<أنا بخير ، أنا على ما يرام ، بعد كل مرض يزول مني بعد أيام ، صحتي على أتم ما يرام ، عائلتي مكثت بجواري طوال تلك الفترة ، لا أعلم هل شفيتني الآلهة باروثيسيا من جديد ككل مرة ؟ فأنا لا اؤمن بها على كل حال وأدعي الصلاة لها لكنني بالحقيقة لا أفعل ، لو كانت موجودة فعلاً لما جعلتني أعاني هكذا .
أ ليست هي آلهة الرحمة ؟ إذن لما لا تشفق علي ولو لمرة وتعيد لي عائلتي ؟
لم أتجرأ على البوح بخلجاتي فآخر مرة فعلت ذلك صفعتني المربية الشريرة نازايا ، أنها تفعل ذلك كثيراً ، لكن جسدي قوي يتحمل كل صفعاتها بل وبعد كل صفعة أحرص على أخراج لساني لها لتعلم كم أنا قوي ولا يمكن هزمي .
سأهرب منهم جميعاً وسأسرق مالاً كثيراً وأعيش سعيداً مع عائلتي بمنزل كبير للغاية دافئ للغاية وبه ماء ساخن لأستحم .>__________________________
《 شراء 》
بعد مرور ثلاثة أسابيع :تحسن وعاد لشقاوته من جديد وقرر ترك تلك العصابة الصغيرة وقرر تكوين صداقات جديدة وبدأ بالفعل يلعب مع بعض الأطفال ولكن لعبهم لا يخلو من المشاجرات وفي أحد الأيام الماطرة جاءت عائلة متكونة من زوجين بدا عليهما الثراء الفاحش لهذا الميتم الفقير وكالعادة أصطف الأطفال ليتم عرضهم على المشتري .
كانوا مهندمين مرتبين ليبدوا بصورة حسنة أمام المشترين الزوج الشاب ذو الملامح الهادئة أخذ يعاين الأطفال بدقة حتى وقف عند الأشقر المشاكس وأنحنى يطالعهُ من تحت قبعته ، شكله جميل وصحته جيدة وله بنية قوية على الرغم من صغير سنه .
-ما أسم هذا الطفل ؟
توترت المربية فأغلب الأيتام بلا أسماء فصمتت لثواني ليلتفت إليها مزيلاً قبعته عن رأسه .
-في الواقع أغلب الأيتام الموجودين لا يملكون أسماء ، فهم تربوا منذ المهد هنا ولم يكترث أحد بتسميتهم .
رفع حاجبه مستغرباً وعاد ينظر للطفل من جديد لتسأل الزوجة مقتربة منهم :
-كيف تنادونهم إذن ؟
ردت تعبث بأصابع يدها :
-نناديهم بأرقام حسب تسلسل مجيئهم .
ناظرت الفتى الذي بادل الزوج التحديق بأعينه الذهبية المميزة وكله فضول حولهما .
-ما هو رقمه إذن ؟
سألت لتجيبها المربية :
-خمس وستون .
بدا ذلك غريباً قليلاً للزوجين لينهض معتمراً قبعته من جديد قائلاً :
-سآخذ هذا الطفل .
ثم مرت لحظات ليذهب الزوج مع زوجته لمكتب المالكة وذهب هو لغرفة النوم المشتركة ، لم يكن لديه أغراض ليأخذها فأغلب ثيابه ممزقة وقديمة .
ودع الأطفال الآخرين بالعناق والدموع ، فهو كطفل يرى هذا الميتم البائس هو ملاذه الوحيد على الرغم من كرهه له وهؤلاء المشاكسين هم أخوته وعائلته الوحيدة التي عرفها ....
<بدت فكرة الرحيل على حين غرة حدث حزين بحياتي ، فأنا لم أعتد غير هذا المكان وإن كان يتم ضربي وتعذيبي ، ولكن قلبي تطاير فرحاً بكوني سأحصل على والدين ، بديا لي جيدين ، ويملكان الكثير من الأموال ، لم أعرف يوماً شعور أن يكون لك والدين ، يحبانك ويهتمان بك ويرعيانك عند المرض، أيدي حنونة تتلقفني وتحميني ، تلك العائلة التي أنشدها ها قد حصلتُ عليها .>
ركب العربة برفقتهما وهو ينظر للمربيات والأطفال الذين أصطفوا لينظروا له مشيعين رحيله بنظراتهم
هبطت دموعه وبكى وأستمع له الزوجان بصمت كتمثالين جامدين عن الحركة ، غادرت العربة ذلك الجزء القذر من المدينة وبدأت البنايات تتغير لأخرى فخمة جاذبة للنظر ، الشوارع باتت أوسع وأكثر نظافة و أغلب المارين ثيابهم راقية وفاخرة ، تنتشر محلات لبيع الألبسة والحلي وغيرها الكثير فنسي حزنه وصار يُطالع من النافذة بفاه مفغور كل ما حوله .
مضت العربة بطريق طويل لتعبر أرض زراعية قبل وصولها الى منزل فخم وسط تلك الأرض شاهد الكثير من العاملين في ذلك الحقل الكبير على ما يبدوا يقومون بحرثه أستعداداً لزراعته ولكون الطريق كان طويلاً فقد غط بنوم عميق .
شعر بمن يلكز كتفه ليستفيق من نومته ليفتح عينيه ويقابل وجه من أعتقده سيكون أبوه .
يبلغهُ بالوصول لوجهتهم .
نزلا ونزل خلفهم ليستقبل أشعة الشمس بعد ذهاب الغيوم الماطرة وعبق رائحة المطر يفوح حوله ليأتي أحد العمال مستقبلاً الرجل وزوجته ناظراً للطفل ليخاطبه الزوج قائلاً :
-سيعمل هذا الطفل هنا من الآن فصاعداً تكفل بالأعتناء به .
العامل كان رجلاً أربعينياً ذو بنية ضخمة قوية وقسمات وجه حادة .
-بالمناسبة أخبروني في الدار بأنه لا يملك أسماً ، أمنحه واحداً إن شئت .
رفع حاجبه ببعض الأستغراب ولكن كل ما نطقه هو :
-حاضر سيدي .
غادر برفقة زوجته وترك الصبي الذي يناظرهم بذهبيتيه غير مستوعب بعد لما يجري .
غطاه ظل الرجل ليحجب عنه الشمس ليرفع رأسه عالياً حتى كادت تُكسر رقبته لينظر إليه ولكن ضوء الشمس منع ذهبيتيه من رؤية ملامح الرجل .
-ستعمل من الآن وصاعداً في الحقل وتساعد في الأعتناء بحيوانات المزرعة .
اومأ برأسه دلالة على فهمه ليسأل بعد لحظات ببراءة الأطفال :
-هل أصبحت لدي عائلة الآن ؟
أستغرب ليضحك على سذاجة هذا الطفل لينحني من طوله الفارع جاثياً على ركبة واحدة حيث قابله وجهاً لوجه راداً عليه :
-كلا أنت هنا لتعمل كحال الباقين الذين يعيشون هنا ، لم يتم جلبك لتصبح لك عائلة ، أنت ستعمل من الآن تحت أمرة الرجل الذي أشتراك .
<لم ولن تصبح لي عائلة ، كان سراباً أمسكته بيدي وتلاشى ، الآن أواجه أصعب مرحلة قد يمر بها أي طفل في هذه الدنيا .
مجرد عبد تم شراءه ، وكأنه حكم علي الا أحصل على أية محبة او رعاية او أي عطف وأهتمام .
كلمات الرجل كانت قاسية على قلبي ، أشعر بها طعنتني كسكين حادة بوسط قلبي .
لوهلات فقط عشت بسعادة ، أملت برؤية حياة مختلفة ، تمنيت وجود شخصين بحياتي يرعياني جيداً يحمماني بماءً دافئ ، يتلقفانني بحضن دافئ اذا ما خفت او مرضت او حزنت .
لكنني لم اكن سوى عبد ، مجرد سلعة اشترياها كحال اي سلعة تعجبهما ويشتريانها >
بدا الحزن واضحاً في ذهبيتيه واللتان أندهش الرجل من جمالهما عن قرب بدوتا وكأنهما خُلقتا من الذهب الخالص بهما لمعة عسلية تمنح للصغير نظرات حادة تخترق أعماق الناظر في مقلتيه.
وكأنهما عيني مفترس ، لوى شفتيه وقد أحزنه ما قاله الرجل والذي سأل وهو يتأمله :
-كم عمرك يا فتى ؟
-خمسة أعوام .
تنهد الرجل ، أنه صغير جداً .
-بما أنك لا تملك أسماً سأُطلق عليك واحداً .
ثم أطرق يفكر للحظات قبل أن يعيد تمعنه بالصغير أمامه يتفحصهُ بدقة محاولاً إيجاد واحد مناسب .
-دوريس ، من الآن وصاعداً سيكون هذا هو اسمك .
لم ينطق بحرف لينهض الرجل ويأخذ بيده يجره خلفه .
بعد هذا اليوم توالت الأيام ولم يعتد بعد لا على المكان ولا على أسمه فحينما يندههُ أحد لا يستجيب بسرعة ولطبيعتهُ المشاكسة كان لا يقوم بعمله بل يستكشف المكان حوله ويلعب بالحقول .
ليبدأ سيناريو الضرب والتأديب من قبل رئيس العمال او المسؤول عن العبيد بالاحرى نفسه الرجل الذي سماه .
والذي يُدعى كلارد .
