زهرة ربيع عمري الجزء الثاني من سلسلة وللعمر بقية-الفصل الخامس

401 23 0
                                    

كل ما تذكره أنها بقيت تركض دون توقف تتبع عبير.. إلى أن وجدتها تدخل بإحدى الشوارع الجانبية وتدخل بيتًا بباحة واسعة.. عندها توقفت واتكأت على ركبتيها وهي تحاول التقاط أنفاسها بصعوبة وهي تقول: "ماذا... ماذا الآن؟"
أخرجت عبير كيسًا بلاستيكيًا بلون أسود من خلف إحدى صناديق القمامة واقتربت منها وهي ترد: "الآن نبدل ثيابنا وننتهز فرصة انشغالهم بمداواة ذاك الخنزير ونبتعد عن المكان قدر الإمكان"
نظرت نوارة للكيس وتلفتت حولها وهي تسأل: "أين من المفترض أن نبدل ثيابنا؟"
أشارت باتجاه الدرج وردت: "هناك بقعة مظلمة ومخفية أسفل الدرج.. أسرعي وبدلي ثيابك بها وأنا سأراقب الطريق"
ترددت نوارة لثانية وقد شعرت عبير بهذا فدفعتها تكمل: "هيا الآن لا تتلكئي لا نملك وقتًا.. وإن رآنا أحد السكان سنقع بمشكلة!"
عندها لم تملك حلًا آخر وتحركت تنفذ ما طلبته.. وما أن انتهت تبادلت الأدوار مع عبير وما هي إلا دقائق كانتا قد بدلتا فساتين الزفاف بثياب مريحة بلون أسود باهت وهي وضعت وشاحًا حول شعرها بينما رفعت عبير قنسوة سترتها على شعرها وأخفته أسفلها.. وضعت الفساتين بذات الكيس وأعادته لذات المكان قبل أن تمسك يدها وتركضان دون أن تعلم إلى أين ستذهبان.
****
بعد خروجهما للشارع الرئيسي استقلتا إحدى وسائل المواصلات وتوجهتا لأحد الشوارع العامة المكتظة بالناس.. سارتا بصمت إلى أن وجدوا قهوة قديمة..
بحثتا عن طاولة بعيدة عن الأنظار وجلستا عليها..
كانت لا تزال تعاني بتصديق ما حدث بينما تسألها: "لم نحن هنا.. لم لا نذهب لبيت عائلتي؟!"
كانت عبير تتجرع زجاجة مياه وما أن انتهت التقطت أنفاسها وهي ترد: "لأنه أول مكان سيبحث عنك به"
فكرت نوارة قليلًا قبل أن تستشعر أنها على حق.. فاتكأت برأسها على يدها لكنها عجزت عن العثور على إجابة لسؤالها فوجهته لها: "وماذا سنفعل هل سنبقى هكذا دون مأوى؟"
التفتت عبير لصبي القهوة وطلبت منه كوبين من الشاي ثم اتكئت على المنضدة وتنهدت ترد: "اسمعي لقد اخبرتك أني سأساعدك وبالمقابل ستكونين مدينة لي"
أومأت لها قبل أن تنتبه لها بالكامل وتسألها: "لم تخبريني كيف خرجنا من هناك؟"
ردت عبير: "هذا ليس موضوعنا الآن نوارة"
أتى صبي القهوة ووضع كوبي الشاي أمامهما فقطعتا الحديث.. وما أن ابتعد عادت عبير تتكئ على الطاولة وتقول بخفوت: "لقد سمعت أنك كنت تخدمين ببعض المنازل"
أومأت لها فظهر شبح ابتسامة على شفتيها قبل أن تكمل: "أريدك ان تعتصري ذاكرتك وتخبريني عن بيت بينهم مليء بالتحف أو النقود والمجوهرات وبذات الوقت لا يقيم أهله به كثيرًا"
انعقد حاجبي نوارة وسألتها: "لماذا؟!"
تلفتت عبير حولها قبل أن ترد بخفوت: "ولم برأيك يا ذكية.. لأننا سنسرقه"
شهقت نوارة بعنف وقبل أن تنهض سحبتها عبير وهي تشير بعينيها حولها ففهمت أنها لا يجب أن تثير فضول المحيطين بها أو تلفت نظرهم.. لكن هذا لم يكبح غضبها فاقتربت وهمست: "هل تخالينني سارقة يا هذه؟!"
