الفصل الثاني: نبوءة الأوراق الثلاثة

18 2 0
                                    


انحنت "زاتانا " لجمهورها بعد الإنتهاء من تقديم فقرتها السحرية، وتركت خشبة المسرح التي ضجت بالتصفيق الحاد النابع من استمتاع المشاهدين...

دخلت إلى الكواليس، وأمسكت بمقبض باب غرفتها..ولجت إلى الغرفة، وبمجرد انغلاق الباب، تمتمت "زاتانا " قائلة:

" لزنملا يلإ ! "

في أقل من ثانية، انتقلت "زاتانا " بتأثير تعويذتها ذات الحروف المقلوبة إلى منزلها الخاص...منزل والدها الساحر الراحل "زاتارا"، حيث تعيش وحدها في أمان تام تكفله تعاويذها الدفاعية بالغة القوة...

ترددت طرقات حذائها ذي الكعب العالي بشكل واضح في ردهات المنزل الواسع، و"زاتانا " تخلع ملابسها قطعة قطعة إلى أن وصلت إلى المسبح...

بإشارة سريعة من يدها، قفزت الملابس من على أرضية الردهة، وكأنها امتلكت عقلًا خاصًا لها، وتراقصت سابحًة في الهواء نحو أحواض المغسل..

خلعت "زاتانا " خوذتها وتركتها فوق رف خشبي، فانسدل حولها شعرها الأسود الفاحم، ثم قفزت نحو المسبح واستمتعت بالمياة المفعمة بتعاويذ السحر الأبيض لكي تنزع عنها عناء اليوم الطويل...

أراحت "زاتانا " رأسها على حافة المسبح..تحاول جاهدًة أن تعزل عقلها عما يدور به منذ أيام متواصلة...

تشعر قواها التخاطرية بإختلال سحري عنيف قادم إلى هذا العالم.. إختلال لم تقابله من قبل، وستمتد أثاره الشنيعة إلى نفوس الجميع !

لجأت "زاتانا " إلى غرفة نومها، وقد تسربلت في رداء حريري حالك السواد، متناسبًا مع لون شعرها وعينيها النجلاوتين..

جلست على الأرض حيث ارتسم بها دائرة سحرية توسطتها نجمة خماسية وأحاطت بها حلقة من الرموز الغريبة والحروف الرونية القديمة، ثم لوحت بيدها لتظهر من العدم مجموعة من أوراق التاروت السحرية...

تمتمت "زاتانا " بصلوات عديدة، بلغات قديمة مجهولة حتى بالنسبة لأعتى علماء اللغة، لغات سبقت بداية البشرية، حيث كان السحر حيًا يتنفس هواء الأرض النقي...

توهجت أوراق التاروت بلون ارجواني هادئ، ثم انهت "زاتانا " صلواتها قائلة:

" مباركة انتي أيتها الأخت (زانادو)...مباركة انتي في الماضى والحاضر والمستقبل، ببصيرتك النافذة لأركان الزمان، وقرائتك الصافية لأسرار المكان.. اشكرك على منحي قبسًا من أسرارك النفيسة، وأعاهدك على جعله سلاحًا ناجعًا ضد الظلام وأعوانه في كل وقت وحين..والآن.. يلاعت اهتيأ قاروألا! "

تناثرت أوراق التاروت بسرعة في أنحاء الغرفة، ثم اجتمعت أمامها في تكوين لوجه بشري، ومن موضع الفم تحركت ورقة في هدوء ناحية أصابع "زاتانا "...

أمسكت بالورقة، فتوهجت الورقة باللون الابيض، وكذلك عيون "زاتانا " التي صارت ناصعة البياض، وانتشرت برودة عجيبة في الغرفة، تكاثفت بسببها طبقة خفيفة من الجليد على وجنتي "زاتانا "، ومن فمها خرج صوتها مبحوحًا مصحوبًا برعشة هادئة ...

" آن أوان السجين كي يتحرر.."

ثم سرعان ما تبع ذلك الورقة الثانية التي اشتعلت بنيران حمراء وقت أن أمسكت بها "زاتانا "، وتوهجت عيناها بلهيب متأجج، وكلمات النبوءة تستمر في التردد على لسان "زاتانا " بنفس الصوت المبحوح..

" خيانة الصديق صدمة سوف تتكرر.."

ثم انهارت الأوراق المكونة لهيئة الوجه البشرى، لتظل ورقة واحده معلقة أمامها في الهواء، والتي استدارت ببطء لتكشف عن نفسها، ورقة الموت بهيئته المعروفة حاملًا المنجل لحصد الأرواح...

" ثم تأتي نهاية الجميع مثلما تقرر.."

شهقت "زاتانا " بعنف، بينما اختفت الأوراق إلى العدم مرة أخرى...ارتجف جسدها لدقائق، بينما يتصارع بداخلها القلق والخوف...

الإختلال حقيقي بالفعل، لم تكن مجرد وساوس بداخلها، أو ضغوط العمل والحياة...أعلنت النبوءة عن نفسها، ولا تملك الآن سوي انتظارها لتكشف عن أولى أركانها...

لكن متى يحدث ذلك ؟

من هو ذلك السجين ؟

وأي صديق سوف يخون أصدقائه؟ ولماذا سيتكرر ذلك ؟

ومن سيموت بتلك النهاية ؟

*********************

لعنة الكيان الرماديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن