16

661 21 14
                                    

طريقة عمل الحياة غريبةٌ بالفعلِ ثانيةٌ أنتَ تكادُ تطيرُ فرحًا والثانيةُ التي بعدها الحُزن ينهشُ قلبكَ ويُميتُ روحكَ ، مِن الأعلى حتى الأسفل خلال ثانيةٍ واحدةٍ ، وهكذا كانَت حياتي لم أكُن أسلمُ قلبي أحدًا ولا آبهُ بكلمةِ الحُب و أخشاهُ مِن المثير للسخريةِ حقًا أني حينَ سلمتُ قلبي لم أسلِمهُ لشخصٍ بل لشخصانِ وفي الوقتِ ذاتِه .. جاء السبتُ سريعًا أسرعَ مِن ما توقعتُ وليس السبتُ فقطْ بل الحطامُ أيضًا حسنًا أنا جلبتهُ لنفسي ، بنفس السخرية إبتسمتُ لإنعكاسي في المرآة .

ذلكَ اليومُ لم يكُن مختلفًا كثيرًا أو كانَ ؟ إستيقظتُ وقمتُ بروتيني المُعتادِ ومع كل خطوة إلى المدرسةِ كان قلبي ينبضُ ليس حبًا هذه المرة ، لقد كان ينبضُ خوفًا .. خوفٌ مِن مواجهة الآتي ، سدن و أنوار و أنا .. كُلنا سنكونُ تحتَ سماءٍ واحدةٍ هذه المرة .. تحت سقف واحدٍ وبين نفسِ الجدرانِ هذا قد يبدو جيدًا وعاديًا ولكن ليس حين أكونُ كاذبةً و خائنةً في الوقتِ ذاتِه ، حتى و إن أخبرتُ سدن أو انوار بالحقيقةِ لقد فات الأوان ، لقد تأخرتُ كثيرًا كثيرًا على فعلِ ذلكَ ولا أملكُ الآن إلا الدعاء للرّبِ الذي لا اؤمن بوجودهِ أن لا يتقابلا و أن لايسقطَ قناعي المستخُ بالخطايا الغيرِ معدودةٍ ، هل جرَت الرِّياحُ بما تشتهي السُفنُ يومًا ؟ . 

" حُلم " الصوتُ الذي لم يكُن مألوفًا كثيرا جذبَ مسامعي لألتفتَ وتسقطَ عيناي على منظرِها ، سدن ، صامتةٌ كنتُ لم أقم بأي ردِّ فعلٍ لقد إنتهت ردود الفعلِ لدي في هذهِ اللحظةِ بالذاتِ ، إقترَبَت مني و إحتضنتني حضنٌ بعثرني أكثر و أكثر ، إستطعتُ الكلام أخيرًا " مرحبًا سدن "، كان صوتي أقرب إلى التمتمةِ ولكنها سمعتني ، إبتسمتْ لي ، أمسكتْ يدي وذهبنَا سويًا وأثناء سيرنَا قالتْ ، " لقد كُنتُ أتوق شوقًا لهذا اللقاءِ و لأجعلهُ مميزًا ... " ، توقفتْ عن الكلامِ دونَ إكمالهِ لأنظرَ لها وعيناي تحملانِ الإستفسارَ والتساؤلْ لكنها هزت رأسها على الجانبين فحسبْ وغمزتْ لي ، سيغمى عليّ حتمًا .

إضطرتْ سدن للإنضمام لطلابِ مدرستها ففي النهاية إنها مسابقة ، لا يمكنها البقاء معي . لم أرى أنوار مُنذ دخلتُ إلى الآن و لسببٍ ما وجدتني أتمنى أنها لم تأتي ولكِن الحياة ضدي بالطبعِ الحياةُ تكرهني ، رأيتُها مقبلةً بتعابيرَ غير سعيدةٍ لقد كانتْ تبدو منزعجةً ، إرتمت إلى حضني بدونِ حديثٍ ، إحتضنتها وربتتُ على ظهرها ، بقينا هكذا لبضعِ دقائقَ منظرها هذا فطرَ قلبي الذي كان يرقصُ فرحًا قبلَ قليلٍ ، إبتعدَت عني أخيرًا و أخذت نفسًا عميقًا ، " لقد جعلوني أقوم بكلِ العملِ لقد أردتُ فقط رؤيتكِ لقد إشتقتُ إليكِ " أخبرتني وهي تحتضنني مجددًا وهذه المرة أطول ، وكأنها آخرُ مرةٍ تفعلُ ذلكَ ، أجبتُها بأني إشتقتُ لها أنا الأخرى وبأني ظننتُ أنها لم تأتي و أن هذا الظنّ أحزنني ، كاذبة . 

