عابد - المُتهم الثالث.

35 12 0
                                    

- معاڪ سيجارة يا باشا..؟

قالها عابد قبل أن يبدأ بالحديث، فأجبتُ بالرغم من وجود عُلبتي علىٰ المكتب أمام عيناه:

- لأ، أنا عقبالڪ! مبطل.

وقعت عيناه علىٰ العُلبة لأجزاءٍ من الثوانِ وكأنه يصيح بوجهي: «يا أحمق! ها هي أمامڪ، وأنا أريد واحدة فحسب، فقد بقيتُ هُنا لأكثر من ثلاث ساعات!».. ولكنه لم يقل شيئًا بل اكتفىٰ بالصمت، حتىٰ واجهته أنا بإبتسامتي المُتجمدة قائلًا:

- هاه.. إتفضل كمّل، إيه سبب الخلاف بينڪ وبين سامي؟

هنا هبَّ عابد وكأنه يود لكمي لولا أنني ضابط مثلًا!

- عشان دخل بيني وبينها يا باشا، سمر كانت من نصيبي أنا، بتاعتي أنا مش بتاعة حد تاني، والوسخ ده فاكر كُل حاجة في الدُنيا بيتمنّاها مُمكن يآخدها بالساهل، حتىٰ لو مش بتاعتُه!

أخذتُ انطباعًا مُختلفًا تمامًا عن ذاڪ المُتهم بتلڪ اللحظة، هنا تناولتُ عُلبة السجائر لأخرج منها واحدة وأنا أقول:

- ليه متكونش إنت مثلًا إللي عاوز تآخد حاجة مش بتاعتڪ؟!.. مانت كُنت قُدامها طول الوقت وهي مفاتحتكش في الموضوع!

- مين قالڪ كدة؟! سمر كانت طول الوقت بتقولّي إنها بتحبّني.

كانت إيماءات وجهي الواضحة تؤكد أنني لم أكن لأصدق كلمة واحدة مِمَّا قال، فتسارعت ضربات قلبه وكأنه يختنق، ثم صاح وقد أخذ يفقد رباطة جأشه بشكلٍ واضح:

- سمر ضاعت مني خلاص، وإنتوا السبب!.. مش هشوفها تاني، مش هحس بالأمان إللي كُنت بحسُّه وأنا معاها..

ثم أشار نحوي وقد توقف علىٰ قدماه بشكلٍ مُفاجئ.

- .. وإنت السبب، إنت وأمثالڪ، إنتوا السبب!

كانت السيجارة بفمي طيلة هذا الوقت، فقُمتُ بإشعالها وأنا أتأمل ما يفعله دون أن أُغمِض جفنًا. دخنتُ نفسًا من السيجارة قبل أن أخرجها من فمي لأقول:

- إنت شايف إني السبب في موت واحدة عُمري ما شوفتها؟!

- آء.. إيـء.. أيوة، إنتوا السبب! أنا وسمر كُنا عايشين أحسن من أي اتنين متجوزين، بس برغم كدة إنتوا شوفتوها كتير علـيَّٰ!

كانت ملامحه تتبدّل بشكلٍ قوي وكأنه سيبكي!.. فجاريته لأرىٰ ما لديه.

- طب وهي ليه مُمكن تكون كتير عليڪ يا عابد؟

- يعني إنت مش عارف؟! واحد زيّي قضىٰ نُص عُمره في مصحة نفسية إزاي هيتعامل مع واحدة بمكانة سمر عاشور؟!

تبدلت ملامحي تمامًا.

ماذا قال؟.. «مصحة نفسية»؟!

هنا طلبتُ منه أن يهدأ وليجلس بالمكتب دون أن يُحرڪ ساكنًا لحين عودتي.

خرجتُ من المكتب لأجد عادل الدهشان بإنتظاري كما فعل بباقي التحقيقات، فطلبتُ منه إعطائي بطاقة عابد الشخصية، وكان أول ما فعلته فور أن فعل أن اتصلت بمعارفي بمُديرية أمن القاهرة لإبلاغي بما يخص ذلڪ المريض النفسي الموجود بمكتب عادل الدهشان.

* * *

جرافولوجي | Graphologyحيث تعيش القصص. اكتشف الآن