Part 40

16 0 0
                                    

هل يحكي الدمع حكايته بعد أن يلامس الهواء ، هل يسرد قصته للغرباء ؟
وهل يلتقي بمن جمعته بهم بحيرة العين ؟
إن كانت الدموع لا تلتقي بعد الفراق فكيف لنا أن نلتقي يا راين ؟
إن كان الطير يأبى البقاء في موسم الهجرة ، فهل سنبقى نحن يا راين ؟
عندما تسقط الإبرة في القش فلا مجال للعثور إليها إلا إن وخزتك و بعد عناء من البحث الطويل ...
حبنا هو الإبرة يا راين ، و القش هو ماجمعنا مع بعض ، من ذكريات قاسية و ماضي مؤلم ، فمهما بحثنا لن نجدها إلا بعد أن تترك بصمتها علينا ، و حتما سيأتي أحد ليأخذها منا و يرميها في قش أكبر ، هذا إن لم يرميها في المحيط الواسع العميق .
حبنا قصة سرب جاء من الشرق ، و أحب الغرب لكنه في موسم الهجرة رحل إلى الجنوب ...

**************
جلس راين في مكتبه و قد أدار كرسيه للنافذة الزجاجية الكبيرة يراقب زخات المطر في صمت جميل قبل أن يكسره صوت طرق الباب ، دخلت سيدة شقراء بفستان أسود أنيق و حذاء أسود ذو كعب عال ، لحقتها السكرتيرة ماري راكضة قائلة : أسفة سيد راين لكنها ....
قبل أن تكمل جملتها أشار إليها بالإنصراف و إغلاق الباب .وقفت السيدة أمام زجاج النافذة قائلة : يا لجمال العالم عندما تنظر إليه من هذه الزاوية .
ثم إستدارت إليه متسائلة عن أحواله ، أجابها ببرود تام بسؤال أخر :" هل سافرت أكثر من ألف كيلومتر لكي تسأليني عن أحوالي ؟".
نظرت إليه نظرة جادة بعدما اختفت الإبتسامة التي كانت على وجهها ، عدلت ياقتها ثم إتجهت نحو مكتبه حيث كان يجلس ، وضعت حقيبة يدها الصغيرة على المكتب و سحبت كرسيا ثم جلست بوضع الرجل على الأخرى .
- لدينا مهمة لك ، مهمة جديدة .
- بما أنه قد أتيت بنفسك فيبدو أن الأمر مهم .
- و هو كذلك بل و مستعجل . على المهمة أن تكون قد تمت بعد ثمانية و أربعين ساعة .
- يبدو أنني قد فهمت . المعلومات من فضلك .
مدت يدها لحقيبتها ثم أخرجت منها ظرفا  صغيرا أصفر ، و أعطته له قائلة بينما تغلق حقيبتها :"ستجد كل المعلومات هنا ، و المعدات ستجدها في العنوان المذكور ، فقط تذكر أن التنظيف سيكون على عاتقك أيضا ، فالمهمة سرية و لا يعرف بها إلا القليل من الأشخاص النافذين أما أنت فلا يعرف أحد أنك من ستقوم بالمهمة سواي و الرئيس ، فأحرص على أن لا تترك أثرا".
- لا داعي لكي تذكريني كيف أقوم بعملي .
- عملي أن أذكرك يا راين .
وقفت السيدة مستعدة للمغادرة و بينما تضع حقيبتها على كتفها قالت له بحزم : " و من عملي أيضا أن أذكرك أن لهذه المهمة الأولوية ، فأترك ما كنت تبحث عنه لوقت لاحق و لا تشغل رأسك بأشياء أخرى غير ما أوكلناك به ."
- لقد أوصلت رسالتك سيدة كاثرين ، يمكنك المغادرة .
ردت عليه بإبتسامة  خفيفة ثم غادرت ، لتتركه يفتح المغلف ليرى ما هو عمله هذه المرة ، فلم ينجز مهمة من هذا النوع منذ مدة ليست بالقصيرة .
أخرج صورا ، تمعنها بكل جدية فقد كانت تبدو صورا لأهداف معينة ، و أوراقا بها تعليمات و عناوين و أوقاتا معينة . أمضى بعض الوقت في فهم ماجاء في المغلف جيدا و في تدوين الملاحظات و البحث في الإنترنت ثم أخذ المغلف معه و خرج من المكتب متجها لمكتب أدم ، فتح الباب بينما أدم مستغرقا في مراجعة بعض الملفات .
- هل هناك مشكلة ؟
- إحجز لي رحلة في أقرب ساعة الليلة لدريسدن .
- ألمانيا ؟
- نعم ، لدي مهمة في براغ .
- أذن إحجز مباشرة لبراغ .
- يجب أن لا يعرف أحد أنني قد ذهبت لبراغ او انني قد دخلت أصلا للتشيك . لذلك سأدخل بطريقة غير قانونية من ألمانيا . إتصل بصاحبنا في دريسدن لكي يقوم بتجهيز الأمر .
- فهمت ، حسنا . ماذا كانت المهمة هذه المرة .
- الصيد .
- سأتصل بالمنزل لكي يحزموا لك بعض الملابس .
- لن أخذ حقائب ، و لا تخبر أحدا بسفري خارج البلاد .
- أمرك .
خرج راين مستعجلا ، قاد سيارته بنفسه إلى شقته بالمدينة . إستحم و غير ملابسه و أخذ ما يلزمه . بعد أن تأكد من حجز التذكرة ذهب مباشرة للمطار ليتوجه مباشرة إلى دريسدن . هناك إستقبله أحد من معارفه لكي يجهز له العبور إلى التشيك بصفة غير قانونية . و قد حدث ذلك كما حدث من قبله عدة مرات فلم تكن أول مرة يفعل بها ذلك . وصل لمدينة براغ ، إلتقى رجلا كان ينتظره ، أعطاه حقيبة صغيرة بها بطاقة هوية مزورة و مفتاح شقة و ورقة بها عنوان .
ذهب للشقة المذكورة ، التي كانت في بناية بسبعة طوابق في أحد الأحياء المعزولة . كانت هناك حقيبة سوداء عريضة على السرير . أشاح وجهه عنها و دخل للحمام ليستحم .
بمنشفة على خصره و منشفة اخرى يجفف بها شعره المبتل ، جلس أمام الحقيبة الجلدية الصلبة ، و فتحها ليجد سلاحه الصديق الذي غاب عنه طويلا ، بندقية قنص بي جي ام ٣٣٨ . أعاد إغلاق الحقيبة ثم إرتدى ملابسه ، سروال أسود بجيوب و قميص نص كم أسود و جاكيت أسود ، إرتدى نظارته السوداء و قفازاته السوداء الجلدية  ثم أشعل سيجارته قرب النافذة ، يحدث في المارة بفراغ ، بعد دقائق رن الهاتف الذي وجده في الحقيبة الصغيرة ، أطفأ السيجارة و إرتدى قبعة سوداء ، حمل الحقيبة على ظهره و خرج من البيت ليجد سيارة سوداء محلية تنتظره قرب المبنى . ركب فيها و إنطلقت .
لم يكن في السيارة إلا السائق ، مرت قرابة النصف الساعة في صمت سائد ، أوصله قرب  بناية إنشاءات قديمة غير مكتملة .  وضع البندقية في حقيبة سوداء رياضية عادية ثم خرج ليدخل البناية ، صعد للطابق الثامن و الذي كان مجرد ركام إنشاءات و حيطان غير مكتملة ، ركّب البندقية و أخذ موقعه ، وضع عينه في منظار البندقية ليظهر له حشد على بعد ألف متر ، و كان الهدف من بينهم ، شخص في الخمسين من عمره يرتدي بدلة رسمية و يلقي خطابا على حشد من الناس المتجمعين حوله ، كان و كأنه يروج لحملة إنتخابية ، حدّد الهدف و لم يتردد ، بسرعة تفوق الصوت كانت الرصاصة في دماغ الرجل الذي سقط من فوره على الأرض ، تعالت صرخات الحاضرين و أسرعت الشرطة للمكان ، بينما راين كان قد جمع أشيائه و نظف بقايا البارود في المكان ، بحث عن بقايا الرصاصة و أخذها لكي لا يترك له أثرا وراءه .
أسرع في النزول من البناية بسرعة ، ليجد السيارة في إنتظاره ، أعادته لنفس المكان الذي أحضرته منه .
- في منتصف الليل ستأتي السيارة لتأخذك لدريسدن . و سيأتي طاقم التنظيف ليخلي الغرفة بعد مغادرتك .
هز راين برأسه و خرج بعدما ترك الحقيبة في السيارة . صعد لغرفته ، دخل الحمام ليستحم ، و قبل ذلك وضع ملابسه و قفازاته و كل ما كان يرتديه في برميل صغير من حمض النتريك كان قد أعده سابقا  .
بعد إنتهائه من الإستحمام ، أخذ قسطا من الراحة لنصف ساعة ، بعدها خرج بحثا عن شيء يأكله ، إشترى بعض الأكل الجاهز و عاد للبيت . و عند منتصف الليل أتت السيارة ، كان يركبها السائق و راكب أخر معه . بعد برهة صمت قال الراكب : ما كانت مهمتك ؟
رفع راين رأسه و لم يجب .
- نعرف أن هذه الأمور سرية ، و لكن للدردشة فقط .
نظر راين للسائق و قال له : هل هذا الشاب جديد ؟ ألا يعرف القوانين ؟
- لا تهتم به ، إنه لا يعي ما يقول . مع الوقت سيتعلم .
- أتمنى أن لا يتعلم بالطريقة الصعبة .
- كن ...
قبل أن يكمل كلامه ، إنقلبت السيارة بعد أن صدمتها سيارة أخرى من جانب الطريق بشكل مفاجئ ، ضرب راين رأسه بزجاج النافذة و فقد وعيه ، و الأخرين لم يكونا بأحسن حال .

فتح عينيه ليجد نفسه مصلوبا على صليب بشكل إكس و قد غرست مسامير في كفيه لتثبيته للعارضة و قيدت كل قدم على حدى بحبل ، كان جبينه ينزف دما جراء ضربه بزجاج السيارة عند الإصطدام . أحس بالألم الصادر من كفيه ، كاد أن يصرخ لشدة الوجع لكنه كتم صرخته بعدما رأى ذلك الوجه الذي ينظر إليه ، وجه شاب في الثلاثينات و قد علت ملامحه بعض الندوب المتفرقة ، تلك الإبتسامة التي تعلو وجهه تحفر حفرا في صميم راين .
- من أنت ؟ أين أنا !
- دعني أمسح دماء كفيك ،، حرام أن تسقط على الأرض هكذا !
أخرج منديلا من جيبه و بدأ بمسح كفي راين و بالضغط عليهما لحين إصدار الأنين المكتوم .
- أسف ! هل أوجعتك ؟
- ماذا تريد مني ؟
- ماذا أردت أنت من أليكسندر فيتش ؟
- لا أعرفه .
- إذن لماذا قتلته ! هل أنت قاتل مأجور ؟
- ........
- هل أرسلك البلغار ؟ لا تبدو تشيكيا !
-.........
- لا بأس ، أحب أمثالك ، العنيدين ، لأنهم يعطونني الوقت لأستمتع بتعذيبهم . و بعدها يغردون كالببغاء . لا تنظر إلي بتحد فأنت أيضا تعرف أنه لا مخرج لك من هنا . ستموت أو ستموت .
- و تنتظر مني أن أتكلم ؟؟؟
- أجل ، إن تكلمت سأرحمك برصاصة الرحمة و إن عاندت ستموت ببطئ شديد و بوجع شديد ... الأغلبية يختارون رصاصة الرحمة .
- .......
- أتعرف ! بما أنك على وشك الموت تستحق أن تعرف كيف عرفت بأمرك ! و أنت الذي حرصت على محو كل أثارك .. أتريد أن تعرف ؟
- من يكون ؟؟؟
- شخص من جماعتك ، أعتقد أنه متحمس للتخلص منك ، يبدو أنك تزعجه كثيرا .
- من يكون ؟؟
- لا داعي لتعرف من يكون ؟ فلن تستطيع الإنتقام . أردت فقط أن أخفف عنك بمعرفتك أنك لست السبب في ما حصل .
- إن أخبرك بشأني فأنت تعرف كل شيء أصلا ، فلماذا تسأل ! البلغار ؟ لا أشبه التشيكيين ؟؟
- كان سؤالا مخادعا ، لكني لا أعرف كل شيء ، فمصدري لم يخبرني بمن أعطى الأمر لقتل ألكسندر فيتش ، لكنك تعلم .
- لا أعلم أي شيء . أنفذ الأوامر فحسب . صورة و عنوان و بدون أسئلة .
- ربما قد لا تعرف شيئا عن هذا الموضوع لكن قد يكون في حوزتك شيء ينفعني ؟ شيء له فائدة لي .
- أقتلني إن أردت لكن لا تنتظر مني أن أكون واشيا و خائنا .
- سنرى كم سيصمد جسدك و كم سيتحمل ! أراهن أنه بعد ساعتين ستغرد بكل شيء .
- .........
راين علم أنه بورطة شديدة و لن يخرج منها حيا إلا بمعجزة .

وقف الشاب مقابلا لراين و أخرج من جيبه خواتم نحاسية ، وضعها في أصابعه ثم أدار وجه راين بعنف قائلا : مؤسف أن أشوه معالم هذا الوجه الوسيم . كنت قد طلبت كيس ملاكمة من أمازون قبل أيام لكنه لم يصل بعد ، أنت ستفي بالغرض لحين وصوله .
ثم بدأ بلكمه بعنف يمينا و يسارا ، مرة تلوى المرة ، بدأت الدماء تنزف من كل جزء من وجهه ، حاجبيه و أنفه و فمه و خديه  ، مرة تلوى المرة حتى أغمي عليه .

ثمن الإنتقام             بقلم ريانا Riyanaحيث تعيش القصص. اكتشف الآن