كان محمود عباس هو المُتهم التالي، فرأيتُه جالسًا بملامح ثابتة تتأملني بمنتهىٰ الهدوء، وكان من واجب الضابط بداخلي ألّا أرد علىٰ ذلڪ الصمت لاستفزه أكثر.
وبعد دقيقة كاملة من التأملات الفارغة وغير المُهمة أخرج سيجارة من لدُنه ثم وضعها بفمه، فقُمتُ أنا بإشعالها له دون حتىٰ أن يشكرني.
- مُمكن أعرف يا باشا أنا هنا ليه؟
- أنا ملاحظ يا محمود إنڪ أقل واحد زعل علىٰ سمر فِ الموجودين، ولّلا أنا غلطان؟
قُلتُها بنبرة استعملها مع مَن لا أرتاح لمُعاملتهم، فقال لي بعد أن التفت لعدة زواية بالغُرفة بأقل من نصف الدقيقة:
- يا ريت يا باشا تقول إللي سعادتڪ عاوزُه مني بسرعة عشان أمشي.
- تِعرف إيه عن سمر عاشور؟
- أكيد سعادتڪ عارف.
فقُلت قبل أن أفقد صوابي:
- أنا مش ظابط رسمي يا محمود، ولـمَّٰ اسألڪ سؤال اعرف كويس قوي إني عاوز أعرف إجابتُه.
صمت قليلًا، ثم قال:
- تبقىٰ بنت عمي يا باشا.
فأومئتُ له بأن يُكمل.
- أنا متبرّي منها تقريبًا من ساعة ما هربت من بيت أهلها.
فاعتدلتُ لا إراديًّا للأمام لأنتبه لـِما قاله.
- ... من ساعة إمتحان التاريخ لـمَّٰ كانت في تانية ثانوي وأهلها ميعرفوش عنها حاجة.
- هي كانت غلطانة؟
- مفيش أي مُبرر مُمكن يتقال لصالحها يخلّيها تهرب من عيلتها يا باشا، سمر من عيلة كويسة، وأبوها كان بيصرف عليها كتير وأمها كانت بتدلعها جامد، حتىٰ أنا وأبويا كلمناهم كذا مرة علىٰ حوار الدلع ده.. لكن «لَا حياة لـمَن تُنادي».
أخرجتُ هاتفي لأُرسل رسالة نصية لأحدهم، ولـمَّٰ لاحظ محمود هذا صمت عن استكمال ما كان سيُكمله بإرادته، وقد لاحظ بهذا تقليلًا لشأنه، فقُلتُ أنا:
- كمّل يا محمود..
بالـمُناسبة، كان فحوى الرسالة النصيّة: «تقِب وتغطس وتجيبلي ملف سمر عاشور!».
- .. وبالرغم من إنها كلمتني كذا مرة في كذا حوار شمال من بتوعها عشان أضمنها في الإقسام إلَّا إني مرضيتش أتنازل عن صِلة الرحم والدم إللي كان بينّا، مع إني كُنت معاهد نفسي إني مردش عليها أو أكلمها.
تركتُ الهاتف جانبًا قبل أن أقول:
- طب هي ليه مكلمتش أبوها أو أمها يا محمود عشان يضمنوها؟
- هي كانت عارفة الدُنيا بتمشي إزاي يا باشا، بخلاف إنها رفضت حتىٰ تحضر عزا أبوها، بس هي جَت عزا أمها؛ كانت متابعة أخبارهم من بعيد لبعيد وعِرفت بوفاتهم.
هنا خطر السؤال الأهم ببالي:
- هي هربت ليه يا محمود؟
صمت قليلًا، ثم قال:
- ديه مشاكل عائلية يا باشا، مقدرش أتدخل فيها.
* * *
أنت تقرأ
جرافولوجي | Graphology
Mystery / Thrillerإنه ذلك الفندق الردئ الذي شاء قدره العظيم أن يستقر به العراب مُصطفى نزية لتلك الأجازة القصيرة.. وقد كان هذا قبل أن يتم اكتشاف أن إحدى النزيلات بالفندق قد قامت بالانتحار، قبل أن تُترك ورقة عليها اعترافها بالانتحار.. ليكتشف العظيم مُصطفى نزية عبر تمرس...