(19) ..نقاط على درب الحياة..

140 13 3
                                    

#لعنة_الطاغي
(19) ..نقاط على درب الحياة..
------------------------------------

لم تدر لكم من الوقت وقفت تحدق به وعلى وجهها إمارات الصدمة وأتى تحرر عقلها من تجمده بصيحة إنكار منها لقوله:
- أنا لا يمكن أصدق أنك الشبح طيب قولي أصدق أزاي وغالي كلفني أراقبك وأجيب له كل المعلومات اللي بتربطك بعلال وخصوصًا صفقة السلاح اللي كان المفروض تتم يوم الحفلة وأنت متكلمش عنها نهائي، فهمني أزاي غالي ميبقاش عارف أنك الشبح وأنت وهو بتشتغلوا فنفس المجــ.

بترت كلمتها علامات الغضب التي لونت وجه داوود وصرخت بفزع حين اختطفها بين ذراعيه وارتمى بها أرضًا، في نفس اللحظة التي أمطرت السماء فوقهما وابل من الطلقات النارية، ومع تطاير الشظايا من كل صوب أحاطها داوود بجسده وهو يدور بعيونه يمشط المحيط حوله بتركيز وبنفس الوقت يحميها، فحانت منه نظرة نحوها ليرى سؤالها الصامت بينما أصابعها تتشبث بكتفيه فازداد لعابه وأردف:
- واضح أن في حد قدر يوصل لمكانا رغم أني كنت حريص جدًا.

أرفق داوود قوله بدفعها بيده إلى أسفل الطاولة ومد يده إلى حذائه ورفع طرف بنطاله وسحب سلاحًا ناريًا صغيرًا من جرابه الأحتياطي، ومد يده به إليها وهتف بصوت هامس:
- خليه معاكِ لحد ما أتصرف فسلاح لنفسي وحاولي متكشفيش عن مكانك لحد ما أرجع لك.

شهقت ذكرى وجذبته نحوها وهزت رأسها بالنفي وأردفت وهي تحدق به بخوف من صوت طلقات الرصاص المنهمر:
- لأ أنا مش هسيبك ولو ناوي تتحرك يبقى أنا هتحرك معاك، ولو نصيبي إن يجرالي حاجة فأنا هبقى مطمنة لأني معاك، إنما غير كده لأ، فلو سمحت خليك معايا هنا ومتتحركش وخد أنت المسدس النونو بتاعك ده علشان أنا مش بحب المسدسـ ـا.

جملة قالتها أختطفت قلبه منه مجرد جملة علقت بذهنه وأخذ عقله يرددها مُتناسيًا ما يدور حولهم واقترب منها ومد يده وجذب رأسها نحوه وباغتها مُقبلًا إياها، ضربها البرق ما أن لمستها شفتاه وضجت مشاعرها باضطراب داخلها وبأقل من الثانية تلاشت الأصوات والألوان وسكن المحيط بعدما أغرقها داوود بعالم آخر خاص بهما فلا حواس فيه إلا لصوت نبضات قلبها المتسارعة والدفء الساري بداخلها، وللمرة الثانية لم تدر ذكرى لكم سكنت برفقته وحين فصم داوود قبلته سحرها بصوته المتهز يقول:
- طول عمري أسمع عن خطفة الحب بس مجربتهاش، ومعاكِ يا ذكرى وأنتِ بتقولي لو جرالي حاجة هبقى مطمنة لأني معاك، عرفت يعني أيه خطفة الحب وأتمنى أني دايمًا أحسها معاكِ أنتِ وأتمنى أني أكون دايمًا أمانك وتبقي مطمنة معايا.

