زهرة ربيع عمري الجزء الثاني من سلسلة وللعمر بقية - الفصل الثامن

442 22 0
                                    

انتهى من ارتداء البذلة بذات اللحظة التي فُتح به الباب.. دخلت ريناد لتقف أمامه وهي تلتف حول نفسها لتستعرض فستانها وهي تقول: "هل رأيت فستاني سعد؟"
انحنى يمسك يدها طابعًا قبلة عليها ثم نظر لها ليرد: "ما كل هذا الحسن؟!.. اتركي القليل للعروس"
ابتسمت وضمت يداها ورفعتهما بتوسل وهي تقول: "هل يمكنني انتقاء الورود لأجلها رجاءًا؟"
أومأ لها ورد: "بالطبع كما أن ذوقك أفضل من ذوقي"
قفزت بحماس ثم ركضت للخارج بذات اللحظة التي دخلت بها روضة وابتسمت له بخبث فسألها: "ماذا؟"
ردت بامتعاض: "عندما اخترتها قبل سنوات رفضت.. والآن تختارها بنفسك"
تنهد والتفت يجمع أغراضه قائلا: "عندما اخترتها كانت بالثامنة عشر روضة.. وأنا كنت على وشك الوصول للثلاثين"
-:"كنت أعلم أنك معجب بها رغم رفضك"
قالتها بخبث وربما لتغيظه أيضا لتثبت مرة أخرى أنها محقة.. لكنه قرر تجاهل الأمر والتفت ليغادر.. لكنها وقفت أمامه وابتسمت بهدوء تقول: "بعيدًا عن المزاح بني.. أنا أراها مناسبة لك منذ سنوات"
لم يستطع منع نفسه من سؤالها: "لماذا؟"
ربتت على صدره بينما ترد: "لأنك والد حنون وهي فتاة طيبة وتهتم بجميع من حولها.. أنت ستنال رعايتها وطيبة قلبها.. وهي ستنال منك الاهتمام الذي فقدته بين مرض والدتها وانشغال إخوتها وفجور والدها"
لم يعلم إن كانت ألقت هذا الكلام عرضا أم تنصحه لكن كان متأكدا أنه سيحفر بذاكرته للمتبقي من عمره.. وقد كانت هذه أول مرة يتفقان على شيء منذ وفاة والدة ريناد.

****
نظرت لوالدتها التي كانت تبكي وقالت بمزاح: "ألم تقولي أنكِ ستكسرين جرة خلفي؟"
ضربتها على كتفها وردت: "وما زلت سأفعلها"
ثم وضعت كفها على وجنتها وهي تكمل ببكاء: "لكني لا أتخيل البيت بدونك يا مزعجة"
كانت على وشك الانهيار وإخبارها أنها لا تريد هي الأخرى تركها.. أنها خائفة ولا تريد الخروج من بيتها والرحيل مع هذا الغريب لكن تدخل زهرة هو ما أوقفها
:"أمي لا تدفعيها للبكاء.. بالكاد انتهينا من وضع المساحيق لها"
ابتلعت لعابها بصعوبة وعادت ترد بمزاح: "أجل أمي لا تفسدي لوحة أصالة الفنية فهي ستقتلني إن حدث"
مسحت والدتها وجهها وابتسمت قبل أن تطبع قبلة على جبينها.. ثم نظرت لها بسعادة وقالت: "مبارك يا مزعجة"
رغم كل الضغط والرعب الذي كانت تعانيه إلا أنها لم تستطع إخفاء سعادتها لفرحتها.. عادت زهرة تتدخل قائلة: "أنا سأخرج لأرحب بالضيوف أمي"
التفتت لها وردت: "سأتي معك"
مطت زهرة شفتيها وقالت: "ابقي أنتِ أمي رجاءً سأهتم أنا بكل شيء"
لكزتها بذراعها ودفعتها لتتحرك نحو الباب قائلة: "على جثتي ألا أشرف على زفاف ابنتي بنفسي"
التفتت لها زهرة ونظرت لها بقلة حيلة فاقتربت وهمست: "اتركيها.. وأنتِ حاولي أن تجنبيها أي شيء مجهد"
أومأت لها وتبعتها بسرعة وأغلقت الباب خلفها.. وعندها فقط تمكنت من التنفس بعمق.. كانت مستنفذة ولولا الساعات التي نامتها بجوار والدتها في المشفى كانت لتسقط مغشيًا عليها.. التفتت تنظر لنفسها بالمرآة.. وقبل أن تسرح بمصيرها المجهول الذي سيبدأ بعد قليل سمعت صوت فتح وغلق الباب.. التفتت ظنًا منها أنها أصالة قد عادت بعد أن أصر أمير أن تتناول شيئًا.. لكن لصدمتها كانت أريج..
نظرت للباب ثم لها وقبل أن تطرح السؤال أتاها الجواب منها: "المكان مزدحم بالخارج لذا لن أبقى طويلًا وفكرت بالمباركة"
فهمت عندها أنها استغلت انشغال والدتها وزهرة ودخلت.. ابتلعت لعابها وقالت: "اسمعي أريج..."
-:"اسمعي أنتِ يا نوارة.."
قاطعتها بينما تلقي حقيبتها جانبًا وتقترب ببطء ثم تقف أمامها متخصرة تعبث بخصلاتها الكستنائية لتوصل لها رسالة واضحة دون أي كلمة.. فبهذا الفستان الرخيص والتبرج البسيط بدت أريج امرأة فاتنة.. بينما هي برغم تأكدها أن الفستان الذي ترتديه يساوي آلاف الجنيهات كانت تبدو كمراهقة.. فإن كان ترك امرأة بمقاييس أريج بعد عام واحد فلن يمضي شهرًا على زواجهما وستواجه ذات المصير.. وعندما وصل كل هذا لعقلها وجدتها تبتسم ثم تقترب منها أكثر مصدرة همهمة من فمها بينما مقلتيها تتحركان بكل جهة قبل أن تعاود التركيز عليها وهي تكمل: "أنا أعلم كم هو فاتن.. خاصة عندما يتحدث بتلك الطريقة الهادئة الخافتة مع نبرته التي لا تزال تحتفظ بشعبيتها للآن.. أعلم أنه يمكنه إقناعك بإلقاء نفسك بالنيران لأن هذا بصالحك أنتِ لا صالحه.. هو رجل معسول الكلام ويملك الكثير من المال وعينان جريئتان وجميلتان"
صمتت وانخفض صوتها أكثر لتردف: "لكنه سينال ما يريده ويلقيك دون أي شفقة.. وسيناله بطريقة مؤلمة وموجعة.."
قالت جملتها الأخيرة ببطء آلمها وهي تتخيل ما قالته بالتزامن مع تذكرها لما قالته عنه من قبل.. عن قسوته التي لا حد لها.. ورغم أن شيئًا بداخلها رفض تصديق كل هذا إلا أنها كانت خائفة بينما بدت هي مرتاحة من إيصال كل هذا لعقلها ثم غمزت بعينها قبل أن تكمل: "لذا خذي حذرك يا فتاة"
ثم التفتت بهدوء التقطت حقيبتها وتحركت أمامها لتغادر تاركة إياها تعاني أكثر من قبل.. لكن أثناء خروجها اصطدمت بأصالة التي بدت متفاجئة ومستغربة من وجودها لكن أريج وبمنتهى الهدوء قالت: "العاقبة لأولاد المعلم يا دكتورة"
ثم غادرت دون انتظار أي رد منها.. وما أن فعلت دخلت أصالة وأغلقت الباب خلفها ثم تحركت نحوها وهي تتأمل ملامحها.. وقد فهمت أن أيًا كان ما قالته أريج فقد ساهم بزيادة توترها وخوفها.. تعالت الزغاريد من الخارج فافترضت أن العريس قد وصل لذا اقتربت منها وقالت: "اسمعي.. أنا وأنتِ لا نملك رفاهية الوقت للأسف لأشرح لك أنك مقدمة على هذا بإرادتك وتحليل أسباب اختياره لك وموافقتك عليه"
انحنت تقترب منها أكثر لتكمل بخفوت: "لكن تذكري أنكِ الطرف الأقوى.. فأنت بإمكانك العيش بدونه ببساطة لكن هو بعد هذه الليلة لن يقدر أبدًا"
انعقد حاجبيها فابتسمت أصالة وعدلت وضع حجابها وطرحتها ثم وقفت بجوارها وهي تهمس: "ثقي بي هذه المرة"
وبذات اللحظة دخلت والدتها تحمل ريناد فتناست كل شيء تلقائيًا وابتسمت وقالت: "مرحبًا"
أنزلتها والدتها فركضت نحوها ورفعت الورود ترد: "انظري ماذا أحضرت لك نوارة.. أنا من اخترتها"
ضحكت وانحنت تأخذها منها وهي تقول: "بالتأكيد أنت من اختارها فهي جميلة مثلك"
ابتسمت واقتربت منها تهمس: "سعد اختار بعضها أيضًا"
كتمت ضحكتها وردت بذات الطريقة: "يمكننا انكار هذا فأنت من حملها بالنهاية"
أومأت لها وغمزت بعينها بينما تدخلت والدتها وقالت: "توقفا عن الاتفاق على الرجل المسكين وانهضا المأذون بانتظارنا"
*****
بعد عقد القران
لاحظ أمير نظرة أنور لشقيقته الجالسة بجوار زوجها.. فاقترب منه وربت على كتفه وما أن التفت له قال: "سيهتم به"
ابتسم ورد: "أعلم لا مجال للمفاضلة بينكما يا معلم"
ابتسم أمير بخبث وقال: "وإن كان هناك مفاضلة يمكننا جلبه وتجربة أدواتنا عليه يا فتى لا تقلق"
أومأ له بذات اللحظة التي أتت بها زهرة وقالت: "أنور هلا ذهبت لإحضار المزيد من المياه الغازية؟"
أومأ لها وتحرك يتجه لبقالة العم أيوب ليجلب المزيد..

زهرة ربيع عمري - الجزء الثاني من سلسلة وللعمر بقية - مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن