الفصل الخامس

336 36 2
                                    

_الفصل الخامس_

ركضت أنفال ترى من الطارق، وتقهقر الأمل على عتبة الباب وهي تراه جارهم الحاج محمود، رحبت به وأخبرته أن والدها استلقى طلبًا لبعض الراحة، تردد في التحدث، لكنه حزم أمره وهو يسأل بصوت خفيض:
- يا بنتي أنا عرفت من أمين الشرطة اللي في القسم إن أفنان متغيبة عن البيت. الموضوع ده حقيقي؟
طأطأت رأسها في حزن بليغ، تنهد الرجل وهو يقول مخففًا عنها:
- خير يا بنتي، أكيد خير إن شاء الله، أنا أقدر أساعد بإيه أمانة يا أنفال يا بنتي؟
- إحنا نفسنا مش عارفين نعمل إيه يا عم محمود، وصدقني ما فيش أقرب منك نلجأ له لو فيه حاجة.
ابتسم لها الرجل مواسيًا، ثم ولاها ظهره وغادر وهو يدعو لأهل البيت بانفراج كربهم وزوال غمتهم. تجهز الحاج صابر وأنفال وعمر للذهاب إلى بيوت أصحاب أفنان، علهم يصلون لشيء أو يجدون خيطًا يمشون عليه. لكن الأمل تسرب من بين أضلعهم رغمًا عنهم حينما عادوا جميعًا خالي الوفاض! رجع كل واحد منهما إلى بيته، بينما غادر الأب دون وجهة، راقبته أنفال من فوق البيت فرأته يسير على غير هدى، يبحث في كل حُفرِ الأرض! العميق منها والسطحي، ينظر تجاه كل البيوت على الجانب الآخر، يطالع السماء، يتلفت يمنى ويسرى، يتحدث إلى نفسه، ثم يعود للبحث في حُفَرِ الأرض...

نزلت أنفال لتتحدث قليلا مع أمها، تشعر أن سرًا ما تحمله الأم وأَهِلَّة، انفردت بأَهِلَّة أولًا، سألت:
- ما تعرفيش أي حد من صحاب أفنان غير اللي رحت لهم النهار ده؟ ناس من على النت مثلا؟ حد اتكلمت معاكِ عليه، أي حاجة ممكن تفيدنا؟
نفت أَهِلَّة كذبًا، تعرف أنفال أنها تكذب، فلقد سمعت حديثهما يوم سجلت ما كانا يتحدثان فيه، وقد كانت أفنان تحكي عن علي الذي أخبرها كونه يرغبها، وكان هناك حديث عن شخص آخر، لم تفهم أنفال ما قيل في أمره بوضوح بسبب انخفاض صوت الفتاتين، كما أن أفنان ليست من النوع الذي يكتم سرًا يخصها أكثر من ساعتين، وبما أنها لم تفضِ لا لأمها ولا لأنفال، إذًا فقد أفضت لأَهِلَّة، لكن ما سبب صمت أَهِلَّة رغم أن هذا الوقت بالتحديد لا يحتمل صمتًا ولا يدعم إخفاء أسرار!

خرجت إلى أمها حينما لم تستطع سحب الحديث عن لسان أَهِلَّة، سألتها بشكل مباشر إن كان هناك ما تُخفيه، وأضافت لسؤالها سريعًا:
- عارفة إنك ممكن تخبي جواكِ حاجات كتير تخصنا بسبب عدم تفاهم بابا، وعارفة كمان إنك ممكن يكون الخيط في إيدك، بس خوفك من رد فعل بابا لما أفنان ترجع موقفك مكانك.

تنهدت بقوة قبل أن تتابع:
- بس يا ماما مهما كان اللي هيعمله بابا فمش هيكون بقسوة الموقف اللي احنا فيه، احنا كلنا بنموت، بنتدمر، الموضوع هيتنسي مع الوقت، لكن بياتها بره البيت أكتر من كده عمره ما هيتنسي.

تعلم يقينًا أنها أصابت هدفًا ما، لكن أين وُضِع تحديدًا فلا تدري، بدأت الأم تتحدث بقلب منفطر:
- أنا يعني هعوز لنفسي التعب والبهدلة؟ أنا لو اللي عندي هيساعد في حاجة كنت قولته، لكن مش هيساعد، هو هيخلي النار تكبر في قلب أبوكِ وبس.
- مش هنقول له حاجة، والله ما هيعرف أي حاجة من اللي هتقوليها، بس قولي لي أنا، يمكن أقدر أتصرف.

أنفال ٢حيث تعيش القصص. اكتشف الآن