علق بصرها بشفتيه وزفرت بحرج فهي للحظة تشعر بضغطهما فوق شفتيها، وازدردت لعابها وهمت بأخباره بأنها حتى وهي تظنه أحد رجال المافيا كانت مطمئنة النفس والقلب برفقته، ولكنها بدلًا من كلماتها صرخت بذعر حين انتشلتها من أمامه ذراعين قاسيتين فاندفع داوود وهب على قدميه بلمح البصر كالفهد وسدد ضربة قوية إلى حلق مختطف ذكرى وحررها منه ودفعها نحو إحدى الزوايا وتصدر للمشهد وعيناه تحدق بتلك الأجساد التي بدأت تتجمع وتحيط بهم من كل جانب بعدما توقف صوت إطلاق النار، فزفر داوود بقوة ومد يده وجذب ذكرى وضمها إليه وهمس إليها بصوتٍ حنون:
- مش عايزك تباني مرتبكة أو خايفة واطمني محدش فيهم هيقدر يلمس شعره منك، المهم شغلي دماغك وفكري معايا نهرب منهم أزاي.

تناست ذكرى خوفها وابتعدت خطوة عنه وسط دهشته ورمقته بعيون قاتمة وأردفت:
- على فكرة أنا مش خايفة منهم يا داوود، ولو على موضوع الربكة فده سبب أني عرفت حقيقتك  وده اللي خلاني فقدت اتزاني للحظات، أما بقى لو عايزني اشغل دماغي وأساعدك فأسمح لي أنت مديون لي بخطة بديلة بدل اللي أنت وفرقتك سرقتوها مني، ده غير أن من الواضح أنهم جايين علشانك أنت مش علشاني و.

بتر حديثها صوت ضوضاء عالية فضيق داوود عيناه وضغطت ذكرى على يده وهي تعود لتندس بداخل صدره وهمست:
- هو أنت عملت حاجة وزعلت منك الكبار.

رمقها بغيظ وشدد من إحاطته لها وأردف:
- ممكن تبطلي كلام وتسبيني اركز علشان أعرف مين اللي وصل بطيارته.

زمت شفتيها بنفس اللحظة التي مد أحد الرجال يده ليبعدها عن داوود فصاح داوود به بصوت قاس:
- إن كنت تريد أن تلقى حتفك فكر فقط في لمسها حينها سيصعب على أصدقائك جمع أشلائك مما سأفعله بك.

رمقه الرجل بحقد وقبل أن يتحرك من موضعه ارتفع صوت فريدو يقول:
- قف مكانك فداوود لا يمزح حين يمس ما يخصه أحد.

تراجع الرجل وهو يزدرد لعابه واستكمل فريدو قوله:
- ولا أنا أو حتى والدي نمزح حين يمس أحد ما يخصنا داوود.

عقد داوود حاجبيه والتفت لذكرى بأن تبقى بالقرب منه ولا تبتعد عنه وتقدم من فريدو وأردف:
- ستدفع ثمن اقتحامك منزلي غاليًا فريدو.

انفجر فريدو ضاحكًا وأشار إلى رجاله ليضيقوا الخناق حول داوود وذكرى التي ارهبها الموقف للوهلة الأولى، ولكنها سرعان ما استعادت صفاء عقلها ودارت ببصرها تمعن النظر في الوجوه وزمت شفتيها ووكزت داوود بجانبه فاستدار بوجهه له يكاد يستشيط منها بسبب تصرفاتها الغريبة لتحدق ذكرى بعينه وتقول بصوتٍ هامس:
- تصدق أني لأول مرة أحس أني خايفة بس مش خوف على نفسي لأ، أنا خايفة يعملوا فينا حاجة وأنا لسه متكلمتش معاك فى موضوع جوازنا، فلو مفيهاش ازعاج ممكن تشيل وش داوود ده وتلبس وش الشبح وتخرجنا من الموقف اللي أحنا فيه، ولا أنت شبح تاني غير الشبح اللي سحبوا العملاء من كل مكان علشان يحافظوا على سرية هويته.

حاول فريدو أن يمعن سمعه ليسمع ما تقوله ذكرى ليعقد حاجبيه حين تسلل اسم الشبح إلى سمعه وازدرد لعابه ولكنه تدارك الأمر فهو لا يريد أن يدرك داوود قلقه، في حين اتسعت عينا داوود بغيظ وهو يحدق بوجه ذكرى التي بدت أمامه بلهاء تمامًا، لينتبه الجميع على صوت فريدو وهو يقول:
- هيا فلا وقت لدينا نفذوا المطلوب.

