الفصل التاسع

358 32 5
                                    

_الفصل التاسع_

جلس الأب بحديقة البيت، بصحبته عمر والحاج محمود والعم صابر الذي بدا التوتر في حركته، قال بعد عناء مع عقله:
- علاء احنا.. احنا المفروض نروح لشيخ بالبت.

صمت الجو دقيقة قبل أن يتحدث الأب مبتسمًا:
- ما تخافش يا صابر  يا خويا، أنا خلاص هقفل على الصفحة دي وهلم عيالي حواليا أعالج أي خلل بيننا، أكيد كان فيه غلط كتير في حياتنا وجه الوقت يتصلح.
تحدث عمر يذكرهم:
- المحضر لازم يتقفل في القسم على فكرة.
أومأ الأب مؤكدًا:
- أنا اتصلت بالظابط وهيستناني بأفنان بعد صلاة العشا إن شاء الله، ربنا يعمل الصالح.
عاود العم صابر قوله عن ضرورة الذهاب لشيخ، فانتبه له عمر، طلب أن يتحدثا لبعض الوقت، وما إن انفرد به حتى سأله عن الأمر وسبب قوله، فرد العم صابر متنهدًا:
- الراجل اللي رحت له وقال على مكان أفنان.. قال إن البنت ما خرجتش بمزاجها...

تريث عمر في الرد قبل أن يسأل مستفسرًا عن ذاك الرجل الذي يتحدث عنه، وكيف عرف أن الفتاة مضرورة دون أن يُجالسها، وكيف عرف أصلًا أنها بحي عين شمس! أيُخفي الحاج صابر عنهم شيئًا أم أن ذاك الرجل يُصاحبه جان بحق ويمكنه فعل ما فعل! لا بد من مشورة علمية وشرعية، وفي مثل تلك الأمور هو لا يلجأ إلا لرجل بعينه، كلمته سيف على عنقه، وحكمه نافذ دون نقاش، وله هيبة غير طبيعية بين الناس، إنه الشيخ عبد الناصر.

قال عمر للعم صابر بعد تفكير عميق:
- نعدي النهار ده وبكره نشوف الموضوع ده، عمي علاء لسه تحت تأثير الصدمة.

أومأ العم صابر مؤكدًا حديث عمر، ثم دخلا حيث أعدت أنفال الطعام، أكلوا جميعًا وشربوا بعض الشاي، وبدأ البيت يخلو من زواره، تحدثت الجدة إلى والد أنفال ترجوه:
- ما تكلمهاش بالله عليك.

ابتسم لها دون رد، وقد حملت ابتسامته بعض الراحة، ربما ليست راحة تامة، ولكن على الأقل أفراد الأسرة مكتملين الآن. أرسل عمر لأنفال كي تأتيه حيث يجلس صحبة والدها. خرجت عليهما والقلق يساورها، التوتر جعل يديها تتعرقان، أمسك بيدها مقربًا إياها منه، ثم تحدث لأبيها يسأله:
- حضرتك زعلان من أنفال ليه بقا؟

- أنا؟ أنا مش زعلان من حد خالص، أنا نسيت كل اللي فات، كل حاجة نسيتها وأنا في دلوقتي وفي الجاي.
قالها الأب بسرعة كأنه يحاول ألا ينسى الحروف، فدفع عمر أنفال برفق مضيفًا:
- طب خلاص سلموا على بعض بقا عشان أتأكد إنه صافي يا لبن.

ابتسم الأب وهو يستقبل ابنته بين ذراعيه، فانهالت باكية وهي تقسم أنها ما كانت تقصد ما حدث، وأنها حاولت مراوغة عمها فقط لتبقى بالبيت، لكن تدخله أفسد الأمر، ربت على ظهرها يعيد على مسمعها:
- أنا خلاص مش عايز حاجة تتفتح من اللي عدى، خلينا ولاد النهار ده.
أومأت على غير اقتناع؛ من يتخطى العتاب واللوم مستحيل أن ينسى!

أنفال ٢حيث تعيش القصص. اكتشف الآن