_الفصل الثامن_
أعلن باب البيت طرقًا هادئًا، ركضت تجاهه على الفور السيدة رزان، فتحته بابتسامة واسعة، وأخيرًا تحيا شعور الأم التي تنتظر عودة ولدها من الخارج، أو شعور الأم المترقبة للدقيقة التي سيحل ابنها عليها ضيفًا، في الحالتين الانتظار ألذ ما يكون. ولج آدم بعد أن ضمته إلى قلبه في اشتياق، جلس وجلست جواره، الابتسامة تعلو ثغرها، بينما يشعر هو ببعض الخجل! لن يتساوى من عاش عمره جوار أمه وتعرف عنه كل كبيرة وصغيرة بمن عاش بعض عمره معها والآخر مغتربًا ثم يعود، لن يكون الاندماج واحدًا، ولن يكون التعامل واحدًا، الأول شخص رأى الحياة بعين أمه، بينما الثاني رأى أمه بعين الحياة.
تحدثت تقطع الصمت كي تروي ظمأ سمعها لنبرته:
- احكي لي عنك يا حبيبي: درست إيه؟ وبتحضر لإيه دلوقتي؟ قلبك مشغول ولا...
قالت نهاية جملتها وهي تغمز بعينها، ضحك وهو يرد مبتهجًا:
- درست هندسة يا ست الحسن، حاليًا أنا مُعيد جامعي، وبحضر للدكتوراة، أما...
غمز بعينه وهو يتابع:
- لا لسه.
ضحكت بدورها وهي تربت على قدمه، وبدأ الحديث بينهما يأخذ مجرى التسابق، كل واحد يعصر دماغه لأجل فتح موضوع جديد قبل أن ينتهي ما يتحدثان فيه، يحاولان إخاطة ثغرة الماضي بمِخْيَطِ الحاضر كي يكون على مقاس المستقبل. خرجت عليهما أنفال تحمل ضيافة من أجل آدم الذي تبسم في وجهها شاكرًا، وقبل أن يتحدث في شيء أعلن الباب قدوم أحدهم، سأل متعجبًا إن كانوا بانتظار أحد، ومع نفيهم قام يرى من الطارق، وجده زوج أمه وصاحبه، تصافح ثلاثتهم ودعاهم للدخول، تحدث نعيم مقدمًا نفسه لآدم الذي رحب به كثيرًا، ومع الحديث عرض نعيم على آدم فرصة عمل لطالما تمناها آدم بعيدًا عن وسائط جده، لم يرفضها، ولم يقبلها كذلك، تحجج بداية بدراسته، وحينما أعلمه نعيم أنه لن يضغط عليه وسيترك له مجالًا كاملًا لدراسته وأنه فقط بحاجة لخبراته ونظرته، وكانت بهجة الأم حينها لا تُقدر بثمن.دخلت غرفتها صحبة زوجها كي يرتاح قليلًا، تحدثت ببعض الخجل المصحوب بالتوتر:
- أنا مش عارفة أشكرك ازاي يا مصطفى على تقبُّلك آدم بالشكل ده.- تشكريني!
اقترب منها ممسكًا بيدها بين يديه، أجلسها قُربه ورفع أنامله يُبعد خصلاتها خلف أذنها، لم يتحدث أيهما، فقط نظراتهما التي تقابلت هي التي وشت بكل ما يحملانه لبعضهما، شعر مصطفى خلال تلك اللحظات أنه عاد ذاك الشاب المراهق، وشعرت رزان أنها ما زالت تلك الفتاة العذراء التي لم تعرف بعد طعم الحياة الزوجية، تخطيا الأربعين بزمن، وبنظرة عادا أولاد العشرين، لم يمهل أيهما الزمن فرصة سرقة المزيد من أعمارهما، بل راحا ينهلان من عبق الأمان والسكينة ما يُمكنهما من عقد ميثاق غليظ بين قلبيهما، عنوان ذاك الميثاق هو الاحترام، وسطوره من أمان، ونقاطه من سكينة، وختامه أن الله لا يُقدر بحياة المرء إلا الخير.بينما خارج تلك الغرفة كان يقف آدم ونعيم بشرفة البيت يتحدثان ويتشاوران في أمور العمل، أدرك نعيم أن آدم لديه من الذكاء ما يشابه أمه، عملي للغاية رغم خبرته المنعدمة في العمل! اجتماعي رغم أن كل معارفه هو يزيد! شغوف بالحياة رغم ركود حياته! هذا الشاب بداخله كل مقومات الحياة وإقباله عليها بشغف ورغبة.
أنت تقرأ
أنفال ٢
Ficción Generalبين هذه السطور المرصوفة كلماتها يكمن جزء كبير من الحقيقة، والبعض الآخر يحمل زيفًا ربما مبالغ فيه، وربما هو أقل بكثير مما حدث في الواقع، المهم أن بعضًا من تفاصيل الحقيقة لا بد وأن تختفي تحت طيات الكذب؛ لئلا تثير بلبلة أصحابها الذين يخشون فضح حقيقتهم،...