيدها في تهذيب ، بينما إستأذن "عاصم" من صديقه قائلا بإقتضاب:
-خليك زي ما انت .. شوية و راجعلك.
و تواري عن ناظريه إلي خارج حجرة الطعام ، فزفر "زين" ممتعضا من تصرفات صديقه التي تعدت حدود اللباقة ...