البارت الرابع
يقف حامد ( أخو نضال الأكبر؛ قصير القامة؛ بسيط الملمح والهيئة؛ يعمل في فلاحة الأرض التي تركها لهم والده؛ ضعيف الشخصية أمام أمه وزوجته نجاة) أمام المرآة، يهندم بدلته التي قليلًا ما يرتديها، فهو يفضل الجلباب الصعيدي لأنه يرتاح فيه أكثر، ونجاة
( زوجة حامد في اواخر الثلاثينات؛ معها أبنتان أحدهما في الثانوية والأخرى في الابتدائية فلم يحالفها الحظ في إنجاب ولد كما كانت تتمنى هي وحامد؛ كانت تكره رحمة وتغار منها، لأنها تظن أنها سرقت نضال من أختها التي كانت تنوي تزويجها له) تنظر له بغيظ وغضب
-" طبعًا متشيك وعلى هواك الأمر"
-" مش رايح خطوبة أخويا.. لازم ابقى متشيك"
-" وأختي أسماء وكسرة خاطرها دي ملهاش لازمة عندك.. بعد ماتعشمت بجوازها منه.. واحد غيرك كان قاطعه.. على اللي عمله ده"
-" وه.. وهو عشم أختك بحاجة.. ولا اتكلم عليها حتى.. ده كان كلامنا أنا وأنتي.. وبعدين أنا حاولت معاه كتير وهو ماريدهاش.. أجوزها له بالعافية!"
-" أيه اللي بتقوله ده وهي أختي كانت رمية عليه.. ده ألف واحد يتمنى تراب رجلها "
-"مش قصدي.. ده أختك ست البنات زيك أكده يا قمر يا أم لسان بينقط شهد.. على العموم كل شيء قسمة ونصيب.. مش هاتقومي تجهزي بقى؟"
-" لأ.. أنا مش هاجي معاكم"
-" بخاطرك"
شعرت بالغيظ أكثر من هدوء أعصاب حامد، وعدم مبالاته
-" طب أيه قولك بقى أنا هاجي عشان أشوف السنيورة اللي عجبت أخوك وفضلها على أختي"
ينظر حامد في المرآة وهو يحاول تعديل ربطة عنقه، قائلًا بضيق
" ربنا يعدي اليوم ده على خير"
* قبل الخطوبة بيومين، تتحدث رحمة بحماس وفرحة مع فيروز عبر الهاتف
-" أنا فرحانة أوي يا فيروز.. أخيرًا حبيت وهاتجوز اللي بحبه"
فيروز –" حبيبتي أنا فرحانالك أوي ياريتني كنت معاكي دلوقتي .. بس أنا هحاول أنزل مصر في أسرع وقت"
رحمة –" أه والنبي حاولي لأحسن أختك لخمة ومحتاجكي جنبي... صحيح مش هتصدقي الصدفة، عارفة نضال هو كمان خريج كلية إعلام ونفس دفعتك، صمتت فيروز قليلًا، ثم أردفت قائلة
-" أسمه أيه بالكامل؟ "
-" أسمه نضال بهجت الحكمي "
أنتفضت فيروز من جلستها قائلة بحزم
-" إلا ده يا رحمة.. أوعي تتجوزيه"
-" ليه!"
-" سُمعته في الجامعة كانت وحشة جدًا وبتاع بنات"
-" بالعكس ده محترم جدًا.. وحتى لو كلامك صح.. بس هو دلوقتي أتغير خالص وبقى حد كويس"
حاولت فيروز بكل بُد أن تثني رحمة عن الارتباط بنضال
-" بصراحة كان في إشاعات وكلام كده على أنه عمل علاقة مع بنت وخلع"
لم تصدق رحمة كلام فيروز، وحاولت أن تستدرج نضال بالكلام، لتتأكد من صدق كلام فيروز من عدمه
نضال -" أنتي عاوزة توصلي لأيه أنا مش فاهم.. وبعدين أحنا مش أتفقنا أنك تحاسبيني من أول معرفتك بيا.. والماضي ده تنسيه خالص، وعشان أريحك يا ستي.. أنا كان أخري اصاحب بنات مش أكتر من كده، وأي حاجة تانية وصلتلك تبقى إشاعة"
أستطاع نضال إقناع رحمة بطريقته، فصدقته، كما أن نهال على الرغم من عدم موافقتها التامة على هذا الزواج، مجرد أن علمت برأي فيروز، تمسكت بنضال أكثر، وقالت
-" وهي مالها فيروز بنضال حلو أو وحش .. هي اللي هاتتجوزه ولا أنتي.. دي غيرانة منك"
-" يا ماما وهي هاتغير مني ليه؟.."
-" طبعًا لأنك هاتتجوزي واحد تحسدك عليه كل البنات.. وبعدين هيا لما أتجوزت عصمت، قولنا رأينا فيه!.. لازم تعرفي حاجة لا أنا ولا أي حد رأيه مهم، المهم رأيك أنتي.. أنتي اللي هاتعيشي مش أحنا.. أنتي بتحبي نضال ولا لأ؟"
شعرت رحمة بالخجل ،ونظرت للأرض، فابتسمت نهال وامتلأت عينها بالدمع، وهي ترفع وجه رحمة قائلة
-"كبرتي يا رحمة وبقيتي عروسة.. وبتعرفي تحبي... عاوزاكِ ترمي أي كلام سلبي ورا ضهرك وتركزي هاتلبسي أيه يوم الخطوبة"
وأخذتها بين أحضانها، في صورة ولا أروع عن مدى التفاهم والحب بينهن.
*جاء موعد الخطوبة، وتم استقبال عائلة نضال بالحفاوة والترحاب
وقالت قدرية ( امرأة في الستين من عمرها؛ صعيدية؛ غليظة الطباع؛ صعبة المراس والعشرة؛ كانت تكره رحمة بشدة؛ وتعاملها بقسوة، لأنها كانت تود أن يعيش نضال معها، ولكنه سافر وتزوج رحمة وعاشوا في القاهرة)
-" نضال بيشكر فيكوا جامد.. وباين عليكوا ولاد أصول"
ليرد داغر والابتسامة تعتلي وجهه
-" بتشكري في أصلك يا حاجة.. أنتوا الأحسن.. وشرف لينا أننا نناسبكم"
-"طب فين عروستنا الحلوة بقى"
تنادي نهال على رحمة، التي خرجت على استحياء وهي ترتدي فستان وردي رائع وخمار أبيض، زاد من حُسنها وجمالها، وما أن رأوها، انبهروا بجمالها الهادي، وملابسها الرقيقة، نظر لها نضال بإعجاب شديد، وقالت قدرية
-" بسم الله ماشاء الله.. يا زين ما أخترت يا ولدي، عروستك زينة"
لاحظت نهال، نظرات نجاة المريبة، والتي تظهر غيرة وغيظ واضحين، خصوصًا عندما قالت
نجاة -" وهي برضو حظها حلو أنها اتخطبت لزينة شباب البلد"
حاول حامد تدارك الموقف، وقال
حامد -" إحنا ندخل في الموضوع على طول.. بصراحة يا عم داغر أحنا يشرفنا طلب أيد كريمتكم المصون رحمة لأبننا نضال"
ويكمل نضال كلام أخيه
نضال -" أنا مش عارف أقولك يا عمي ولا يا داغر زي ما متعود.. بس أنا مش هلاقي في أخلاق وتربية رحمة"
داغر -" وأنا مش هلاقي أحسن منك لبنتي"
تقول قدرية
-" يبقى نقرا الفاتحة"
وبعد أن انتهوا من قرأتها
أردفت قدرية قائلة
-" أنا ربنا مرزقنيش بالبنات، بس رزقني بنجاة أحسن من بنتي شايلاني من على الأرض شيل.. ورحمة برضو هتبقى بنتي لأنها حبيبة الغالي، ومتقلقوش عليها لما تعيش معانا.. هانحطها في عنينا"
نظرت رحمة لنضال وأعادت النظر لأمها، فقالت نهال
-" قد القول يا حاجة .. بس إحنا اتفقنا مع نضال أنهم هايعيشوا هنا في القاهرة"
تغيرت ملامح قدرية ١٨٠ درجة، وقالت بضيق وهي مقتضبة حاجبيها موجهة كلامها لنضال
-" ومتجيش تعيش معانا ليه.. مش قد المقام"
قاطع داغر نهال التي همت أن ترد، فرد هو نيابةً عنها
-" حاشا لله.. مش القصد.. كل ما في الأمر أن رحمة بنتنا الوحيدة ومش عايزينها تبعد عننا.."
وأكمل نضال
-" وكمان أنا شغلي هنا في القاهرة.. يبقى هي هناك في المنيا وأنا هنا مينفعش يا أمي"
استغلت نجاة الموقف وقالت بخبث
-" سبيهم على راحتهم يا أما.. هما اتفقوا خلاص.. وبعدين العروسة مش هاتتحمل العيشة عندنا في الصعيد"
ردت عليها نهال بنفس الخبث
-" بنتي ماشاء الله عليها غير إنها علم وأدب وأخلاق كمان ست بيت شاطرة.. أسألوا نضال.. ولو عاشت في خيمة في صحرا تسد فيها وتعمرّها"
فألجمت نجاة بردّها هذا
وانقضى اليوم، وانقلبت فرحة نهال لوجوم وهي تُحدّث داغر
-" شوفت أمه قرشانة أزاي.. ولا مرات أخوه عقربة يا ستّير منها.. أنا مش هاطمن على بنتي معاهم"
رد داغر بحنق
-" وهيا هاتعيش معاهم!.. ما أحنا حلينا الموضوع وبنتك هاتعيش هنا وسطنا.. متعقدهاش بقى"
-" أنت مش شايف سلفتها صعبة أزاي.. دي عينها هاتطق شر"
ترد رحمة مبررة ما حدث
-" أنا هافهمك يا ماما.. أصل نجات كانت عاوزة تجوز نضال لأختها وهو رفض عشان كده متضايقة"
-" أنا مش مرتاحة للموضوع.. وشايفة أننا نطول فترة الخطوبة شوية"
نفد صبر داغر من نهال وقال
-" الناس تقول خير البر عاجله وأنتي تقولي نأجل الفرح...متكسريش فرحة بنتك يا نهال وأدعيلها ربنا يتم فرحتها"
أمضت رحمة فترة خطوبة سعيدة مع نضال، الذي غمرها بحبه وهداياه، ورغم المناوشات بين العائلتين أثناء تجهيزات الزواج، إلا أن العروسان كانوا يتداركون تلك المناوشات، التي لم تؤثر على حبهم، ورغم حب رحمة الشديد لنضال، إلا أنها كانت تضع حدود بينهم ولا تقبل بأي تجاوز منه، الأمر الذي رفع من قدر رحمة عنده، فجعله متحفزًا للانتهاء من تجهيز الفيلا التي صممها على الطراز الأوروبي، لكي يظفر بأميرته صعبة المنال.
وجاء موعد الفرح، الذي انتظره الجميع، وبسبب انتشار فيروس كورونا لم تستطع فيروز حضور الفرح وكثير من الأقارب، بسبب غلق المطارات كإجراء احترازي، وتم عمل الفرح مع الأخذ بالاحتياطات، وكان هذا اليوم أسعد ايام رحمة، وحضر حفل الزفاف باقة من النجوم الزملاء لنضال، أنتهى الحفل وسافر نضال ورحمة لقضاء شهر العسل في الساحل، وكانت أجمل أيام تعيشها رحمة مع نضال، ورغم الحب الذي كان نضال يغمرها به، إلا أنها كانت تشعر بأن قلبه ليس ملكها لوحدها، لكثرة شروده، لم يؤثر ذلك على فرحتها بوجودها معه، فهي ترى أنها أخذت كل حظوظ الدنيا عندما تزوجته.
أنت تقرأ
ومن الحب ما ظلم
Misterio / Suspensoدراما / جريمة وغموض الحب أجمل شعور في الوجود، ذلك الذي يجعلك على غير سجيتك، لتخرج منك المشاعر دون ترتيب أو إرادة، تفعل المستحيل من أجل من تحب أو ما تحب، ولكن الحب سلاح ذو حدين، إما أن يخرجك من وحدتك ويحلّ ضيفًا كريمًا على قلبك ليضيء عتمة لياليك، أ...