الحلقة ( 28 ) - بين الحلم و الواقع

167 9 0
                                    

متنساش النجمة حجي قبل ما تقرأ يا قمري★♥

الحلقة ( 28 ) - بين الحلم و الواقع - :

بعد ساعات من المجهود المضني الذي بذلته "هانيا" في تمريض "عاصم" و الإعتناء به ..
غلبها النعاس رغما عنها عندما كانت تجلس بجواره و تضع له الكمادات علي وجهه ..
كان نومها قلق متقطع ، لذا أفاقت سريعا ... فركت عينيها بإرهاق ، ثم ألقت نظرة علي ساعة الحائط الكبيرة ..
أشارت العقارب إلي الرابعة و النصف مساءً .. فنقلت بصرها إليه ..
ما زال نائما ممدا علي ظهره في كل هدوء و آريحية ، و لكن .. شدها إحمرار وجنتيه بعض الشيء ، فتأففت بتعب و مدت يدها إلي جبينه ، لتجد حرارته لا تزال مرتفعة ، و لا زال جسده متعرقا أيضا ..
إمتعض وجهها ضيقا ، فإستوت في جلستها فوق السرير ، و نظرت له بتململ واضح و هي تخاطب نفسها بخبل:
-يا ربي .. اعمل ايه ؟ .. مابتنزلش ، حرارته مابتنزلش .. و مش بيفوق ، افوقه ازاي ده ؟؟!
ثم أمسكت كتفه ، و أخذت تهزه بعصبية خفيفة و هي تهتف:
-انـت .. قوووم ، اصحـي بقــي .. اصحي ، فـووق .. اصحــــي !
و لكنه لم يبدى أي ردة فعل ، فلجأت "هانيا" لأول حل طرأ علي بالها لتوقظه ..
قامت ، و جلبت زجاجة مياه باردة و كادت ترشقها كلها علي وجهه ليفيق ..
و لكنها تراجعت عن عزمها .. إذ أشفقت عليه ، نعم أشفقت عليه ..
رغم كل شيء أشفقت عليه ، و ما أرادت أن تلحق به مزيدا من الآذي ، فهو بشر علي أي حال ، و لديه شعور أيضا ..
يكفيه مرضه ، لابد أنه سيشعر بالضعف و قلة الحيلة لدي إستيقاظه ..
فلا داعي أن تنصت الآن لنداء روحها المنتقمة ، لتؤجل إنتقامها لوقت لاحق ، حين يستعيد حيويته و صحته كاملة ..
عندها ، تستطيع أن تقاتله بشرف و نزاهة ، إنما حاليا و هو ضعيف ، لا يجوز ..
فتحت "هانيا" زجاجة المياه ، و سكبت القليل في كفها ، ثم دنت منه ببطء .. و بصورة سريعة و خفيفة مسحت بكفها علي وجهه ، بداية من جبهته ، و حتي إلي عنقه ..
لاحظت أنه بدأ بالإستيقاظ شيئا فشيء ، حيث فتح عيناه بتثاقل ، و زاغ ببصره يمنة و يسرة عدة مرات حتي إستقرت أنظاره عليها ..
و بدون أن يتحرك قيد أنملة ، تكلم بخفوت شديد ، و قد خرج صوته واهنا متحشرجا:
-في ايه ؟ .. مالك ؟ .. واقفة كده ليه ؟؟
توترت أعصابها قليلا ، لكنها ردت بلهجة حازمة مقتضبة:
-انا واقفة كده من الصبح.
قطب حاجبيه الكثيفين بإستغراب ، و سألها:
-ليه ؟؟
نظرت له من طرف عينها ، و قالت بتهكم:
-انت مش حاسس بنفسك و لا ايه ؟ .. انت عيان من الصبح ، صحيت لاقيتك بتخترف و حرارتك عاليا .. فضلت احاول اصحي فيك لكن ماقدرتش ، فأضطريت اعالجك بنفسي و اعملك كمادات.
حدجها في ذهول جم ، و ردد متسائلا:
-انتي ؟ .. انتي عالجتيني و عملتيلي كمادات ؟؟
رمته بنظره ساخطة ، و قالت:
-انا ماعملتش كده عشانك .. انا عملت كده عشان ربنا بس ، في الاول و في الاخر روحك مالهاش ذنب ، انما لو عليك انت بقلبك الاسود و عقلك الـ ...
و بترت عبارتها فجأة ، إذ أدركت أنها قد تؤذيه بكلامها ، و قد تتراجع حالته و تسوء ..
و بالفعل ، هذا ما حدث .. فقد زاد الإحمرار علي بشرته ، و غطي خديه مرورا بأنفه ، كما إنعقدا حاجباه في آلم ..
عضت "هانيا" علي شفتها السفلي بقوة ، ثم تنهدت قليلا ، و مضت إلي القول في شيء من الضيق:
-عموما انت محتاج شوية راحة .. و انا ماعنديش مانع اخد باللي منك لحد ما تتحسن.
و ساد الصمت للحظات لم تسمع منه خلالها أي رد ، فسألته بإرتباك واجم:
-حاسس بإيه دلوقتي ؟؟
من دون أن ينظر إليها ، أجاب بصوت خفيض:
-راسي وجعاني .. حاسس بالحر و العطش.
أومأت رأسها بتفهم ، ثم إقتربت منه ثانية ، و تحسست جبينه مجددا ..
مازال يشتعل حرارة ، فتمتمت:
-حرارتك مش بتنزل ، و الكمادات مش جايبة نتيجة .. لازم تقوم تاخد دوش بارد.
و هنا ، إتسعت عيناه ذعرا ، فنظر إليها و قال:
-لأ .. لأ دوش بارد ايه ؟ ده الجو تلج اصلا !
-انت مش قلت حاسس بالحر ؟؟
-ايوه ده عشان حرارة جسمي عالية .. لكن ده مايمنعش ان الدنيا كلها شتا و سقعة ، عايزاني كمان انزل تحت الدوش و هو بارد ؟ .. لا لا مستحيل.
عقدت حاجبيها بإنزعاج ، و قالت:
-انت هتعمل زي العيال الصغيرة و لا ايه ؟؟
و فعلا ، لح عليها كالأطفال بقوله:
-ارجوكي بلاش .. انا مش قادر اقوم من السرير اساسا.
ثم أردف بترجي:
،-عارف انك مش طايقاني و عايزة تتنقمي مني بس مش بالطريقة دي من فضلك .. انا تعبان بجد.
ضغطت شفتيها ببعضهما في صبر نافذ ، و علي مضض قالت:
-يبقي مافيش حل غير مواصلة الكمادات .. بس لو ماتحسنتش علي بالليل كده هنضطر نجيب دكتور يشوفك.
و قلصت وجهها عابسة ، فقال "عاصم" و هو يشيح بوجهه للجهة الأخري:
-ماتتعبيش نفسك معايا .. سيبيني انا هبقي كويس.
ثم نظر إليها ، و إستطرد بنفس الهدوء:
-ممكن تروحي الاوضة اللي كنتي فيها اول ما جيتي هنا لحد ما اخف عشان ماتتعديش مني.
تتهدت بتعب و إرهاق متجاهلة كلامه ، ثم ذهبت و أحضرت مزيدا من قطع الثلج ، و زجاجات المياه الباردة ، إضافة إلي مجموعة مناشف صغيرة لتضعها علي جميع أنحاء جسده ..
عادت تحتل مكانها بالسرير إلي جواره ، ثم أخذت تبلل أول منشفة .. وضعتها علي رأسه فإنتفض جسده لبرودة المياه علي جبينه و حاول إبعادها كما فعل في الصباح ، و لكنه يحتاجها لذلك لن تسمح له ..
أكملت وضع المنشفة التالية علي رقبته ، ثم صدره متمنية أن تنخفض حرارته ..
لكنه لم يتوقف عن الحركة و محاولات منعها متحججا بأن المياه باردة ، و علي إثر ذلك شعرت أنها تتعامل مع طفل صغير ..
و أخيرا إنخفضت حرارته نسبيا ، و لكن بعد مدة ..
زفرت "هانيا" بآرق ، و قالت و هي تفرك وجهها بكفيها:
-حرارتك نزلت شوية .. و عشان تقدر تقاوم الحمي هنزل اعملك حاجة تاكلها.
و كادت تنهض من جانبه عندما أمسك يدها و جذبها نحوه برفق قائلا:
-قلتلك ماتتعبيش نفسك معايا .. اي حد من الخدم ممكن يعمل كده بدالك.
ردت "هانيا" بإبتسامة ساخرة:
-المفروض اني مراتك .. قدامهم .. و كونك عيان يبقي لازم ابقي مخضوضة عليك و اجري اعملك اكلك و شربك.
هز رأسه نفيا ، و غمغم بهدوء:
-انتي مش مضطرة تعملي كده.
حدجته في برود ، ثم سحبت يدها بسهولة من قبضته الضعيفة ، و قالت بوجوم:
-مش هتأخر عليك.
و إتجهت صوب باب الغرفة ، لكنه إستوففها محتدا:
-استني هنا !
تسمرت مكانها ، ثم إلتفتت إليه بنظرة متسائلة:
-في حاجة ؟؟!
بنبرة مهذبة ، قال لها:
-هتنزلي تحت كده ؟؟
-كده ازاي يعني !!
رددت ببلاهة ، فأشار برأسه إلي جسدها قائلا:
-هتنزلي تحت كده وسط الخدم بقميص النوم ده ؟؟
و كأنها قد نست نفسها خلال تلك الساعات القليلة ، فخفضت رأسها و نظرت إلي جسدها ، لتجد أنها ما زالت ترتدي الرداء الليلي الأزرق القصير ، و الذي يكشف عن كتفيها و صدرها بصورة مثيرة ..
بحركة غريزية ، وضعت يديها علي عنقها و صدرها ، و لكنها نفضت شعرها الذهبي بكبرياء للوراء كما تفعل عادة في اللحظات الحرجة ، و قالت:
-قعدتي جمبك نستني اصول يومي .. انا حتي ماغسلتش وشي لحد دلوقتي.
ثم توجهت نحو الخزانة ، و أخرجت ثياب لها ..
ولجت إلي الحمام ، بينما كان يراقبها حتي توارت عن ناظريه ..
فشعر بثقل جفناه ، فإنغلقتا .. ليغط في نوم عميق مرة أخري من شدة الإعياء ...

"المظفار و الشرسة"🚫حيث تعيش القصص. اكتشف الآن