كان كلارد رجلاً نظامياً قاسياً ، حيث يضع نظام صارم يقتضي بالأستيقاظ قبل شروق الشمس ، ثم تناول الفطور لتبدأ ساعات العمل في الحقول والأهتمام بالحيوانات وإطعامها ثم وجبة الغداء والعودة للعمل في الحقول من حراثة وزرع وقطع الأعشاب الضارة وجمع المحصول وغيرها ثم العشاء والنوم مباشرةً .
تعرف دوريس على أطفال آخرين وكون صداقة معهم ، ولكونه شقي مشاكس فكان الأكثر عرضة للضرب والعقاب ليبدأ بالتحول لطفل مطيع شيئاً فشيئاً ولكونه صغير السن فلم يتم تكليفه بالكثير .
مضى عليه العام الأول والثاني والثالث والرابع وصولاً للخامس ، خمس سنين مرت عليه وهو هنا ، بلغ العاشرة وأتسع إدراكه وصار أنضج على الرغم من صغر سنه ...
<مرت خمس سنين كاملة من المعاناة ، لا تختلف المعاملة هنا عن معاملة المربيات في الدار ، الطعام مقرف ولا توجد اي فترة راحة من العمل ، من يُخفق يُضرب ضرباً مبرحاً ، الأفرشة قديمة لا تحمي أجسادنا من قساوة الأرض ، ولا تقوم الأغطية بتدفئتنا من البرد القارص ، أسمي كرهته أكثر من أي شيء هنا فهو إسم للفتيات ولا أعلم ما سبب منح ذلك الوغد ذلك الاسم لي دوناً عن غيره .
الخوف أصبح مرافقي ، أخاف أن أفعل شيئاً فتتم معاقبتي ، العمل يرهقني ، التعب على الدوام يتملكني ، لا أشبع من الوجبات الثلاثة وامتنع عن الاكل بسبب طعمه المقرف .
فأشعر بالجوع والعطش أغلب الاوقات .
لم أجد لا عطفاً ولا رحمة ، تمنيتُ الحصول عليهما ، أملت أن يكون الوغد الذي أشتراني أباً لي ، لكنه كشيطان جميعنا نخشى غضبه .
زوجته كذلك غريبة الأطوار ، هادئة بشكل مريب ، لها أعين تخترق أرواحنا فنخشى النظر لوجهها ، عادةً لا تتكلم حتى لكن اذا ما غضبت فيكون غضبها مرعباً ومخيفاً .
بدت فكرة الهروب جميلة ، مقنعة ، لكن الى أين ؟ لا أعرف عن العالم الخارجي شيئاً ، أفضل البقاء هنا على التشرد بالشوارع .>
بنيته قوية وجماله خلاب صار أكثر طاعة وأعتاد على أسمه الذي يمقته كثيراً والذي يسخرون منه الأطفال الآخرين لكونه إسم فتاة !
لم يعلم متى صار مقرباً من كلارد او من الزوجة المخيفة تانيبال التي كانت تراقبه منذ صغره وتهتم به دون غيره من عبيدها ولكونها كانت رسامة موهوبة فكانت ترسمه على الدوام متجاهلة الطبيعة وجمالها من حولها
<قد تكون الحسنة الوحيدة بهذه المرأة هو هدوء أعصابها ، تشعر بها وكأنها من عالم آخر ، ترسم وتلوث نفسها بتلك الالوان ، كانت مهووسة بشكلي ، لا تبارحني أبداً ، ترسم لي الكثير والكثير من اللوحات ، تعاملني معاملة مميزة بالنسبة الي ، فنوعاً ما أستلطفتها ، لم تؤذني ولم تضربني ولم تغضب مني ، لا نتحادث كثيراً ولكن وجودها هادئ وإن كانت غريبة أطوار انه أفضل بكثير من التواجد قرب الآخرين حيث التنمر والضرب وغيرها والاعمال الشاقة المرهقة >
كانت سيدة ثلاثينية بلا أطفال مزاجية لأبعد حدود لكن يتفق الجميع على أن صفة الهدوء هي السائدة على شخصيتها .
رآها بحالات نادرة وهي تجلد بعضاً من عبيدها بقسوة أثر أغضابها بدون قصد منهم لم تكن ترحمهم بل وتصرخ وتزعبر بعلو صوت لتثير الخوف في نفوسهم أكثر فغضبها لم يكن له حدود .
أما دوريس فكان مميزاً لدرجة تغفر بها زلاته ولم تعرضه لغضبها يوماًفهل كان حقاً مميزاً بنظرها دون غيره ؟ وما السبب ؟
يتبع .....
أنت تقرأ
وحش بلا إسم
Fantasyالعالم الظالم يخلق وحوشاً بأستمرار ظروفهُ تجبرهم على نسيان أنسانيتهم القسوة من حولهم تتسرب الى قلوبهم يصبحون كوابيساً لمن حولهم العالم القاسي يخلق أناساً قُساة ________________ الغلاف من تصميمي❤️