وفجأة أصاب عنق داوود سهم فرفع بصره ليصطدم عيناه بعيني القناص الذي ابتسم بتهكم لداوود ولوح إليه بكفه ليدرك داوود أنهم استغلوا انشغاله بذكرى وشتتوا تركيزه عن القناص ولم يدرك ما دُبر له، وقبل أن يتراخى جسد داوود كان سهمًا آخر قد أصاب عنق ذكرى وبعد دقائق كانت الطائرة تقلع حاملة على متنها جسدي داوود وذكرى إلى مزرعة الثيران.

----------------

ومن العناد ما قتل ودمر حيوات لهذا نبذت إسراء فكر العناد من حياتها الجديدة، فسابقًا عانت من أذى العناد الذي تسبب لها بالكثير من المشاكل والخلل الذي لا زالت تعاني منه إلى الآن، تنهدت ليدرك سفيان أنها استيقظت فمد يده وأدار وجهها إليه بحذر كي لا يوقظ مالك، استجابت إسراء واستدارت لتواجهه وداخل عيناها سكنت دموع التقطها سفيان بإصبعه وجذبها وضمها إلى صدره وأردف بصوتٍ خافت:
- ممكن أعرف سبب دموعك أيه؟

زفرت بقوة وارخت جسدها المتصلب فوق صدره وأجابته بشرود:
- أول مرة أحس أني مش لوحدي وأن في اللي أستند عليه ومبقاش خايفة من الوقوع، أول مرة فحياتي يا سفيان الدنيا تسبني فـ حالي ومتضغطش عليا زي عادتها وده في حد ذاته مخوفني ليكون اللي أنا فيه حلم واصحى على كابوس.

مسد رأسها برفق ومال بوجهه نحوها وقبل مقدمة رأسها ثم أحاطها بذراعيه وأردف:
- أنا عايزك تنبذي الخوف من حياتك وتسندي بكل قوتك عليا من غير ما تقلقي أو تشيلي هم، وخليكِ واثقة فيا أني لأخر يوم فعمري هفضل فضهرك ومش هسيبك ولا أتخلى عنك، لإني ما صدقت ولاقيتك يا إسراء أنتِ الأمنية اللي بتمناها، القلب اللي كنت بدور عليه وربنا أكرمني بيه، ووعدي ليكِ أني عمري ما هضغط عليكِ ووقت ما تحبي تفتحي لي قلبك وتدخليني جواكِ وتعرفيني اللي مخبياه جوا صندوق أسرارك هفضل زي ما أنا سفيان اللي حبك ومالك ابنك وابني ومسئولين مني.

أحست ببرودة تجتاح جسدها فالتفتت بوجهها ورفعت عيناها ونظرت إلى ملامحه ليثبت لها سفيان بعيناه ونظراته الجادة أنه محل ثقتها الآن وغدًا ومستقبلًا، فأعتدلت بجلستها وازدردت لعابها وتلقفت بضع أنفاس قوية وأردفت:
- توعدني تعتبره ابنك ومتتخلاش عنه أبدًا ولو ربنا أكرمك بأولاد متفرقش في معاملتك بينه وبينهم.

تغضن جبينه بتهجم بسيط لقولها فخفضت بصرها عنه وأضافت:
- مش عايزاك تزعل من كلامي وصدقني أنا عارفة أنك عمرك ما هتتخلى عنه ولا هتفرق بينه وبين أولادك، بس أنا عايزة أسمع وعدك يا سفيان زي وعدك ليا أنك مش هتتخلى عني، عايزة أطمن على مالك أن مهما حصل هيلاقي اللي يقف فضهره ويسانده.

تفهم قلقها الواضح بعينيها فأومأ لها وهمس بوعده فزفرت بإرتياح ومدت كفيها وأحاطت وجهه بهما وأردفت وهي تحدق بعينيه:
- وأنا متأكدة أنك هتحافظ على وعدك بحياتك وأنك هتحميه علشان كده أنا هقولك على كل حاجة يا سفيان لأنها من حقك طالما بقينا شركا فحياة واحدة.

وضع أصبعه على ثغرها وهز رأسه بالنفي قائلًا:
- إسراء بلاش تندفعي ورا مشاعرك وتتكلمي وأنتِ مش مستعدة صدقيني أنا مش مستعجل وزي ما قولت لك خلي كل حاجة تيجي مع وقتها وأعتبرينا في فترة تعارف على بعض.

ابعدت يده عن شفتيها وابتسمت وعقبت:
- عارفة أننا بنتعرف على بعض بس تقدر تقولي أنت هتتعرف عليا أزاي وأنا غامضة ومش واضحة بالنسبة ليك، أنا شايفة علشان تتعرف عليا صح وتقبلني فحياتك أنك تعرف مين هي إسراء زي ما أكيد أنت هتبقى حريص أنك تعرفني مين هو سفيان.

أومأ مبتسمًا وأردف على حديثها قائلًا:
- مقدرش أنكر أن كلامك صح بس مكنتش عايزك تتكلمي ألا لما تحسي بالراحة أكتر لوجودك معايا.

حانت منها نظرة نحو مالك وتنهدت وعادت بعيناها إليه وقالت:
- وأنا من أول لحظة وأنا حاسة بالراحة معاك يا سفيان وصدقني أنا لو مكنتش حسيت بكده عمري ما كنت هوافق على جوازي منك حتى لو كانت النتيجة أن أسراري كلها تبقى على الملأ لأني كنت واخدة عهد على نفسي أني مش هظلم حالي تاني ولا هقبل بالظلم لمالك ومش هعيد تجربة الماضي تاني، وأهي تجربة الماضي دي اللي أنا عايزة أحكيها لك علشان تشوفني صح.

غمره شعور بالفخر باختياره لتلك المرأة التي لم تهاب الخوف وأختارت الخوض فيه ومحاربته فأردف وهو يلتقط يدها ويقبلها:
- وأنا كُلي أذان صاغية على الرغم من أني كنت حابب أنها تكون لحظة خاصة بيا وبيكِ في بيتنا و.

منعه من أكمال كلماته تملل مالك فأشار برأسه إليه وأضاف:
- أظن أن مالك رأيه زي رأيي بالظبط، علشان كده أنا شايف أننا نأجل كلامنا ونقضي اليومين اللي فاضلين من الأجازة وتعارفنا البسيط وكمان نحمس مالك لخطة العلاج الجديدة اللي هنبدأها معاه من أول الشهر اتفقنا.

أومأت إسراء وقلبها ينبض بقوة فنظرات سفيان شاكستها وجعلتها تشعر بالأرتباك لينتشلها صوت مالك من ارتباكها وهو يقول:
- ماما أنـ ا جـ ـعـان.

ضحك سفيان وهتف وهو يمد يده إليه بينما عيناه تحدق بوجه إسراء:
- وأنا كمان جعان يا مالك جعان جدًا.

وفي الخارج وقف متواريًا عن الأنظار يحدق بالمكان بعيون غاضبة يود لو يقتحم عليهم المنزل ويسحبها من بين يدا سفيان ويدهسه بقدميه مثلما فعل معه سابقًا ولكن عليه التريث إلى اللحظة المناسبة التي سيباغته فيها ويسلبها كل شيء.

-------------------------

لم يعد بإمكانها الصمت وعليها الأفصاح عن كل شيء فلا خسارة مهمة بعد الآن خاصة أنها تراه يبتعد عنها يومًا بعد الأخر فأرسلت إليه رسالة نصية ترجوه أن يلقاها بالخارج، وغادرت سمرا وجلست يأكلها القلق لتتجمد بمكانها ويشحب وجهها حين صدمت بخاطر يجلس أمامها بدلًا من صلاح وعلى وجهه ارتسمت ابتسامة شماتة واضحة، ازدردت سمرا لعابها أمام نظراته إليها وأغمضت عيناها بحزن ليُردف خاطر وهو يضع ساقًا فوق الأخرى:
- حذرتك وأنتِ اللي صممتي متسمعيش كلامي، وأفتكرتي أنك تقدري تتحديني وتقفي قصادي.

ازداد حزنها وتجلى بوضوح على ملامحها مما زاد من غبطة خاطر الذي مال فجأة نحوها وهتف بصوت خافت:
- كنتِ فاكرة أنك هتقدري توصلي كلامي ليكِ لصلاح يا سمرا، كنت عايزة تخسريني ابني الوحيد وفكراني هقف ساكت، لا يا سمرا مش خاطر اللي يسمح لواحدة جاية من الشارع أنها تفوز عليه وتاخد منه حاجة غصب عنه، مش خاطر اللي يسكت عن حقه فأختيار اللي تناسب صلاح وترفعه مش تنزله لتحت بتربيتها المذبذبة وضعفها.

همست بانكسار تخبره عن مشاعرها نحو صلاح وحبها له ليخرسها خاطر بضغطه على أصابعها بقوة وقوله:
- الحب اللي أنتِ حاسه بيه ده مجرد إنبهار هيروح بعد كام شهر من جوازك منه، وتصميمي أنك تبعدي عنه ده لمصلحتك قبل مصلحة صلاح، يا سمرا أنتِ متنفعيش تبقي زوجة لراجل زي صلاح وأنا أعتبر خدمتك بمنع الجوازة دي قبل ما تخرجي منها خسرانة لكل حاجة.

سالت دموعها في صمت في حين استمر خاطر في حديثه لينهي قولها صادمًا إياها:
- بصي أنا عندي أستعداد أني أجيب لك شقة صغيرة كده على قدك تعيشي فيها ولو توافقي أنا ممكن أجي اطمن عليكِ من وقت للتاني وأهو هتبقي عايشة بحريتك وتنبسطي من غير التزام وتحكمات وغيرة.

اتسعت عيناها من هول صدمتها ما أن أستقرت كلماته بداخل عقلها فهبت على قدميها ورمقته باستنكار وهمت بالابتعاد عنه، فقبض خاطر على رسغها وأردف:
- لو مشيتي هعتبرك بترفضي عرضي و.

جذبت سمرا يدها منه بقوة وصرخت بوجهه برفضها قائلة:
- أنا علشان محترمة هكتفي بأني أقولك لأ، بس صدقني أنت تستحق معاملة تانية على كلامك الوقح اللي قولته عن أذنك.

أوقفتها قبضة أكثر خشونة عن الأبتعاد فشهقت سمرا وتراجعت إلى الخلف خطوة واحدة ليُعيدها صلاح إلى مكانها وأشار إليها بالعودة إلى مقعدها بينما ازدرد خاطر لعابه ووقف سريعًا وصافح صلاح وأردف مُسرعًا:
- كده يا ميسي ضيعت علينا التخطيط للمفاجأة اللي بنعملها لك.

ابتسم صلاح وهو يبادل نظره بين سمرا وخاطر وربت كتف الأخير وأردف:
- مفاجأة أيه دي اللي بتخطط لها يا عمي مع مراتي من ورايا، عمومًا أنا ممكن أبعد عنكم شوية لحد ما تخلص تخطيط وأرجع تاني و.

هز خاطر رأسه بالنفي قائلًا:
- لا خلاص كده المفاجأة ضاعت بهجتها عمومًا أنا هسبقكم أنظم للحفلة اللي كنت حابب أعملها لك على ما تيجي أنت وسمرا.

ووقفت خاطر وابتسم وأومأ برأسه واستدار ليغادر ولكنه توقف وأدار رأسه وقال:
- متنسيش يا سمرا الهدية اللي قولت لك عليها علشان ميسي على ما أظن أني هبدأ أحضرها له.

ألقى قوله وغادر وسط شحوب سمرا وغضب صلاح الذي لم يمهلها الفرصة لتلتقط أنفاسها وأشار لها بألتزام الصمت وجذبها خلفه مغادرًا المكان.

-------------------

وهناك داخل جدران المزرعة لم يعد بإمكان كريمة تحمل العمل الشاق والإهانة التي استمر معتصم بمعاملتها بها فوقفت بوسط الباحة وألقت من يدها الشادوف وصرخت بصوتٍ باكٍ:
- أنا خلاص معدتش قادرة أتحمل العذاب اليومي ده أسمع يا شيخ أنت ولا يا حج أنا عايزة أتكلم مع داوود باشا روح قوله كريمة جابت أخرها خلاص ورفعت الراية البيضا، أرجوك بقى كفاية اهانة وتعب وقلة قيمة أنا أنا.

عقد معتصم ساعديه وتطلع إليها باشمئزاز وأردف مقاطعًا حديثها:
- أنتِ أيه عارفة أنتِ أيه فعيون كل اللي شغالين فالمزرعة هنا، أنتِ واحدة حقيرة مستغلة قوادة، أستغليتي أحتياج غيرك علشان تجمعي شوية ورق تحطيه فالبنك، واحدة رخيصة بتاكلي وتشربي من شرف البنات اللي رمتيهم فالنار، ولو أنتِ فاكرة إن اللي بتعمليه هنا دا تعب ولا عذاب فأحب أقولك أن اللي مستنيكِ عند ربنا أكتر بكتير أنت ش مستنيكِ عذاب فجهنم، أنتِ عارفة لو أمر بأيدي أنا كنت حكمت عليكِ من البداية أن الأهالي تحفر لك حفرة وتترجمي فيها بسبب بيعك لأعراض الولايا.

ازدردت كريمة لعابها لتحول معتصم إلى رجل أخر يقف أمامها ونظراته المحتقرة إليها أشعرتها بالخزي ليزيد معتصم الأمر عليها بقوله وهو يُشير حوله:
- شايفة البهايم لامؤاخذة اللي حوليكِ دي أهي دي عمرها ما بتنهش فلحم بعضها، أصل مبينهش فلحم غيره ألا قليل الأصل والنمرود.

خزي غريب أغرقها فخفضت رأسها أرضًا وزفرت بقوتها المتبقية داخلها وأردفت:
- تمام أنا مش هعلق على كلامك وعايزاك تبلغ تيسير أني عايزة أتكلم معاه.

أومأ معتصم واستدار مبتعدًا عنها كأنه يفر من رائحة شيء مقيتة في حين انحدرت دمعة من عين كريمة لتردد كلمات معتصم بأذنيها.
لم تمض إلا دقائق وكان تيسير يجلس أمامها بمكتبه ووقفت كريمة أمامه بوجه شاحب وعيون محاطة بالهالات السوداء وشعر مجعد وثياب رثة، فرفع تيسير بصره نحوها ببطء حينها ازدردت كريمة لعابها ومدت يدها وسحبت قلادتها من عنقها وسحبت منها المفتاح الذي أستقر بمنتصفها ومدت يدها به إلى تيسير وأردفت:
- المفتاح ده يخص خزنة صغيرة مأجراها فبنك فيها كل اللي داوود باشا عايزه.

التقطه تيسير وحدق به مليًا وعاد ونظر إليها وسألها:
- وياترى أيه المقابل اللي عايزاه يا مدام كريمة قصاد تسليم المفتاح، أساسًا تفتكري أن تمن اللي عملتيه هو المفتاح ده، طيب نعقلها كده حق البنات اللي ضاعوا على أيديك هنجيبه أزاي ومن مين أنتِ عارفة أننا لو سلمناكِ للشرطة مش هتكملي يوم عايشة لأن أهالي البنات اللي ضيعتيهم هينتقموا منك وممكن جدًا يخطفوكِ ويقتلوكِ وسط ميدان عام اللي جرايمك فحق بناتهم.

ازداد وجهها شحوب ولم يهتم تيسير بها، ففي ميزان العدالة والحق ما نالته كريمة من أهانة خلال الأيام السابقة لا  تساوي شيء أبدًا أمام ما فعلته، أدار وجهه عنها وأضاف:
- أنا هبلغ داوود واشوف رأيه هيكون أيه عن أذنك.

غادرها تبكي مصيرها الذي كتبته هي بيدها وأنهارت كريمة أرضًا تتساءل فيما بينها هل سيحق لها الندم أم أن وقت الندم ولى بعيدًا ولم يعد أمامها غير تسديد ما عليها من ثمن.

--------------------

بكت منذ أبصرته عيناها واحتضنها داخل صدره، انتحبت بين ذراعيه واهتز جسدها منتفضًا لا تصدق أن والدها أمامها، وحين نضبت الدموع من عيناها ابتعدت أنشًا واحدة ورفعت عيناها وحدقت بوجهه ورفعت أصابعها ولمست ملامحه، ليفاجئها سمعان بالتقاطه أصابعها وتقبيله لها وهو يقول ودموعه تغرق وجنتيه:
- كت خايف لأموت يا بتي وأني مشبعتش منيكِ يا غالية، توحشتك يا شجن يا بتي وتوحشت لصوتك وكل حاجة فيكِ.

ارتمت شجن أسفل قدم والدها تقبلهما بوجه مبلل وهي ترجوه المغفرة والسماح فرفعها سمعان وحدق بها بمحبة وقال:
- أنتِ يا شجن اللي لازمن تسامحي أبوكي على اللي عمله معاكِ أني مصونتش الأمانة اللي أمك الله يرحمها وصتني عليها هي جالت أوعاك والغصبنيه يا سمعان وأني غصبت عليكِ ولجل أكده ربنا حرمني منيكِ يا نور عيني بس أجولك خلاص من الليلة أنا لا ممكن أبدًا أغصب عليكِ فأيوتها حاجة حتى العريس اللي جاكِ من أهنه أني مهوافجش عليه ألا لو أنتِ جولتي ريداه غير أكده يبجي لاه.

تصلب جسدها  وحدقت بوالدها بذعر بينما وقف مينا يترقب ما يدور وملامح وجهها التي اكفهرت وبان عليها الخوف فاعتدل بوقفته وتابع ردة فعلها ودموعها التي ازداد انهمارها وود لو يطمأنها هم بالتحرك نحوها ولكنها فاجأته بنظراتها والتي رآها فيها توسلها ليتدخل فتبدل توجمه إلى ابتسامة متسعة واقترب منها وجلس بالقرب من سمعان وأردف:
- طيب مش تقول لها الآول يا والدي مين هو العريس علشان متبقاش قلقانة كده وخايفة.

لاحق سمعان ببصره وجه ابنته وربت وجنتها وعقب بقوله:
- معاك حج يا ولدي لزمن أجول لها لاول مين هو العريس بدل ما اللي ينضرها أكده يفكر أني هجوزها لواد عمها المتجوز.

ازدردت شجن لعابها وحاولت الابتعاد ليبقيها والدها أمامه مُضيفًا:
- اللي طلب يدك مني يا بتي هو ابني اللي جالي بأحلى مرسال ورجعك ليا مينا فأنتِ أيه رأيك موافجة ولا نهمله يمشي من أهنه ونجعد أني وأنتِ لحالنا.

اكتسى وجه شجن بلون الحمرة وخفضت بصرها وهي تفرك كفيها تحاول أخفاء اضطرابها ونبضات قلبها المتسارع وأجابته بصوتٍ خافت:
- وهيروح فين لو مشي.

تنبهت شجن لكلماتها وازداد احمرار وجهها فرفعت عيناها ونظرت إلى والدها بقلق ليبتسم سمعان ويقول:
- ريداه يا بتي.

أومأت شجن بخجل فقبل سمعان رأسها وقال:
- يبجى نعاود البلد كِيف ما جال مينا لجل ما تطلعي على بيتك جوزك من بيت أبوكي يا شجن.

----------------- 

وبعد مشادة حامية بينهما وتهديد ووعيد منه استجابت سمرا لارادة زوجها وقصت عليه الحقيقة بأكملها فجلس أمامها صلاح يحدق بها بملامح وجه غامضة وحين طال صمته سألها صلاح بصوتٍ صارم يقول:
- لما جبتك هنا من كام يوم سألتك عن سبب تغيرك وأنتِ رفضتي تقولي ليه يا سمرا محكتيش اللي عمي عمله وقاله ليكِ وقت ما سألتك؟ ليه استحملتي تبقي عايشة فالخوف والرعب اللي زرعهم فيكِ خاطر بأفعاله؟ ليه سكتي على طلبه الرخيص ليكِ أنه ياخدك له ويعيشك فشقة ويجيلك وقت ما يفضى ياخد مزاجه ويمشي وتبقي بالنسبة له يادوب عشيقة؟

شحب وجهها وانتفضت بعيدًا عنه وهي تحدق به لا تصدق أنه على علم بكلمات خاطر الأخيرة إليها، وأمام صدمتها وقف صلاح وأخرج جهاز صغير من جيبه وضغط على أحد أزراره فظهر وميض من هاتفه فوضع صلاح الهاتف نصب عين سمرا وأردف:
- بسجل لخاطر كل كلمة وكل حرف وكل نفس من وقت ما قال اللي قاله عن ذكرى وده باتفاق بيني وبين مينا لما شكينا إن عمي قرر يضحي بذكرى وبيكِ علشان ميبقاش معاه إلا الأطراق القوية اللي يقدر يحقق بيها كل اللي هو عايزه، واللي سجلته يا سمرا مينفعش أحكيه ولا تعرفيه وده لأمانك أنتِ قبل أي حاجة وهو نفس السبب اللي خلاني أسيب موبايل قصاده علشان أشوف هيتصرف أزاي ولما فتحه وقرا رسالتك ومسحها علشان معرفش أول ما نزل نزلت وراه وشوفتك وأنتِ قاعدة أدامه مرعوبة وسمعت كل كلامه ليكِ وعلى قد ما أنا غضبان من افعاله على قد ما أنا موجوع منك أنك مجتيش ليا أنا جوزك وحبيبك وحكيتي ليا اللي حصل وفضلتي أنك تخبي عليا خوفًا منه، أيه كنتِ فاكرة أني مش هعرف بتهديده الرخيص ليكِ أنه يلفق لك قضية زنا زي ما هددك ومعرفش أحميكِ، عمومًا يا سمرا أنتِ من اللحظة دي مش هترجعي تاني البيت هناك وهتفضل فالشقة هنا يومين هتبقي تحت عنيا وسمعي لحد ما أخلص الحساب بيني وبين عمي، وعلشان تبقي عارفة لما أرجع هقوله أني طلقتك وأنك هتيجي تاخدي حاجتك كمان يومين وبعدها هتروحي تعيشي مع قرايبك فالصعيد، ولما يسألني عن السبب هقوله أنك أنتِ اللي طلبتي مني الطلاق لإنك مش مرتاحة معايا وبكده يبقى حققنا لعمي اللي هو عايزه، أما فيما يخص قرايبك فدول ناس تبع الأستاذ سفيان اللي شغال عند داوود الكاشف هيوديكِ هناك عند قرايبه علشان يحكميكِ من غدر عمي.

ازدردت سمرا لعابها وحاولت قراءة ملامح صلاح ولكنه أشاح بوجهه عنها وأضاف:
- على فكرة يا سمرا الفترة اللي هتبقي بعيدة فيها عني عايزك تستغليها صح، تستغليها فأنك تراجعي نفسك وتشوفي اللي عملتيه معايا ينفع ولا لأ وكمان تشوفي هتتعاملي معايا في المستقبل أزاي، لأني بصراحة مش هقدر أتعامل معاكِ لو استمريتي على وضعك الضعيف ده.

أنهى صلاح قوله وغادر في صمت مخلفًا وراءه سمرا تحدق في أثر بعيون دامعة.

-----------------------
#لعنة_الطاغي
#منى_أحمد_حافظ
#الموناليزا
حقوق النشر محفوظة
ممنوع النشر أو الاقتباس
--------------------------------

رواية لعنة الطاغي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن