في صباح اليوم التالي عاد أنور للمشفى مطأطئ الرأس فهو لم يعثر على أي أحد يدله على مكان ذاك الرجل.. بحث قدر ما استطاع من الوقت وما أن تأكد من مرور أربعة وعشرين ساعة قرر أن يتحدث للمحامي ليرافقه للقسم.. لكنه اكتشف أنه نسي هاتفه وبطاقة تحقيق الشخصية بالمشفى.. فاضطر للعودة ليأخذهم.
ما أن وصل للغرفة وجد زهرة تتحرك نحوها وهي تحمل زجاجات مياه وبعض أكياس البسكويت فناداها: "زهرة"
التفتت وابتسمت فورًا وهي تقول: "ها أنت ذا.. أين كنت أرعبتني!"
استغرب حالتها التي تبدلت من البكاء والحزن للبهجة التي يراها على وجهها.. لكنه كان مرهق ولم يفكر كثيرًا ورد: "كنت أبحث عن نوارة.. سأذهب للمركز و..."
-:"نوارة عادت"
قاطعته زهرة ليثبت هو مكانه بينما يسألها: "ما الذي تتحدثين عنه؟"
ردت: "إنها مع أمي منذ المساء.. لقد أحضرها المعلم سعد"
تحرك نحو القسم الذي توجد به والدته.. وما أن دخل توقف وهو يرى نوارة تنام على صدر والدته التي تحتضنها وتربت على رأسها.. وما أن رأته ابتسمت وقالت: "أين كنت بني؟"
فتحت نوارة عينيها وابتسمت له.. ثم نهضت واتجهت نحوه فاحتضنها فورًا وهو لا يصدق أنها هنا بالفعل.. وما أن أبعدها احتوى وجنتيها وهو يبتسم ويهمس: "أنتِ هنا بالفعل"
تخصرت كعادتها وردت: "وأين سأكون يا هذا وأين التسالي؟. ظننتك ذهبت لتشتريها لي من المحل البعيد"
ضحك بشدة قبل أن يحتضنها مجددًا وهو يقول: "سأشتري لك كل ما تشتهينه"
ضحكت زهرة ووضعت زجاجات المياه بجوار والدتها وقالت: "سأغادر أنا أمي لأحضر ما طلبته"
أوقفها أنور يرد: "انتظري.. سأحضر شيئًا حلوًا لنحتفل وخذي منه للأولاد معكِ"
ضحكت وقالت: "لا تقلق سنتناول الكثير منه في المساء"
ثم تحركت وغادرت فورًا.. فنظر لوالدته وسألها: "عن ماذا تتحدث؟"
خفتت ابتسامة نوارة تدريجيًا والتفتت لوالدتها التي ردت بدلًا عنها: "نوارة ستتزوج المعلم سعد في المساء"
****
كانت تجلس محدقة بالفراغ بغرفتها التي احترقت.. لم يكتفوا بأن أعادوها وضربوها وأهانوها فقط.. بل إنهم حصلوا على المال الذي كان ثمنه دخول نوارة السجن.. تتمنى فقط أن يكون صاحب البيت رحيمًا بها.. ورغم خوفها بسبب اعترافها بكل ما حدث لعمها ووالدها من شدة ما تعرضت له منهم إلا أنها لم تكن خائفة عليها منهم.. فهم لن يتجرؤوا على التعرض لها خوفًا من اقترابهم من الشرطة ولو قيد أنملة.
نهضت عندها تنظر للمرآة.. كانت الكدمات تملأ وجهها وشفتيها ملطختان بالدماء المتجلطة.. وذراعيها أيضًا.. لم يكن كل هذا يؤلمها.. ما كان يؤلمها حقًا أن فرصتها بالنجاة تبخرت.. لكن حتى هذا لم يعد يؤلمها كما كان قبل قليل.
بتلك اللحظة كانت غاضبة.. غاضبة من كل شيء ومن جميع من ساقوها لهذا القدر.. ستنتقم.. لأجل كل مرة بكت.. ولأجل كل مرة اضطرت بها لتحمل ضرب والدها وما يفعله بها.. ستدفعهم جميعًا الثمن في يوم ليس ببعيد!
*****
استيقظت على صوت جرس الباب فنهضت بصعوبة من الفراش وهي تنظر للساعة التي تجاوزت الواحدة بعد الظهر.. لم تستغرب كونها نامت كل هذا الوقت قبل أن يعود الطرق مجددًا.. فاضطرت للنهوض لتفتحه وما أن فعلت وجدت أريج تقابلها.. مطت شفتيها وتركت الباب مفتوحا لتدخل.. وما أن فعلت سألتها: "لم لا تردين لمياء.. أم أنك غيرت رأيك؟"
التقطت علبة السجائر خاصتها وأخرجت واحدة وأشعلتها ثم استلقت على الأريكة وهي ترد: "لقد خدعني.. مجددا خدعني أريج!"
جلست على المقعد القريب منها وقد فهمت من تعني وردت: "قبل أن اسمع ما فعله بك بالتفصيل.. دعيني أخبرك أنه سيتزوج اليوم وربما الآن يتم عقد قرانه"
نظرت لها ثم ابتسمت بسخرية قائلة: "إنه المتوقع منه.. لقد أقنع والدي بالاحتفاظ بالنقود لنفسه.. والآن سيقضي شهر عسل مع امرأة جديدة"
ودون الالتفات لصدمة أريج التفتت تنظر للسقف وهي تنوي محاولة التفاهم مع والدها.. أما سعد في تملك هدية لأجله.. هدية زواج!
أنت تقرأ
زهرة ربيع عمري - الجزء الثاني من سلسلة وللعمر بقية - مكتملة
Romanceعندما وجدتك شعرت أن روحي تهفو لتوأمها.. فدعي اللوم جانبًا وانظري لعيني الثكلى.. واسمعي صوت خافقي واشعري بنبضاته الونى.. فخلف تلك الواجهة يوجد ما أنا عليه حقا.. ***