-:"وهل تخالين عمي أحمق حتى لا يتبعك لبيت والدتك ويحيل لياليكِ جحيما يا هذه؟!"
ألجمتها بجملتها تلك وجعلتها عاجزة عن الرد أو قول أي شيء.. فهي لا تريد التسبب بمشاكل لعائلتها.. لكن لن تسرق بالتأكيد.. لم تمتد يدها على شيء ليس ملكها من قبل.. وقد قرأت عبير كل هذا بعينيها فهي لم تكن أفضل حالًا منها.. لذا اقتربت منها بالمقعد ونظرت للطاولة لثانية تستجمع كل رباطة جأشها فهي ماضية بهذا أيًا كان الثمن.. ولن تتوانى أو تتراجع حتى لو كانت نتيجته دخولها للسجن فهو أرحم لها من ذاك المصير الذي دفعها والدها نحوه.. لذا نظرت لها وتنهدت تقول: "بالنقود التي سنتحصل عليها سننتقل لمدينة أخرى ونحاول الاحتماء من والدك ووالدي.. وربما تكون النقود كافية لإخراجنا من البلاد بأكملها"
جف حلق نوارة وأصبح حتى التنفس لها صعبًا وكل دفاعاتها تتهاوى واحدًا تلو الآخر.. لكنها تذكرت والدتها فهمست باختناق: "والدتي لن تسامحني لهذا عبير.. لقد ربتني ألا أنظر لغيري أو أحاول السطو على ما ليس لي أبدًا!"
شعرت نوارة أن الفتاة ستبكي لكنها تنفست بعمق وربتت على كفها تقول: "والدتك ستتفهم بالتأكيد فهي تعلم ما بإمكان سميح فعله.. والدك سمسار منذ أكثر من أربعين سنة لا يوجد خرابة إلا وله بها ألف عفريت وإن تلكئنا باتخاذ أي قرار سيعثر علينا لذا تعقلي واستمعي لي.. جنبي أهلك الأذى ودعينا نهرب ومن هناك يمكنك الاتصال بها وطمأنتها عليك.. وأعدك أننا لن نأخذ سوى ما يكفينا ولن نسرق شيئًا يؤذي صاحب البيت"
فكرت لثوانٍ لكن كل الأبواب أوصدت بوجهها.. حتى لو ذهبت للشرطة فهم لن يجنبوها الفضيحة التي أقسم والدها أن تلحق بعائلتها.. عدا عن تهديده بالتبلي عليها وعلى والدتها.. والأسوأ أنها ستعرض عبير للخطر لذا كان الحل الأمثل أن تختفي لفترة فهو لن يتجرأ على مواجهة والدتها بالأمر.. وإن راقب البيت سيعلم أنها ليست به.. التفتت عندها تنظر لعبير التي علمت أنها وافقت بينما تنهدت نوارة وردت: "أنا لم أعمل بأي منزل لا يعيش به أهله"
اقتربت عبير منها وقالت: "فكري بعائلة تسافر أو تكون خارج البيت بوقت كهذا"
بينما تتحدث تذكرت ما حكته لها والدتها عن منزل يملكه المعلم سعد خاوٍ تمامًا.. كانت قد طلبت منها روضة أن تذهب معها بأحد الأيام لتنظيفه وتذكرت أنها أخبرتها أنه يقيم به طيلة الأسبوع عدا الخميس والجمعة يقيم بهما بمنزله القديم.. وأيضًا باليوم التي ذهبت به انتظرتها بقربه لتذهبا معًا للسوق.. عندها التفتت لعبير وسألتها: "اليوم هو الخميس أليس كذلك"
أومأت لها بموافقة فتنفست نوارة بعمق قبل أن تقول: "أنا أعرف بيتًا"
ابتسمت عبير عندها بينما أكملت نوارة بخوف: "لكن ادعي الله ألا يكون صاحبه بداخله فهو لن يرحمنا إن أمسك بنا"

زهرة ربيع عمري - الجزء الثاني من سلسلة وللعمر بقية - مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن