مرايا بانعكاس واحد

144 9 0
                                    

#لعنة_الطاغي
(8) .مرايا بانعكاس واحد.
------------------------------------

هرولت إلى مكانه وجدته يجلس بمنعزل عن أقرانه، جلست إلى جواره ووضعت مسافة صغيرة بينهما، وحمحمت لتجذب انتباهه، التفت إليها فرأت ملامحه المنكسرة، زفرت بألم ومدت يدها إليه، فتطلع إليها بوجه مبهم وابتعد  عن مرمى يدها، ازداد إحساسها بالكرب وتمنا لو يستجيب لها ويسمح لها بلمسه، هزت رأسها بقوة ونفضت حزنها مؤقتًا وهمست بصوتٍ حنون:
- مين زعلك يا مالك، وخلاك ترجع تقعد لوحدك تاني.

رمقها بعيون مكروبة حزينة وأشار إليها وقال بصوتٍ متقطع:
- أحـ ـمـ ـد قـ ـال لـ للـ ـولاد مـ ـيلـ ـعـبـ ـوش مـ ـعـايـ ـا عـ عـ ـشـاان أ أ نـ ـا عـ عـ ـبـ ـيـــط، وو قـ ـال أن أنـ ـا هــ هـفـ ـضـ ـل على طول لوحــ ــدي عـ عـشـ ـان مـ مـ حـ ـدش بـيـ ـحـ ـبنـي، و ومـ ـش هيبقـ ـى ليـ ـا حد، و والولاد كلـ ـهم ضـ ـحـكـ ـوا عليـ ـا وو سـ ـمـ ـعوا كـ ـلامـ ـوا وبـ ـعـدوا عـنـي.

صدمتها ملامح الأسى التي ارتسمت على ملامحه، كبحت غضبها لتعرضه للتنمر بمكان كهذا، وحاولت تمالك دموعها كي لا تزيد الأمر عليه، وتابعت بنظراتها دموعه الحبيسة داخل عينيه بقلب مقهور، ليجهز عليها بقوله:
- هـ ـو أنـ ـا ليـ ـه مـ ـحدش بيـ ـحبـ ـني، لـ ـيه مـ ماليـ ـش بـ ـابا زي بـ ـاقي الـ ـولاد، هـ ـو أ أنـ ـا ووحـ ـش؟.

اغمضت عينيها تخفي عنه جزعها، فهو بكلماتٍ متقطعة أحيا بداخلها أكبر مخاوفها، سؤاله عن والده، وعن سبب تركها له بتلك المؤسسة، فرت دموعها رُغمًا عنها، وكادت تهرب منه كعادتها، ولكنها تراجعت وفتحت عينيها ما أن وصل إلى سمعها صوت شهقاته، جازفت واحتضنت وجهه بين كفيها وكفكفت دموعه، فقد هزمها الصغير بدموعه، ومذلته التي سكنت عينيه بدلًا من السعادة، زفرت وحاولت استجماع قواها ليباغتها رفضه قربها منه وابعدها عنه قائلًا:
- أنـ ـتِ كمـ ـان مـ ـش بتـ ـحـبـ ـيني، عـ عـ ـشـ ـان كدا سـ ـيبـ ـاني عـ ايـ ـش هـ ـنا، وو بتـ ـخـ ـافـ ـي حد يـ ـشوفـ ـني معـ ـاكِ.

تجهم وجها إسراء وتفاقم بداخلها الشعور باليأس، لا تدر كيف ستوضح له سبب تركها له هنا، كيف ستخبره أنها بذلت ما في وسعها لتهيء له جوًا صحيًا مُلائم، وأنها تتحمل الكثير من أجل أن توفر له كافة احتياجاته، وعلى الرُغم من أن تلك المؤسسة تبتلع راتبها بأكمله، إلا أنها لن تتوان أبدًا عن التضحية من أجله، فهي الوحيدة المتخصصة لمثل حالاته، زفرت بألم وبداخلها تود لو توضح له، أنها حُرمت منه من أجل الحفاظ عليه، فالمجتمع بالخارج سيُدينها وسيلصق بها أبشع التهم، إن عرفوا بوجوده ولن يُرحم أيًا منهما، احتدت ملامحها وعاد غضبها يسكنها من جديد، تركت مقعدها ووقفت خلفه وجذبته إليها وادارته ليواجهها باصرار، رغم اعتراضه ومحاولته دفع يداها عنه، ركعت أمامه وتشبثت به وهتفت بحزم:
- على فكرة الكلام اللي قولته دا مش حقيقي، أنت مش وحش بالعكس أنت أحسن واحد فالدنيا دي كلها، وأنا بحبك أكتر ما بحب نفسي، ومش معنى أني سيباك هنا أني خايفة أو مش عيزاك معايا، بالعكس أنا سيباك هنا علشان الكل قال لي، أن المؤسسة هنا هتوفر لك كل اللي أنت محتاج له، وهتساعدك تبقى طبيعي زي باقي الولاد، والدكتور كمان فهمني أن بعد وقت صغير هقدر أخدك تعيش معايا، ولو مش مصدقني يا مالك أنا عندي استعداد دلوقتي أخدك من هنا ونعيش سوا.

رواية لعنة الطاغي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن