(23) ..أسما..

81 8 1
                                    

#لعنة_الطاغي
(23) ..أسما..
--------------------------

لم تدر إسراء أحقًا سمعته يناديها بذاك الأسم أم تتخيل، فنظرت إليه بعيون زائغة لتتبدل سريعًا إلى ذعر لإدراكها معرفته بسرها، فتراجعت عنه بوجه شاحب إلى الخلف، بينما وقف سفيان ينظر إليها بعيون ثاقبة يتابع ردة فعلها بثبات خادع فـ بداخله صراع دامي قلبه يخبره بأن عليه إحتوائها بين ذراعيه وطمأنتها، في حين عقله يأمره ألا يستسلم لضعفه ويقسو عليها ويحاسبها على كذبتها تلك، ودام الصمت بينهما لدقائق تراخت خلالها ساقي إسراء فجلست بوهن فوق الأريكة وخفضت رأسها، لم يرغب سفيان بأن يبدأ الحديث ولكنه حين طال صمتها اقترب منها وجلس إلى جوارها وسألها بصوت حازم:
- ممكن أعرف ليه يا أسما عملتِ كده؟

وكأنها تنتظر سؤاله لتنخرط في بكاءٍ مرير، بكاء لطالما تمنته لتدفع عن كاهلها ثقل حملها الذي أشقاها طويلًا، ألمه صوت نحيبها واهتزاز جسدها وود لو يحتويها بين ذراعيه ليخفف عنها وطأة ما تشعر به، ولكنه فضل أن يحترم حاجتها للبكاء وأنتظر أن تُجيبه على الرُغم من معرفته بحقيقة الأمر ولكنه يرغب بسماعها هي.
وبعد مرور بِضع دقائق كفكفت إسراء دموعها وتنفست بقوة لتستجمع شجاعتها، وعلى الرُغم من احتياجها ليحتضن يدها إلا أنها شبكت كفيها معًا وتعمدت عدم النظر إليه وأردفت:
- أنا مكنش في حل أدامي غير أني أعمل كده، مكنش في أي حل غير أني أموت أسما علشان خاطر إسراء تفضل عايشة، ودا مش علشان أنا طمعانة فحاجة لأ، أنا موت أسما علشان خاطر مالك اللي مكنش ينفع أبدًا إسراء تسيبه فالدنيا لوحده، مالك اللي بسببه اتحملت تهديد وهروب واحتياج وأنا فسن مكنش ينفع فيه غير أني أعيش حياتي لنفسي، لكن رميت كل حاجة ورا ضهري ونسيت أني أسما، تعرف أن أنا أصغر بنت فالعيلة يا سفيان وأتولدت فالكويت، أصل بابا كان بيشتغل فمكتب هندسي هناك وماما كانت مُدرسة، وعشت حياتي بين دلع ماما وبابا وأخواتي، عمري ما شلت هم لأي حاجة وكل أحلامي كانت أوامر بتتحقق من غير ما أطلبها، كنا بننزل مصر أجازة كل سنة ونقضيها مع أعمامي فالقاهرة، ومكنتش بشغل تفكيري بأي هموم أو مشاكل لحد ما كل حاجة فحياتي أتغيرت، أنا فاكرة التوقيت لأني كنت لسه مخلصة أمتحان أولى ثانوي ورجعت البيت لاقيت بابا قاعد مكشر وغضبان، أول ما شافني زعق فيا وقالي أدخل أوضتي ومخرجش منها جريت بسرعة ونفذت كلامه وأنا خايفة لأنه كان أول مرة يزعق لحد فينا، ولما قفلت باب الأوضة سمعت صوته العالي وهو بيتخانق مع أخويا أحمد وبيقوله أنه لازم يسافر يروح أي مكان وميرجعش الكويت تاني، وأنه من الأفضل يسافر أمريكا يكمل دراسات عليا هناك ويحاول أنه يلاقي شغل ويستقر هناك، وبعد ما أحمد سافر بأسبوع لاقيت بابا بيقول أنه حجز لنا علشان هنرجع القاهرة وأن أنا وأختي إسراء هنعيش في بيت أعمامي وأننا هنكمل دراستنا هناك، ولما طلبنا منه نتناقش معاه فقراره رفض وثار علينا وكان هيضربنا، وللأسف ماما فضلت تتفرج علينا وهي ساكتة ومحاولتش أنها حتى تتكلم معانا وتواسينا بكلمة، ولما رجعنا مصر اتصدمنا بالحياة اللي أتفرضت علينا واللي كل حاجة فيها كانت ممنوعة وعيب ولأ وتحكمات حتى فالأكل والنوم، أنا كنت عايشة في سجن مشدد ومتراقبة على طول، واللي زود وجعي كان موقف ماما السلبي وجفاء بابا اللي محاولش أنه يطمن علينا ولو باتصال من وقت ما سافرنا، ومع مرور الوقت والشهور حاولت أتأقلم وأتعود على الحياة الجديدة اللي أتفرضت عليا، بس فشلت والسبب ففشلي كانت إسراء أختي اللي أتغيرت تمامًا فمعاملتها معايا، كانت ساعات تقعد ساكتة وساعات تسيبني لوحدي وتختفي ولما تظهر تتخانق معايا على أتفة الأسباب، كنت مستغربة تصرفاتها الغريبة واللي أثارت فضولي علشان أعرف ليه بتعمل كده معايا، وياريتها ما أثارت فضولي اللي خلاني أراقبها وأراقب تصرفاتها وحركاتها، خصوصًا بعد ما لاحظت أنها أغلب الوقت بتتكلم مع ابن عمي الكبير وأنها على طول بتبص له وهو بيبص لها، كنت وقتها خايفة أسألها عنه لأنه متزوج، كنت قلقانة أني لو أتكلمت أضايقها أو تزعل مني لحد ما سمعتها وهي بتتكلم معاه وبتعيط وبتتحايل عليه وبتقول له أنها مش هتقدر تعمل اللي طلبه منها، وقتها قلبي وجعني عليها وخوفت ولاقيت نفسي بكل سذاجة بسألها عن اللي سمعته، يومها إسراء فضلت ساكتة ومردتش عليا وسابتني ودخلت أوضتها وقفلت عليها، فضلت تتحاشاني أسبوع وفجأة وبدون أي مقدمات أتخانقت معايا وضربتني بالقلم واتصلت ببابا وأشتكت له مني، وأتهمتني أني بتصرف بطريقة مش كويسة وأني بتأخر برا البيت بحجة الدروس، غير أني بدلع فكلامي وتصرفاتي خصوصًا أدام ولاد أعمامي، وللأسف بابا صدقها وبهدلني وقالي أنه هيبعت ياخدني عنده علشان يربيني من تاني، أنا مكنتش زعلانة أنه صدقها على قد ما كنت زعلانة منها أنها أتهمتني وأفترت عليا وكذبت ووقتها مكنتش عارفة هي عملت كده ليه، وسافرت وعشت أسوأ فترة فحياتي بابا كان بيعاملني بطريقة مُهينة هو وماما وحبسني فالبيت، وكان عايز يمنعني من أني أكمل دراستي وبعد توسلات كتير وتذلل له ولماما وافق أني أكملها من البيت، فقررت أني أبعد عنهم علشان أرحم نفسي من الأهانة والمذلة والضرب وأنعزلت فأوضتي ومبقتش أتكلم إلا قليل وبجاوب على قد الكلام اللي متوجه ليا، وقاطعت إسراء لما عرفت أنها هي السبب لأني كنت مقهورة منها، الفترة دي أنا كنت حاسة أني لوحدي تمامًا وماليش حد يقف جانبي لأني مظلومة ومش عارفة أخد حقي، وفضلت على الحال دا لحد ما خلصت الثانوية العامة، تخيل كام شهر وكان أسبوع وكام يوم مر عليا ومحدش فكر أنه يحاول يعرف إن كنت مظلومة ولا لأ، وحتى إسراء محاولتش أنها تعترف وتقول أنها ظالمتني، ولما عرفت أني نجحت وجبت مجموع يأهلني أني أدخل كلية كويسة كان اليوم اللي عرفنا فيه أن أخويا أحمد أتوفى، وأنهار العالم من حواليا فلحظة لما وقع بابا فوسطنا ودخل المستشفى وماما دخلت فحالة صدمة وكانت بتقول أنها هي السبب فاللي حصل لأحمد، وللأسف بابا أتوفى والصدمة زادت على ماما وبقت فعالم تاني وبقيت لوحدي فعليًا، ووسط كل اللي كنت فيه لاقيت عمي بيتصل بيا وبيقولي أني لازم أرجع القاهرة وأنه بقى الوصي عليا وعلى كل حاجة تخص بابا بما إن أخويا اتوفى، ورجعت أنا وماما هي دخلت مستشفى نفسي تتعالج وأنا رجعت لسجني تاني فبيت عمي، وقتها حسيت أني أكتفيت من الحبس والأوامر والتحكمات اللي ملهاش أي معنى أو داعي فوقفت فوش عمي وطلبت منه أكمل تعليمي وأدخل الجامعة، وبعد نقاشات كتير وافق وهو مجبور لإن زوجته أتهمته وسط اجتماع أعمامي أنه طمعان فكل حاجة لنفسه وأن الفلوس اللي هتتصرف على الجامعة هي فلوسي ومن حقي.

رواية لعنة الطاغي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن