( الحياة صعبة ، مُجحفة بحقنا ، نحن أولئك المحرومين من الشفقة والرحمة ، لا تطالنا سوى القسوة من قبل من هم مثلنا .
أ ولسنا جميعاً بشر ؟ نملك ذات اللحم والدم ، المشاعر ، اللغة ، نحن نكاد نكون واحداً ! إذن ما بال كل ما يعرضوننا له من إيذاء ؟ وكأن المرء لا يرتاح قلبه الا حينما يطعننا ألف مرة حتى تغادرنا أرواحنا .)
_______________________{ أختطاف }
< وكأن اللعنة حلت عليه منذ ولادته فلم يرى شيئاً جميلاً عدى شكله >مضت عليه ثلاثة أيام ، يسرق طعامه وشرابه وينجح بالهرب ، يتشاجر مع المشردين على أماكن النوم فكانوا يحتلون أغلب الأماكن ويمنعون الغرباء من أخذها لاسيما أن كانوا بمجموعات ، زالت الحمى منه وباتت صحته أفضل ولكن الجروح في ظهره لا زالت تلسعه .
لم يستطع إيجاد عمل فهو أينما يذهب يتم التنمر عليه وطرده ، لكونه طفل قذر مشرد فعاش على السرقة .
ثم توالت عليه الايام ليتعرف الى مجموعة مراهقين أكبرهم عمراً يبلغ الثامنة عشر ، يشكلون عصابة ذكرته بتلك العصابة من طفولته ، كانوا يسرقون بهدف المتعة ويعملون لتوفير ألاموال للميتم الذي جاءوا منه .
كان صعباً عليه مسايرتهم ففي البداية لم يحبذوا وجود سارق آخر غيرهم لكنهم تعرفوا اليه على أية حال وتقاسموا معه الطعام والشراب والسرقة .
كانت مجموعة أفضل من واحد على أية حال .
لم يكن لديه أسم لذا تعرض للتنمر من قِبلهم ، تعارك معهم وأبرحوه ضرباً لم يكن يسمح بأن يتم أستغلاله من جديد لذا عاد للسرقة منفرداً ، كان يتجول بملابسه الرثة بالأسواق ، يرى تلك البضائع الثمينة ، الصخب عالٍ والضجيج والزحام يضيفان أجواء بهيجة .
ملابس وطعام وشراب وحلي وأقمشة وحتى بشر وحيوانات كل هذا معروض لمرأى ذهبيتيه الحادتين .
كان يُمسك بقطعة خبز ويأكلها بينما ينظر حوله ، لم يخرج من ذلك المنزل منذ خمس سنوات فنسي السوق وضجيجه وأعتاد هدوء الحقل والعمل في الطبيعة .
خرج من السوق لمنطقة واسعة ، سوق المزاد كان مفتوحاً وبشر يتم عرضهم للبيع. وقف قريب من الجمع يشاهد من بعيد أجناس مختلفة ، ما بين الأشقر والأبيض والاسود والأحمر ، أطفال ، نساء ، رجال أشداء ، مراهقات ، وحتى من هم بعمره جميعهم بصحة جيدة .
أنهى تناول خبزته ومسح يديه بثيابه وتقدم ينظر عن قريب ، يسمع الناس يهتفون بأصوات عالية بأسعار باهضة الثمن للحصول على العبدة الجميلة ذات الشعر الأصهب الطويل والجسم المتناسق .
مرت ساعات بيع بيها الكثيرون ، وعند الظهيرة أُغلق المزاد وقرقرت معدته تطالبه بالطعام وليس لديه سوى الخبز ليأكله ، فتوجه لذات المحل وسرق وهرب ولكن هذه المرة خرج له صاحب المحل من الزقاق المجاور لمحله ليصبح أمامه مباشرةً مثيراً ذعره ، حيث ضربه ضرباً مبرحاً وأخذ الخبزتين منه تاركاً إياه مسجى على الأرض والدم يخرج من فاهه .
كدمة ظهرت على عينه وآلمته معدته أثر ركل الرجل لها ، وقف عند رأسه رجلين غطى أحدهما عنه الشمس وعلى ما يبدوا كان مهتماً به .
رأى الرجلين يقفان أمامه ثم أنحنى عليه صاحبهما ليقلبه على ظهره ويحدق به بتمعن مُدخناً غليونه مصغراً لعينيه وكأنه يستكشف الطفل أمامه أكثر ، مسكه قابضاً على فكه يعتصر خديه ويجر رأسه ناحيته يتمعن تفاصيل وجهه .
-أحمله .
أشار للرجل بجانبه والذي لم يره صاحب الذهبيتان والذي هوى قلبه أرضاً وراح يركل بالهواء الرجل الذي يحمله ، يصرخ معترضاً على أخذه بهذه الطريقة .
-دعني أنزل ، أنزلني ، من تكونان !ماذا تريدان مني !
أثار جلبةً عالية لم يكترث لها أحد ، بدا منظراً عادياً لكل من نظر إليهم .
وكان الرجل يدخن غليونه مبتسماً كمن وجد سلعة ثمينة والرجل الآخر ضخم البنية يحمل الطفل على كتفه كما لو كان يحمل كيساً !
وصلا به الى مركز السوق وعبراه الى بناء متهالك وداخله مساحة واسعة مملوءة بالأقفاص التي تحوي جموعاً من البشر ، مقيدين بالأصفاد ، البؤس يطوق نظراتهم والتعب في ثنايا ملامحهم ، يراقبون الوافد الجديد .
رماه الضخم على الارض ليزحف للخلف متألماً من قبضته القوية ومن لسعات جروحه ..
<الكابوس حي من جديد ، ها أنا ذا أعيش تفاصيله مجدداً ، يتكرر علي بأشخاص مختلفين وبعمر مختلف وبوعي مختلف ، فأنا أكثر من ناضج وعارف لما سيؤول إليه حالي ، أنا وحيد وسط الضواري ، تتراماني الأمواج وتعبث بي كما تشاء ، تتلقفني الايدي الخشنة وتقبض علي كما لو كنتُ كنزاً عظيماً !
الأحساس بالحرية أندثر وما تبقى هو العبودية التي لا تنفك تلاحقني أينما ارتحلت !>
الخوف ملئه وتزايدت دقات قلبه الصغير ، علم الى أين سيؤول إليه مصيره ، مجدداً سيقضي باقي سنوات عمره كعبد يتعرض للجلد والضرب على أتفه الأشياء ، سيتم أنتهاكه والأعتداء عليه ، نهض وهرب راكضاً ناحية الباب يحاول فتحه لتأتيه ضربة من الرجل الواقف يدخن خلفه بواسطة عصا معدنية وأرتمى فاقداً لوعيه على الأرض ودماءه تسيل من رأسه .
صحى بعد وقت لا يعلم قدره ، الجو عصراً وهو مكسر الجسد والتعب أكله أكلاً .
رأسه هاج به صداع قوي شله عن الحركة لبعض الوقت ، حاول تحريك يديه فعجز عن ذلك ! عقد حاجبيه الأشقرين ليتناهى لسمعهُ من بين الطنين الحاد بأذنيه أصوات سلاسل معدنية تتحرك .
اتكئ على مرفقه لتستقبل ذهبيتيه منظر أرجل قذرة !
طالع ما حوله ليجد أعداد هائلة من البشر يطالعونه بأسى ، وقف يقاوم الدوار الذي عصف برأسه وألتفت لتعانق قبضتيه القضبان يرى الأقفاص المقابلة له والساحة من حوله ، لتغرق عينيه بالدموع ويبكي بكاءً مريراً صائحاً بعلوا صوته :
-أخرجوني من هنا .
وحل الليل ولم يتوقف عن النحيب ، من حوله متجاهلين إياه ، فما هم فيه يمنعهم من الأكتراث لغيرهم ، جاء الرجل الضخم وبيده سوط وفتح باب القفص وبدأ بأنتقاء مجموعة ليعرضوها ليلاً بمزادهم ، أغلبهن كُن نسوة من فئة المراهقة لعمر الشباب .
وتم أغلاق القفص ، كاد يركض ويهرب لو لا أنه حُشر بين الأجساد حتى كاد يموت أختناقاً ! رحل الضخم وأخذ يضرب بسوطه على الأرض آمراً العبيد بالتحرك بخط مستقيم ثم دلفوا للداخل وغاب عن أعين الطفل الذي عاد يكرر جملته بصراخ :
-أخرجوني من هنا .
حل اليوم الموالي وتبعه يومان ، ثلاثة أيام بالمجمل يتغذى على ماء قذر وخبز يابس ! لا يتوقف عن الصراخ مطالباً بالخروج ، القفص لم يكن يخلوا من الأجساد المتلاصقة فما أن يخرج العبيد يحل محلهم قادمين جدد .
في اليوم الرابع جاء الضخم وأخذ ثلة من الأطفال ووقع أختياره على الأشقر المبحوح صوته والذي ما أن أخرجه حتى ركض لمسافة قصيرة ثم سقط على وجهه .
جره الضخم من قدميه وأجبره على الوقوف لكنه تملص وحاول الهرب !
-اللعنة عليك يا أبن الزنا .
ضربه بالسوط صاراً على أسنانه بغيظ ، تعالت صرخاته المتألمة خصوصاً أنه لم يُشفى بعد تماماً من جروحه السابقة ، جلدهُ مراراً وتكراراً حتى أوقفه صاحب المزاد وهو يدخن غليونه :
-آرتس توقف واللعنة .
صاح به ثم جاء ونظر للطفل الذي سالت دماءه فصرخ ناهراً الضخم :
-ما الذي فعلته أيها اللعين كان قطعة باهضة الثمن من سيشتري عبداً غارقاً بالندوب ؟هاه ؟ أجبني !
صمت ونظر لقدميه فرمى الرجل غليونه أرضاً وهدر بآرتس الضخم :
-أجلب له طبيباً وأغرب عن وجهي .
أمتثل لأمره وحمل الطفل الباكي الذي تحول صراخه لأنين نحو الداخل حيث غرف المنزل المهترئة .
رماه على فراش أرضي قذر وخرج ليطلب طبيباً لمعالجته ...
غاب تاركاً إياه يفقد وعيه ...<ألم في ألم ، ظلام في ظلام ، قسوة لا متناهية ، هذا العالم يزداد ظلاماً وقسوةً ورعباً كل فين ، لا أجد من يرأف بحالي ، وكأن الرحمة قد أُزيلت من قلوب الجميع .
لا أحمل قوة ولا مصدر للأمان ولا سند ، وحدتي وأنا وسلاحي ضعفي ، مجرد مخلوق ضعيف تستقوي عليه بقية الجبابرة .
لكنني أعدني سأنهض يوماً ولن أرحم بأحد أياً كان ولو كان أضعف الموجودات على الأرض ، أقسم بالآلهة التي أنكر وجودها سوف أصبح جباراً لا يغلبني أحد وسيندم كل من آذاني يوماً >يتبع .....
أنت تقرأ
وحش بلا إسم
Fantasyالعالم الظالم يخلق وحوشاً بأستمرار ظروفهُ تجبرهم على نسيان أنسانيتهم القسوة من حولهم تتسرب الى قلوبهم يصبحون كوابيساً لمن حولهم العالم القاسي يخلق أناساً قُساة ________________ الغلاف من تصميمي❤️