جلسنَا في مكاننَا المُعتادَ نتبادلُ الأحاديثَ وتخبرني هي كيف مرّ يومها وكيفَ أنه مِن الصعبِ أن تكونَ الطالبَ المُفضل للإدارةِ ، وسريعًا ما إنتقلنا لإلقاءِ النكاتِ ، الشعورُ كانَ مثل البيتِ ، بيتٌ وهميٌ بنيتُه في مخيلتي يتضمنُ أنوار .. أنا .. وسدن ! لم أقصدْ تضمينها ولكن رؤيتي لها مع صديقاتِها ربما و هي تضحكُ برفقتهم جعلني أفعلْ ، لاحظَت أنوار شرودي ولم تفتني نظراتُ الشكِّ في عينيها وهي تسألني ما إن رايتُ شيئًا غريبًا ، نفيتُ بالطبعِ ، حين تكذبُ مراتٍ متتالية سوف تعتادُ على ذلكَ ويصبحُ طبيعيًا جدًا وكأنكَ تقولُ الحقيقة ، شعور الذنبِ الذي يفضحكَ سيختفي . 

لم يحدثِ الكثيرُ بعدها أنوار مضَت لمهمتها و كنتُ وحيدةً أتجولُ في المكانِ و أنظرُ بعدمِ إهتمامٍ لما حولي ، المسابقةُ بدأت والمنافسةُ شديدةً و للاختبارِ النهائي ، وكأنهُ مشهدٌ مِن فلمٍ بريطاني ، أنوار كانتْ ضدّ سدن ، لم تكُن أي منهما تعرفُ بمعرفتي للأخرى لاحظتُ نظراتهما المترقبة تشجيعي ولكِن هذا ساهمَ في جعلي أشعرُ بالعارِ أكثر فأكثر ، إنتهتْ المُنافسةُ بفوزِ أنوار ، كما هو متوقعْ وحينها حصلَ ما أهابهُ أنوار نزلتْ مِن المنصةِ وركضتْ نحوي سعيدة في نفسِ الوقتِ الذي إقتربتْ فيهِ سدن مني بتعابيرَ محبطةٍ لخسارتها ، ارادتْ أنوار إحتضاني وكذلكَ ارادت سدن وهنا حين إنتبهتْ كلٌ مِنهما لوجودِ الأخرى ، نظرتا لبعضهما ثم إليّ بتساؤلٍ رغبةً في فهمِ ما يحصُل ، أنوار تعرفُ أن ليسَ لدي أصدقاء في الواقعِ ، وسدن أخبرتها أن ليس لدي أي شخصٍ في مدرستي ، بشجاعةِ مجرمٍ يحاولُ نفي التُهمِ عنهُ تنفستُ ثم قلتُ " أنوارْ .. هذه صديقتي سدن .. سدن .. هذهِ أنوار " لم أستطِع التلفُظ بعبارةِ صديقتي في تعريفي بأنوار ولكِن الإنزعاج و التساؤلاتِ الكثيرة كانت باديةً بوضوحٍ على معالمِ وجهها الجميلِ ، صمتٌ باردٌ ثقيلٌ لكنهما صافحتا بعضهما مع عبارات تشرفتُ بمعرفتكِ وما إلى ذلكَ ، كان الأمرُ سيمضي .. سيمضي ولكن أصبح ذلكَ مستحيلًا حينَ قالت سدن ، " حلمْ هل أتيتِ معي قليلًا ؟ أحتاجُكِ لوحدنا " ، أفلتتني أنوار والتي كانتْ تمسكُ بمعصمي لمدةٍ لا أدري مُنذ متى ، نظرتُ إليها وكانَت تعابيرها فارغةً لم تمنعني ولكن الثقلُ الذي شعرتُ به على قلبي ... مخيفٌ .

أخذتني إلى أحدِ الصفوفِ الفارغةِ لم تُغلقَ البابَ و كنا واقفتينِ و ظهرُ سدن يقابلُ الباب ، كنتُ أتوقعُ ما سيأتي تاليًا ، " أنا حقًا أحبكِ " هذا ماتفوهت بهِ سدن ، كنتُ سعيدةً حقًا بهذا و باللحظة التي أخبرتها بأني أبادلها ، إنتبهتُ للواقفةِ خلف سدن .. الصمتُ كان عاليًا ، دخلتْ و إقتربتْ الدموعُ والغضبُ يتصاعدانِ في حركاتِ وملامحِ أنوار ، صفعتني ، أستحقُ ذلكَ كانَت تبكي حين إلتفتت لسدن تخبرها بالحقيقة .. كانَ ذلكَ كزلزالٍ هزّ عالمي الوهمي وهنا حين أدركتُ أن كل هذا كانَ مُجردَ حلمٍ .

الحُلمُ هو أن تبني وهمًا وتصدقهُ وهكذا كُنت أنا كإسمي بنيتُ وهمًا وصدقتهُ ، قلتُ أني أحبُ فتاتينِ في نفسِ الوقتِ بينما لم يكُن هناكَ حبٌ ولا فتاتين لم تكُن سدن ولا أنوار تعرفاني لقد كانَت فقط مجموعَةً مِن الخيالاتِ مع فتاةٍ رأيتُها في فلمٍ و أخرى رأيتها أثناء تجولي في التويتر ، انوار كانتْ في الفلم سيلفيا و سدن أسميتُها كذلكَ لانها بدت لي سدن ، كان كلُّ هذا حلمًا تحولَ لمتلازمةٍ نفسيةٍ ربما جننتُ وربما لا ولكِن بطريقةٍ ما ..

إنتهى الحُلم . 


حُلم | DREAMحيث تعيش القصص. اكتشف الآن