زهرة ربيع عمري الجزء الثاني من سلسلة وللعمر بقية - الفصل الأول

868 36 0
                                    

-:"يا له من يومٍ شاق"

كان هذا أول ما همست به ما أن بدلت ثيابها.. بعد أن قضت النهار كله بمساعدة السيدة روضة في تنظيف البيت وتحضير الطعام استعدادًا للمأدبة التي يقيمها المعلم سعد بالمساء.. نظرت بساعة هاتفها لتجدها الثالثة.. كادت أن تنهض وتبحث عن السيدة روضة.. لكنها وجدتها تدخل الغرفة حاملة ظرفًا وضعته على الطاولة بينما تجلس أمامها وهي تقول: "أتعبتكِ معي يا نوارة يا ابنتي"ابتسمت بينما ترد: "تعبكِ راحة يا خالة" حركت الظرف ووضعته أمامها بينما تقول: "خذي هذا الظرف ولا تنسي أن تسلمي لي على والدتك.. أخبريها أني سآتي لزيارتها ما أن تتسنى لي الفرصة"
أومأت لها وهي ترد: "سأوصلها سلامك بأمر الله.. سأنهض الآن وأغادر"
نهضت بالفعل فعاجلتها روضة بالنهوض قائلة: "انتظري لنأكل معًا قبل وصول سعد وضيوفه"
كان هذا ما تحاول تجنبه لذا ردت سريعًا: "أكرم الله أصلك يا خالة.. لكن علي العودة للمنزل لأهتم بأمي وأعد الغداء لأنور فقد تأخرت بالفعل"
أومأت لها وقالت: "على راحتك يا حبيبة خالتك"
ثم قبلتها على وجنتيها وودعتها قبل أن تغادر.. تحركت نحو المصعد وما أن أغلقت الأبواب فتحت الظرف وابتسمت بتلقائية ما أن رأت المبلغ وهي تتنهد براحة وتهمس: "الحمدلله"
وضعته في حقيبتها الصغيرة التي تحملها على كتفها وتأكدت من إخفائه في بطانة الحقيبة التي مزقت جيبها الداخلي خصيصًا لتخفي بها المال حتى لا تسرق.. وبينما كانت منشغلة بإخفائه فتحت الأبواب وتحركت لتخرج من المصعد دون النظر أمامها وفجأة اصطدمت بأحدهم.. نظرت أمامها لتجده ليس أي أحد بل هو كابوسها المرعب.. ابتلعت لعابها بينما ترى تلك الابتسامة الخطيرة تتشكل على فمه.. والتماع زرقة عينيه بذات النظرة التي تدفعها لتمني أن تنشق الأرض وتبتلعها وعندها لاحظت اقترابها الخطير منه وهي ترى يداه موضوعتان على كتفيها فابتعدت فورًا وهي تقول بارتباك: "آسفة يا معلم لم أقصد.. كنت..."
كانت تبحث عن كلمة تصف ما كانت تفعله لكنها لم تجد.. بينما اتسعت ابتسامته المخيفة وهو يضع يده بجيب سروال بذلته قائلًا: "كيف حالكِ نوارة؟"
ردت سريعًا: "بخير ما دمت بخير يا معلم"
نظر للمصعد ثم عاود النظر لها وسألها: "أين فلة؟"
ابتلعت لعابها بصعوبة وهي ترد: "لقد أتيت بدلًا عنها فهي مريضة"
بان عليه الأسى بينما يقول: "سلامتها"
ردت: "سلمك الله.. أنا آسفة مرة ثانية على ما حدث.. سأغادر الآن حتى لا أعطلك أكثر"
كادت تتحرك وتغادر بالفعل لكنه أوقفها يسألها: "هل حاسبتكِ روضة؟"
شعرت بالحرج بينما تومئ له وهو يضع يده بجيبه ويخرج محفظة مليئة بالنقود.. وأخرج مبلغًا منها وناوله لها فهمست باعتراض: "لا داعي لقد أخذت أكثر من حقي.. أنت تعرف روضة"
سحب يدها واقترب منها خطوتين وبينما يضع النقود بيدها قال: "المال الذي أخذته من روضة لوالدتك هذا لكِ.. ولا تجادلي يا زهرة"
كانت تستعجب دائمًا من هذا الاسم الذي يناديها به.. لكنها كانت بحالة لا تحسد عليها وتريد الهروب من تلك الوقفة وحسب.. لذا أومأت وهي تشعر أنها غير قادرة على التنفس حتى بينما ترك هو يدها وسألها: "هل سيوصلكِ أحد ما؟"
أجلت حنجرتها حتى تتمكن من الرد وبصعوبة قالت: "أنور سينتظرني عند الطريق الرئيسي"
كانت تلك كذبة مريعة لكنه اقتنع بها أو تظاهر بهذا فرد: "أرسلي له تحياتي"
أومأت له بينما تقول: "سأفعل.. شكرًا لك يا معلم"
تحركت بعدها دون أن تلقي التحية حتى.. كانت قلة ذوق منها تعترف لكنها كانت خائفة ومرتعبة وتريد الاختفاء من أمامه.. وبينما كانت تسير شعرت بنظراته منصبة عليها كأنها تحرقها إلى أن ابتعدت أخيرًا.
*****
وصلت للبيت بعدها بساعة لتجد أصالة تجلس بجوار والدتها.. فتقدمت نحوهما وجلست بجوارهما وهي تسأل: "على من ستكون النميمة اليوم؟"
ضحكتا بينما لكزتها والدتها بذراعها وردت: "استحي يا مقصوفة الرقبة وأخبريني لمَ تأخرتِ؟"
خلعت حذائها وطوت ساقيها أسفل جسدها وهي تئن بتعب بينما ترد: "الخالة روضة بالكاد ساعدتني.. لقد توليت كل العمل حتى الطعام أنا من حضرته"
ربتت والدتها على ساقها قائلة: "لا بأس ستنالين الكثير من الثواب.. فأنتِ تعلمين أنها كبرت ولم تعد تقوى على العمل كالسابق"
أومأت لها بينما ترتاح وترد: "أعلم أمي"
التفتت تنظر لأصالة وهي تعقد ساقيها وتقول بإغاظة: "هل حررك المعلم أخيرًا؟"
شهقت والدتها وضربتها مجددًا وهي تهتف: "استحي يا قليلة الأدب!"
مسدت ذراعها مكان الضربة بينما ترد: "لم نعد نراها بسبب ذلك الصغير المزعج"
ضحكت أصالة وقالت: "الطبيب هو من أخافه وجعله يتوتر من أقل حركة"
التفتت لها والدتها وردت: "معه حق يا ابنتي.. ما كان عليك النزول وإرهاق نفسك.. كنت سأتصل بالممرضة وهي ستمر علي"
قالت أصالة: "لا داعي لكل هذا.. حالتي ليست بهذه الخطورة.. أنتم تهولون الوضع"
ثم ارتاحت بجلستها وهي تكمل: "كما أني مللت الجلوس وحدي.. فسالمة منشغلة مع ابنتها هذه الأيام"
ردت نوارة: "أنتِ تكذبين فقد أتيتِ لأنك اشتقتِ لطهوي"
نالت نظرة صاعقة متوعدة من والدتها بسبب جملتها بينما ضحكت أصالة وهي ترد: "ولهذا أيضًا"
ابتسمت ونهضت تقول: "حمدًا لله أني أعددت الطعام قبل ذهابي.. سأسخنه ونبدأ بالأكل فأنا سأقع من فرط الجوع"
****
-:"طلقتها؟!"
سألته روضة بصدمة بعدما سمعت جملته.. بينما همهم وهو يتحرك ببيجامته القطنية ويجلس أمام التلفاز ويشغله.. تحركت نحوه وهي تهمس بذهول: "ماذا عن الطعام والتجهيزات لها ولأسرتها؟"
رد ببساطة: "نتناوله نحن.. والباقي نرسله إلى المنزل الثاني"
تنفست بعمق وفكرت بتركه يفعل ما يحب.. فبالنهاية هو رجل وحر بأفعاله.. لكنها لم تقدر وجلست على المقعد القريب منه.. وما أن التفت لها تنهدت تقول: "هذا كثير سعد.. أنت لم تقضي معها أكثر من شهرين"
حرك كتفيه بلا مبالاة ورد: "أنا لم أتزوجها لأجل أن تؤلم رأسي بطلباتها.. وقد كنت واضحًا بهذا أريد زوجة لاحتياجاتي الخاصة"
رفع إصبعه بوجهها وأكمل: "تعلمين كم أكره أن يتم استغلالي.."
كانت قد سئمت من الحديث عنه بشأن زيجاته التي لا تنتهي ولا تستمر سوى بضع أسابيع وعلى الأكثر شهور ثم تنتهي بالانفصال لكن الحديث معه دون فائدة وبصراحة ولا واحدة من طليقاته كانت تناسبه.. فإما طامعة وإما تريد فرض سيطرتها عليه بسبب وضعه.. تنهدت وقالت بتعب: "ما تراه مناسبًا افعله لقد تعبت منك!"
نهضت بعدها وتنفست بعمق وهي تكمل بخفوت: "خسارة تعبك بإعداد الطعام يا نوارة!"
التفت لها وابتسم بتلقائية ما أن تذكر العيون البريئة للزهرة الناعمة بينما يسألها: "هل هي من أعدت الطعام؟"
أومأت وردت: "أجل قضت النهار كله واقفة على قدميها لتجهز الطعام وتنظف البيت.. هل رأيتها أثناء صعودك؟"
ارتفع أحد حاجبيه بينما يستلقي قائلا: "أجل وكالعادة بدت وكأنها رأت شبحًا"
*****
-:"ليتك رأيتني ما أن اصطدمت به.. كدت أموت من الرعب وبالكاد كان الكلام يخرج من فمي"
قالتها نوارة بينما تغسل الأطباق وأصالة واقفة بجوارها تنصت لحديثها المعتاد عن شبحها المخيف على حد زعمها.. نظرت للخارج لتتأكد أن والدتها نامت بغرفتها وبالفعل رأت باب غرفتها مفتوحًا وهي تغط بسبات عميق بعد أن تناولت الغداء وأخذت الدواء.. عادت تنظر لنوارة واقتربت منها هامسة: "هل ضايقك؟"
تجعد جبينها وردت: "لم يضايقني.. بالعكس منحني ضعف ما منحته روضة لي.. فهو يعلم أن المال معظمه سأعطيه لأمي.. لكنه أرعبني يا إلهي خاصة عندما أمسك يدي ووضع بها المال"
ضحكت أصالة بخفوت قبل أن تقول: "لا أعلم لم أشعر أنكم تظلمون هذا الرجل بأقاويلكم عنه"
التفتت نوارة لها وهي ترد: "ما الذي لم تسمعيه مما حكيته لك؟"
نظرت لها فأكملت: "أخبرك أنه يبدل النساء كتبديله لأحذيته!"
فكرت قليلا قبل أن تهز كتفيها وتقول: "لا أعلم نوارة.. الرجل يتزوج.. صحيح زيجاته كثيرة لكن على الأقل لا يجمع امرأتين.. ويبدو أن الطرف الثاني يكون راضيًا تمامًا أي أنه لا يجبر أي امرأة.."
لم تقتنع كالعادة فأكملت بتباهي: "كما أن الأهم أنه صديق لأمير بل هو صديقه المفضل.. وإن كان سيئا لم يكن أمير ليعرفني عليه ويجلبه لبيتنا ويدعوه على الغداء"
مطت نوارة شفتيها وردت: "لأنه بالطبع لن يؤذيكِ فهو يعلم ما سيتلقاه من أمير.. ألم تسمعي ما قلته لك عن أريج التي كانت تسكن هنا بالشارع وتزوجها.. لقد سمعتها بأذني تقول أنه كان يضربها ويفعل بها أمور مشينة"
مطت أصالة شفتيها بضجر وقالت: "نوارة تلك الفتاة أنا لا أثق بها مطلقا ولا أرتاح لحديثها"
نظرت لها بدهشة وردت: "لِم أصالة؟. صحيح أنها أكبر مني ببضع أعوام لكننا كنا أصدقاء منذ الطفولة وهي فتاة طيبة.. بخيلة بعض الشيء وجريئة قليلًا لكنه استغلها وألقاها دون اهتمام"
 
ابتسمت لها أصالة واقتربت منها ووضعت كفيها على كتفيها وهي تقول: "اسمعي أنت لا زلت صغيرة.. وأريدك أن تتعلمي ألا تسلمي أذنيك وعقلك لأي شخص.. فكري جيدا قبل أن تأخذي أي قرار أو تشكلي أي رأي"

زهرة ربيع عمري - الجزء الثاني من سلسلة وللعمر بقية - مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن