زهرة ربيع عمري الجزء الثاني من سلسلة وللعمر بقية-الفصل الثاني

527 22 1
                                    

بعد مرور يومين
تحرك سعد ليدخل أحد أكبر المطاعم التي يملكها.. وقبل أن يذهب للمكتب مر على طاقم العمل والمطبخ ليتأكد من سير العمل.. قابله مدير المطعم وقال: "أنرت المكان سيد سعد"
كان ينظر لإحدى الكؤوس الموضوعة على واحدة من الطاولات ثم التقطه ونظر له عن كثب وعندها لاحظ المدير أن الكأس متسخ بعض الشيء.. التفت له سعد فعلم أنه بمشكلة.. كان يتصبب عرقًا وينظر له بتوتر وقرر ادعاء الجهل بينما يسأل: "هل من مشكلة سيدي؟!"
همهم سعد وهو ينظر للكأس قبل أن يقترب منه بابتسامة ويرد: "هل تعلم ماذا سيحدث إن استدعاك عميل وأخبرك أن الكأس متسخ ياسر؟"
هز رأسه بنفي فأكمل: "وهذه كارثة أخرى أنك لا تدرك عاقبة أمر كهذا ومردوده على سمعتنا"
ابتلع لعابه وقال: "لن تتكرر سيدي"
اقترب منه أكثر وسأله بخطورة : "وماذا أيضًا ياسر؟"
أومأ بينما يرد: "وسأعلم مردود الأمر على سمعتنا"
ناول الكأس لأحد العمال الواقفين خلفه قبل أن يتنهد قائلًا: "أشك بهذا لكن لا بأس سأمنحك فرصة أتعلم لماذا؟"
هز رأسه بنفي فتحرك بينما يرد: "لأنك ذكي وتتعلم بسرعة ياسر وأنا أحب الأذكياء"
ابتسم بينما يستمع لتنهيدة الراحة التي وصلت لمسمعه.. لكنه أكمل طريقه للمطبخ وتفقد عمل الطهاه والثلاجات والطعام المخزن قبل أن يتوجه لمكتبه.
-:"سيدي"
التفت ينظر لياسر وهو يعبث بمفاتيحه ويرد: "إن كانت هناك أي مشكلة أطلب منهم تحضير قهوة لي وتعالى لنتناقش بمكتبي فأنا سأبقى لساعة وبعدها أغادر"
هز رأسه بنفي وقال: "لا توجد أي مشكلة الحمدلله.. لكن هناك سيدة ترافق رجلًا كبيرًا أتت صباحًا وطلبت مقابلتك وعندما سألتها من تكون أخبرتني أن اسمها لمياء وأنها تريدك بموضوع هام"
تنهد بضيق وتذكر الموعد الذي حدده مع والدها وهو لا يصدق أنه نسيه بالفعل.. نظر لساعته وأغمض عينيه وهو يلعن بهمس ما أن أدرك أنه تأخر عليهما ساعة ونصف.. والأسوأ أنه نسي شحن هاتفه قبل خروجه فلابد أنها اتصلت أكثر من مرة لتجده مغلقًا وتخيلت أنه يتقصد تجاهلها.. عاد ينظر لياسر الذي أكمل بحرج: "حاولت ثنيها عن البقاء بمكتبك لكنها أصرت وافتعلت مشكلة و..."
-:"لا بأس ياسر.. أطلب منهم إحضار قهوتي وحسب"
قاطعه بقوله قبل أن يلتفت ويتحرك نحو المكتب.. وما أن وقف أمامه تنفس بعمق وارتسمت الجدية على ملامحه قبل أن يدير المقبض ويدخل.. تنهد مستعينا بأكبر قدر من الصبر بينما يدخل للغرفة ليواجه ذات الشعر الداكن الطويل التي نظرت له بحاجبها المرفوع بتهكم.. فابنة الحسب والنسب لا تحب أن يتأخر عليها أي شخص.
ابتسم بسخرية بينما يصحح لنفسه فهي خدعته بكلامها عن أنها ابنة عائلة مرموقة لكنها تفضل العيش وحيدة وهو قرر مجاراتها في كذبتها.. تلك الفتاة الخرقاء المتعجرفة لا تحب أن يتأخر أي أحد عن ملاقاتها.. وتعتبرها إهانة لمقامها العالي الموجود برأسها وحسب.. ورغم حنقه من وجودها إلا أنه اضطر لتجاهلها فقط لأجل والدها.. لولاه ما كان التقاها مرة أخرى فهو لا يريد رؤيتها بعد أن تزوجته دون إخبار عائلتها.. متعللة أنها لا تأخذ رأيهم بحياتها الشخصية.. ورغم أن هذا ضايقه إلا أنه لم يعقب فقد كان واضحا معها بما يريده.. كما كانت هي واضحة معه بما تحتاجه.. منزل ومبلغ ثابت يمنحه إياها مع بعض الهدايا إن كان كريما كما سمعت على حد زعمها.. لكنها تخطت كل الحدود بمسألة النفقات تلك فهو كريم لكنه ليس أحمقا.. لذا كان الحل هو الانفصال وعندها بدأت المشاكل.. فقد اتصلت بوالدها وأخبرته أنه أجبرها والكثير من الافتراءات.. لكنه لم يكترث وانتظر لحين الحديث مع والدها الذي وعلى عكس تخيله كان رجلا طيبا.. وأخبره بوضوح أنه يعلم كذب ابنته لكنه مجبر على الوقوف بصفها لذا على الأقل يجب أن يجلسوا ويتحدثوا وحدد معه الموعد لليوم.
نظرت لمياء لساعتها قبل أن تعاود النظر له وهي تقول: "هل تخالنا شاغرين اليوم فقط لمعاليك سيد سعد؟"
تنهد وارتاح بمقعده ورد بصلفه المعتاد: "بصراحة لقد نسيت أمرك تماما"
شهقت بعنف ثم نهضت وبدأت بالصراخ بطريقتها الطفولية بينما تضرب ساقها بالأرض وهو لم يعقب.. فقط تنهد بعمق وأخرج دفتر شيكاته ليخط بتوقيعه على أحد الأوراق قبل أن يلتفت لوالدها ويعطيه له قائلا: "تفضل"
نظر للورقة ثم له وسأله: "ما هذا يا بني؟"
رد بسخرية: "إنه مبلغ لابنتك لتبدأ حياة جديدة بدل تلك التي أفسدتها"
اتسعت عينا الرجل وبدا مصدومًا وهذا جعله يتيقن من شعوره تجاهه.. نظر للمياء ثم عاود النظر له قائلًا: "لكن ظننت أننا سنتحدث بمحاولة إصلاح الأمور و..."
:"لا داعي لهذا"
كانت تلك جملة لمياء التي قالتها بينما تأخذ تلك الورقة منه.. وما أن التفت لها وجدها تنظر للرقم الذي أخرس حركاتها الطفولية.. ثم نظرت له وابتسمت تكمل: "بهذا نكون أحباب سعد"
ضحك بخفوت قبل أن يرد بقسوة: "أنا لا أريد أن تمثلي لي أي شيء لمياء"
اختفت ابتسامته تدريجيًا وهو يكمل: "لولا والدك ما كنت منحتك أي شيء فقد نلت بالفعل الكثير مني.. لكن لأجل ألا تتعبيه وتحرجيه أكثر.. مع هذا هو مسجل باسم والدك لا أنتِ"
ضحكت بسخرية قبل أن تقول: "لا يوجد فارق كبير"
ثم التفتت لوالدها وقالت: "لنذهب أبي"
وبالفعل حملت حقيبتها وغادرت وما أن فعلت بقي والدها يحدق بأثرها قبل أن يخفض رأسه ويتنهد بتعب وما كاد ينهض عاجله بالقول: "سيمثل فارقا كبيرا"
التفت له فأكمل: "هذا المال سيمثل الكثير إن أنت أجدت استخدامه سيدي"
انعقد حاجبيه بعدم فهم فاقترب سعد من المكتب وأردف مفسرا: "اسمعني سيدي ابنتك حاولت خداعي لأجل المال.. ومما فهمته منك وما علمته أنها لم تكن المرة الأولى ولن تكون الأخيرة وطريقة كهذا نهايته مؤلمة.. إلا إذا تمكنت من تحجيمها وأنت تمتلك الفرصة الآن لذا لا تضيعها"
بدا على الرجل الخوف لثوانٍ وقد تهدل كتفيه وسرحت عيناه بالفراغ فعلم أنه بتلك الثواني تخيل كل الأمور السيئة التي قد تلحق بابنته بسبب تهورها وطمعها..
-:"أبي.."
التفت لها وهي تكمل بحدة: "لم لازلت جالسًا أبي.. لنغادر"
ثم ألقت على سعد نظرة أخيرة قبل أن تتحرك مبتعدة وباللحظة التالية نهض والدها ونظر له قائلًا: "كنت أتمنى أن تطول معرفتنا بني.."
نهض وصافحه بينما يرد: "تشرفت بمعرفتك يا عم رزق.. وإن احتجت أي شيء رقمي معك"
ربت على يده المصافحة له ثم التفت وغادر وما أن ابتعد تنهد براحة ثم جلس بإرهاق وهو ينظر للسقف مفكرًا أنه على الأقل تخلص من ألم الرأس الذي كانت تسببه له.. ابتسم بخبث بعدها وهو يلتفت ناظرًا لصورة ريناد قبل أن يهمس: "وقد حرضت والدها على تقويمها عقابًا على استغلالها لي وله.. ألست ذكيًا يا حبيبة والدك؟!"
*****
بعد أن استيقظت وتناولت الفطور مع والدتها وأنهت أعمال المنزل عادت لغرفتها مجددًا تقلب بالأغراض التي اشترتها.. ابتسمت وهي تخرج العباءة السوداء بوشاحها الطويل الذي اشترتها لوالدتها بمناسبة عيد الأم وقررت أن تخفيها بأحد الأرفف حتى تكون مفاجأة.. قبل أن تلتفت للأغراض الأخرى وتبتسم بتلقائية وهي تمسكها بحرص رغم وجودها بأكياس مغلفة كانت سعيدة بها لدرجة أنها كلما فتحت الخزانة لابد أن تتأملها لخمس دقائق.. تنهدت براحة وهي تحمد الله أنها قابلت ذلك الرجل أثناء نزولها.. فقد كانت تريد شراء تلك القطع قبل نفاذها.. ورغم أنها ترهبه وتخافه ولا تتمنى رؤيته ولو صدفة.. إلا أن عليها الاعتراف أنه ساعدها دون أن يشعر حتى.. هزت رأسها بعنف متجنبة الخوض في التفكير به مجددًا بذات اللحظة سمعت صوت طرقة على باب الغرفة ووالدتها تقول: "نوارة لقد نفذ الدواء هلا خرجتٍ لشرائه لي؟"
-:"حاضر أمي"
قالتها بينما تتحرك لمشجب الملابس ثم سحبت العباءة والوشاح وارتدتهما سريعًا وغادرت الغرفة.. أخذت العلبة التي تركتها لها والدتها على الطاولة الصغيرة التي تتوسط الصالة الرئيسية لأنها لا تستطيع نطق اسم الدواء قبل أن تسألها: "هل تريدين شيئًا آخر أمي؟"
تحركت بينما تستمع لوالدتها ترد من خلفها: "لا تتأخري يا نوارة"
فتحت الباب وهي تقول: "سأذهب للسوق أيضًا و..."
توقف لسانها عن الحركة ما أن رأت الواقف أمامها.. تجمدت بمكانها وشعور خانق بالضيق والخوف ملأ صدرها حتى جعلها غير قادرة على التنفس.. وباللحظة التي فتح بها ذراعيه وقال شيئا لم تحاول تفسيره التفتت تركض نحو والدتها بغرفتها.. وما أن رأت وجهها الشاحب اقتربت منها وقبل أن تسأل همست: "إنه بالخارج... أبي... إنه بالخارج!"
ودون حرف إضافي نهضت والدتها وخرجت.. بالبداية كانت مصدومة لكن سرعان ما أصبحت تنظر بمقت وكره للواقف أمامها.. كان هزيلا وضعيفا واللون الأبيض غزا لحيته وشعره.. بينما عيناه باهتتان من فرط تعاطي المخدرات: "فلتي كيف حالك؟"
ما أن قال تلك الجملة قالت بحدة: "استحي يا ابن سنية.. ولا تنسى اني لم أعد زوجتك!"
ابتسم بسخرية ورد: "على راحتك يا أم أولادي.. على كل أنا لم آتي لأجلك.. أتيت لرؤية ابنتي الصغيرة"
كانت مرتعبة وتشعر أن ساقيها لن تتحمل أن تقف أمامه أكثر.. لكن والدتها وقفت أمامها وقالت بحزم: "هي ليست ابنتك انها ابنتي أنا.. أنا من ربيتها وعلمتها.. أنا من ضاعت صحتها لأجلها هي وأخوتها.. أين كنت أنت وقتها يا ابن سنية؟.. تعبث بمكان لا نعرفه ولا نريد معرفته ولا معرفة أي شيء عنك.."
بدا وكأنه لم يسمع أي كلمة قالتها أو تجاهل ما لم يعجبه وببساطة فتح ذراعيه ورد: "وها أنا قادم الآن لأطلب السماح"
ضحكت والدتها باستهزاء وقالت: "وسماحك هذه المرة عمره ستون أم خمسون عامًا.. من أي بلد.. خليجي أم أفريقي.. وكم ابن بعمر ابنتي الكبيرة وربما أكبر يملك؟.. أخبرني يا شيخ الرجال حتى أطلق الزغاريد كما تفعل نساؤك!"
اختفت الابتسامة عندها من على وجهه بذات اللحظة التي دخل أنور البيت الذي على ما يبدو سمع صوت والدته العالي.. وتوجه نحوه قائلا: "ماذا تفعل أنت هنا؟"
وضع يده على كتفه بينما يسأله: "كيف حالك بني؟"
أبعد أنور يده بحدة ورد: "أنا لستُ ابنك يا هذا ورد على سؤالي"
:"أتى ليفعل ما عجز عن فعله مع زهرة"
نظر لها أنور ثم لنوارة التي كانت ترتجف برعب قبل أن تجد أنور يقول: "اذهبي وابقي بمنزل المعلم حتى آتي وآخذك"
ولم تنتظر لسماع الجدال وبالفعل خرجت ركضًا من البيت الى منزل أمير.. كانت تصعد السلم بسرعة وما أن وصلت أخذت تطرق الباب بلا توقف إلى أن فتح أمير وقبل أن يسأل قالت: "إنه بالأسفل.. أبي وأنور يتشاجران"
**

كانت تجلس بالنادي وهي تتصفح أحد المواقع وتفكر بما عليها شرائه أولًا.. لكنها فجأة وجدت كرسيًا يسحب بجوارها فالتفتت لتجد أريج.. تأففت بضيق وملل وهي تقول: "ألن تتوقفي عن حركاتك تلك يا هذه!"
ابتسمت وردت: "عندما تتوقفين أنتِ عن النذالة يا حبيبة قلبي.. يا ابنة العم رزق مصلح الأحذية"
أسرعت لمياء بوضع يدها على فمها وهي تقول سريعًا: "اصمتي.. هل أنتِ مجنونة؟!"
تلفتت تنظر حولها لتتأكد أن أحدًا لم يسمع كلامها قبل أن تعاود النظر لها وترد: "ماذا تريدين أريج؟!"
سحبت يديها وأمسكت بهما تتفحصهما لثانية قبل أن تسحبها لمياء وهي تكمل: "ما خطبك يا امرأة؟"
ردت: "كان هذا أول ما أود التأكد منه يا حبيبة قلبي.. أردت معرفة إن كانت العصفورة محقة بكلامها أم لا"
ابتسمت بسخافة وقالت: "لن تكذب عليكَ العصفورة بالتأكيد فربما تبتلعيها عقابًا لهذا"
ثم وضعت إصبعها بين أسنانها وسحبتها بقوة علامة للبخل وهي تكمل: "فهي تعلم أن الفأر يدخل منزلكم ويتشهد"
ضحكت أريج باستهزاء وردت: "هذا ليس موضوعنا"
تأففت وسألت: "ماذا تريدين لتعتقيني من رؤية وجهك الداعي للتفاؤل"
حركت ذراعيها وردت: "أريد جزءًا مما حصلتِ عليه أو..."
:"لا داعي سأعطيك جزءًا"
قاطعتها لمياء بحدة وهي تنظر لها بقرف لكن هذا لم يمنع الحيرة عن أريج وسألتها: "هل تتحدثين بجدية؟!.. أعني.. بهذه البساطة؟!"
ابتسمت وقالت: "إن كنت أنا نذلة فأنت حقيرة يا ابنة عزيز وبالتأكيد ستهدديني لأمتثل وأنا لا وقت لدي لأضيعه معك"
هزت رأسها بلا مبالاة وردت: "أنتِ ترينها حقارة وأنا أراه حقي.. فلا تنسي أني أنا السبب في معرفتك بسعد يا حبيبة قلبي"
تنهدت بملل قبل أن تقول: "لا أكترث لكل هذا"
ثم نظرت لساعتها ونهضت وهي تكمل: "سأصرف المال اليوم بعدها أتصل بك لتأتي وتأخذيه"
ابتسمت وهي تنهض وترد: "ولم لا يا حبيبة قلبي.. كما أني أعرف أين أجدك إن احتجتك"
عادت لمياء تتأفف قبل أن تتحرك متجاهلة إياها.
*****
كانت أصالة قد أعدت لها كوبًا من العصير وحرصت على إبقائها بعيدًا عن الشرفة والنوافذ.. حتى لا تفكر بالنظر للخارج خوفًا من حدوث أي شيء يدفعها للنزول.. فقد كانت تلك تعليمات أمير الصارمة بألا تسمح لها بالنزول مهما حدث.. بقيتا جالستين وهي تحاول طمئنتها ورغم فضولها لمعرفة قصة ذلك الوالد الذي ظهر فجأة إلا أنها آثرت الصمت.. فطيلة الفترة التي عرفت بها نوارة لم تكن حزينة أبدا بهذا الشكل.. وأيضًا لم تذكر والدها ولو مرة فافترضت أنه ميت وحسب.. وفضلت ألا تؤذيها وتؤذي نفسها بالسؤال فقد كانت قد فقدت والدها قبل فترة وجيزة فقط والحديث عن الأمر كان يؤلمها.
بقيت تطالعها بحزن وهي ساهمة كأنها بملكوت آخر دون أن تملك ما تفعله.. فقد كان دور الفتاة المرحة التي تجبر الجميع على الضحك لنوارة فقط.
طرق الباب عندها فانتفضت بينما أصالة ربتت على ذراعها وهي تقول: "لا تخافي"
تحركت نحو الباب بعدها ونظرت للعين السحرية لتجده أنور.. ففتحت لتجد وجهه يبدو عليه الضيق والغضب ثم قال: "عذرا على الازعاج سيدتي أريد نوارة"
وقبل أن ترد وجدتها تندفع من الداخل وترتمي بحضنه وهو يربت عليها ويهمس أن كل شيء بخير وعلى ما يرام وأنه حل الأمر.. بعدها التفتا لها وقد كانت نوارة تبكي بشدة وبعد أن شكرها أخذها وغادر.
**

صفعت باب السيارة بعنف ما أن نزلت منها قبل أن تتحرك بعصبية نحو ورشة والدها الذي كان يجلس كالعادة أمام المكينة التي يستخدمها لتصليح الأحذية.. وقفت أمامه بحنق وهي تقول: "ماذا تعني بكلامك أبي؟!"
رفع عينيه لها ثم عاود الاهتما بعمله مجددًا وهو يتنهد ويرد: "ما سمعته على الهاتف لمياء"
انعقد حاجباها بشدة وقد أصابها الذهول الذي دفعها للسؤال: "أتعني أنك لا تمزح معي؟!"
نظر لها لثانية قبل أن يهز رأسه بالنفي.. وعندها لم تتمالك أعصابها واقتربت تضرب الماكينة الغبية التي لطالما كرهتها وهي تهتف: "لكنه مالي!"
نظر لها ورد ببساطة: "لا هو ليس مالك.. إنه مال السيد سعد وقد كتبه باسمي.. مما يعني أنه مالي أنا الآن وأفعل به ما يحلو لي"
حركت يديها بعصبية وهي تهتف: "سعد منحك إياه لتعطيه لي.. أنت لم تفعل شيئًا لتستحقه!"
ارتفع حاجباه وسألها بذات الهدوء: "وماذا فعلتِ أنتِ لتستحقيه؟"
ألجمها لثانية قبل أن تعاود ضرب الماكينة مجددًا وهي ترد: "أنا سأعرف كيف آخذه منك!"
ثم التفتت وغادرت بغضب نحو سيارتها.. وما أن فعلت ملأت الدموع عيني رزق وهو ينظر بأثرها بحزن هامسًا: "يارب أنا لم أربيها على هذا!"
*****
لم يكد يدخل المنزل إلا ووجدها تخرج من غرفتها وتتجه نحوه.. وقبل أن تبدأ بالكلام قال: "لا تبدأي بإيلام رأسي بأسئلتك.. سأخبرك كل شيء"
عقدت ذراعيها وتبعته بينما يجلس على الأريكة.. وبالطبع لم تكترث لحديثه وبدأت بطرح الأسئلة فورًا: "هل والدها حيٌ فعلًا.. ولِم لم أره قبلًا.. ولم كانت خائفة منه بهذا الشكل؟"
تنهد أمير وهو يهمس: "لا فائدة!"
ثم التفت لها قائلًا: "أجل هو والدها بالفعل.. ولم تذكره لأن والدتها منذ زمن طلبت منها هي وإخوتها ألا يأتوا على ذكره.. وتخاف منه لأنه لن يأتي إلا وبذيله مصائب هي وعائلتها بغنى عنها.. هل فهمتِ شيئًا؟"
كان فمها مفتوح بعض الشيء بينما تحدق به ببلاهة قبل أن ترد: "لم أفهم سوى أنه رجلٌ سيئ"
أمسك رأسها عندها وحركها للأمام بعنف بينما يقول: "لهذا أخبرتك أن تتركيني ألتقط أنفاسي لأخبرك ما أن أشرب كوب الشاي!"
أبعدت رأسها عن يده ولكزته في ذراعه وهي تهتف: "يدك ثقيلة يا أمير"
ضحك بخفوت قبل أن يقرب رأسها ويطبع قبلة على جبهتها لتهدأ.. ثم طبع عدة قبلات سريعة على جميع أنحاء وجهها بينما كانت تضحك قائلة: "كفى أمير"
ضحك ثم نهض قائلًا: "حضري كوب الشاي وأنا سأبدل ثيابي وأخبرك قبل أن أذهب"
وما أن تحرك نهضت هي الأخرى لتعد ما طلبه.

****
بعد مرور ساعات
كانت تجلس على فراشها منذ أعادها أنور للمنزل.. هي فقط اطمأنت على والدتها التي كانت بعالم آخر ثم دخلت الغرفة ولم تخرج.. كانت شقيقتها قد أتت للاطمئنان عليهم لكنها لم تخرج لتلتقيها فقد كانت بحالة يرثى لها لتتحدث لأي شخص.. لكن ولأن الغرفة ملاصقة للصالة الرئيسية استمعت لحديثهم بوضوح..
-:"ماذا تقولين أمي؟!"
ردت والدتها بثبات: "ما سمعته زهرة.. أخبري حماتك أني موافقة على ذلك الخاطب الذي أخبرتني عنه"
انعقد حاجبي زهرة وقالت: "لكن أمي أنت رفضته لأن والدته امرأة سيئة والجميع يشتكي مما تفعله.. أتذكر قولك بالنص أن نوارة لن تتحمل البقاء مع امرأة كتلك وأن..."
-:"أعلم تماما ما قلته زهرة وقتها"
قاطعتها والدتها قبل أن تكمل بهدوء: "وأدرك تمامًا ما أقوله الآن.. عناء امرأة سيئة خير من التعامل مع عائلة والدك"
أطرقت وتنهدت تردف بحزن: "على الأقل ستكون بجواري"
كانت تستمع كل هذا وهي مضطجعة بفراشها.. ورغم أنها تشعر بالأسى أن تكون تلك هي نهاية أحلامها بالزواج إلا أنها لم تكن تملك حلا آخر.. ولم تكن لتلوم والدتها على محاولتها الحفاظ عليها.. فعداها هي وإخوتها بهذا العالم لا تملك أحدًا وستفعل أي شيء لتحميهم حتى إن كان دون رغبتهم..
-:"ألم يخبرك ما الذي يريده؟"
سألت زهرة بأسى على أمل أن تجد إجابة غير التي تحفظها هي وزهرة عن ظهر قلب.. لكن خاب أملها عندما ردت والدتها: "لذات السبب الذي حضر لأجله قبل سنوات"
****

زهرة ربيع عمري - الجزء الثاني من سلسلة وللعمر بقية - مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن