الحياة بمساراتها المتعاقبة كضربات من السوط تتيه بنا الى طرق جديدة نجهل نهاياتها ، فنسير عليها بخطى حثيثة عمياناً بفعل ظلامها ، نتعثر بعراقيلها ونسقط على وجوهنا مراراً وتكراراً ، نسير بدرب طويل مُرهق ، فهذا كل ما نجيده ... السير واللهاث من التعب والتخبط للنجاة بأنفسنا .
__________________________
《 ولادة محارب 》
●●●●●●●●●●●●
بعد أربعة أعوام .....
●●●●●●●●●●●
في زنزانة قذرة يجلس شاب عريض المنكبين ، بشرته بيضاء وشعره الأشقر المتدرج للبني يصل لكتفيه ، ظهره العاري مليء بالندوب وهناك علامة دائرية الشكل بداخلها تاج موسومة على جلده .
يديه الضخمتين متشققتين أثر الجروح ، ذهبيتاه الحادتين كعيني غضنفر تطالعان حضنه ، حيث يديه المقيدتين بالسلاسل الموضوعتان على ركبتيه ، قدميه ذواتا الأظافر الطويلة كحال أصابع يده مقيدتين ومملوءتين بالتراب .
دلف رجل للزنزانة قائلاً له :
-لقد حان دورك .
نهض لتُصدر عن حركته خشخشة السلاسل ولتبان قامته الطويلة بحدود متر وثلاثة وتسعون !
سار وفك الرجل قيوده ثم تجاهله وأكمل مسيره الى حيث غرفة ضيقة بأثاث خشبي بها كل أنواع الأسلحة .
حمل له سيفاً ضخماً ذو مقبض نحاسي وسار عبر الباب ليخرج للساحة الواسعة ، ذهبيتاه تطالعان ما حوله بجمود ، سمع هتاف الجمهور وصوت مذيع الحلبة الذي تحدث بصوته الجهوري مُعلناً عن وجوده :
-ها قد حضر ملك الساحة ، الأسد الغاضب والفك المفترس أنه - تعالى هتاف الجمهور ليشير المذيع بطريقة مسرحية نحوه - الوحش بلا إسم .
هذا ما عُرف به ، وحش بلا إسم ، منذ دخوله ساحات القتال تم بيعه الى تاجر الى مدينة سفلية أقذر من مدينته التي ولد بها .
لا يحكمها قانون ، تنتشر بها الدعارة والقتل والسرقة وسكانها أغلبهم مجرمين وتجار بالسوق السوداء والعبيد الهاربين من أسيادهم .
والذين تم بيعهم من قبل إدارة السجون مثله هو ، بعد أن تعلم القتل بوحشية وسفك الدماء ، الضرب حتى الموت ، وأستخدام كل الوسائل للقضاء على خصمه تم تلقيبه بالوحش ولكونه عُرف كعبد بلا إسم لم يكترث أحد بتسميته ، لم يعد أحد يناديه بجيرو او ليثونيوس بعد رحيل صديقه وأفتراقه عن العصابة التي حمته في السجن وعلمته القتل كي يعيش .
تقدم بخطوات واثقة ، كبر بالعمر وبلغ عامه العشرون ، لحيته كثة وشاربيه يغطيان شفتيه الممتلئتين ، كان شاب شديد الوسامة ، الغرور يتجسد بحركاته ، الأنفة تعلو ملامحه الجميلة ، صوت النساء وهن يصرخن كاد يصم له أذنيه ، ترحيب الجمهور به ترحيباً حاراً منذ أن قتل أول ضحية وهو بعمر السابعة عشر من حينها عُرف كمجرد وحش يرفه عن الجمهور .
-من الجهة الاخرى يتقدم ذو السيفين ، ملك الساحة الآخر ، قاهر الأعداء وقاتل القتلة ، أنه كالفيس .
رحب الجمهور بالوحش الآخر الذي أشتهر أيضاً ، رجل ثلاثيني بطول متر واربع وتسعون ذو أعين سوداء ثاقبة وشعر اسود يجمعه بجديلة غليظة خلف ظهره ، جلده حنطي ومشبع بالندوب لحيته سوداء كثة يظفرها لطولها وشاربيه كثيفين .
على مدى أعوام لم يسبق لأحد منافسته ، كل خصم واجهه قطعه بسيفيه حتى تملأ دماءه الأرض وتتشوه جثته .
ولكن برز له منافس منذ عام وها هو يقوم بمواجهته .
تقدم الرجلين ووقفا أمام بعض ، الذهبيتين كقطعتين ثمينتين من الذهب ضد السوداوتين كثقبين أسودين يسحبان لجحيمهما كل من ينظر إليهما .
وقف المذيع القصير جداً مقارنةً بهما قائلاً بدرامية مسرحية :
-تذكرا قتال حتى الموت ، أقتل أو تُقتل .
ثم رحل صائحاً :
-والآن نعلن بدأ هذه المنافسة .
دار الرجلين حول بعضهما ، تقدح الشرارة من أسود العينين يكاد يقتل خصمه بنظراته ، والآخر كشر عن أنيابه بوحشية وحمل سيفه بيد واحدة و أنطلق ضارباً ضربته الاولى التي صدها الآخر بيمناه التي تحمل السيف وباليسرى وجه ضربته بشكل أفقي محاولاً قطع بطن خصمه الذي أبتعد بالوقت المناسب وعاد يضرب بسيفه ليصد الآخر ضرباته ويلتف حول نفسه هاجماً بضربات قوية بكلا سيفيه على الخصم الذي واجه صعوبة بصد هذه الضربات وأُصيب بجرح في خاصرته وآخر بذراعه القوية التي حاول أن يجعلها درعاً له .
هجم بعد أن أستبد به الغضب صارخاً بصوته المخيف كزئير أسد غاضب وراح يضرب بسيفه خصمه الاسود الذي يصده ببراعة وخفة حركة ليضربه على خاصرته من جديد وتنبثق دماءه ليتقهقر للخلف .
لم تشله الحركة كما أمل الاسود ذو السيفين بل تجاهل الوحش جرحه وهجم بسيفه الضخم يُجبر الآخر على الرجوع .
ولكنه كان بطيء مقارنة بخصمه السريع الذي ألتف حوله وضربه على ظهره عامودياً بحيث أنفتح جرح عميق شاقاً ظهره لنصفين !
أندفع للأمام صارخاً وصراخ الجمهور يتعالى حماساً .
هجم من جديد محاولاً تجاهل الوجع الذي ألم به .
وصده الآخر ببراعة لكون هجومه بات ضعيفاً ، كاد الاسود يضربه على خاصرته من الجهة الاخرى لكنه أمسك بالسيف بيده وقبض عليه حتى أنشق كفه نصفين وسالت دماء غزيرة !
ركل الوحش خصمه ببطنه بعد تثبيت سيفه وأسقطه أرضاً وشلال الدماء ينبثق منه .
ركله وهو نائم على الارض بكل ما أوتي من قوة ليتدحرج سيفه بعيداً عنه والاخر سقط بجانبه .
أمسك به الوحش من قدمه وجره وحينما حاول النهوض ركب فوقه ليبرحه ضرباً بكلتا قبضتيه كالمجنون حتى سالت الدماء من فك خصمه !
ليتعالى صراخ الجمهور وتزداد تشجيعاتهم صخباً .
باغته عدوه وركله مبعداً إياه عنه ثم ركله ببطنه وخاصرته بعد أن أستوى واقفاً ، حيث صرخ من الوجع مكرمشاً وجهه .
أنحنى وسحب سيفه الواقع بحانب قدمه وهب ليطعن الوحش الاشقر الذي ركله على قدمه وأعتلاه من جديد وعض عنقه بأنيابه الطويلة بكل قوته ، أنطلق صراخه وحاول التملص حتى أطلق صيحة أخيرة قبل أن يقتلع لحمة من عنقه تاركاً الدماء تتسرب منه حتى مات !
رفع الوحش رأسه وبصق اللحم من فمه ليستقبل الجمهور بوجه مدمى كحال جسده .
ترنح وسقط على وجهه مغشياً عليه ودماءه تصب بغزارة من جروحه العميقة .
-لدينا فائز أنه الوحش بلا إسم .
صدح صوت المذيع والذي توسط الساحة وجاء رجال يحملون سريرين ليحملوا كلا الرجلين .
-إذن وحشنا يأخذ غفوة .
قالها ساخراً وضحك الجمهور .
-حينما يستيقظ سيستلم جائزته .
والتاجر الذي يملك هذا الوحش الضاري غادر مع أبتسامة واسعة على شفتيه وراح ليتلقى جائزته بداله .
بعد ساعات أستفاق الوحش وتجاهل كل أوجاعه ونهض ليجد عنده أحد رجال التاجر .
-قتالك القادم سيكون بعد تعافيك .
-لن يكون هناك قادم .
نهض راداً بحدة ودماءه نزفت حال تحركه ، خرج يمشي تاركاً الغرفة بأكملها قاطعاً طريقه وسط الأزقة والشوارع يتبعه الرجل .
الناس كانو يحيونه لكونه بات مشهوراً ، ولكون أغلب الخارجين من الحلبة راهنوا عليه وكسبوا رهانهم .
وصل الى مكتب التاجر الواقع بزقاق قذر ، دفع الباب ووجده يعد القطع النقدية على طاولة مكتبه .
-ها قد حصلت على أموالك اللعينة والآن ستعطيني حريتي .
أبتلع ريقه وهو يطالع وحشه الغاضب ، أتفق معه على تحريره حينما أشتراه قبل ثلاثة أعوام وأبلغه أنه مقابل حريته مبلغ خمسمئة وسبع وأربعون ريلون .
وهي عملة المدينة السفلية ،.
-عزيزي أيها الوحش الغاضب بيننا أتفاق وأنت لا زلت مديناً لي بالكثير .
رد صائحاً بصوته العالي :
-ما الذي تعنيه لقد سددت لك المبلغ كاملاً الآن !
أخفى خوفه من زئير الاسد الغاضب ، بعد كل تلك الثروة التي جناها من رهانات الناس وأموال الجائزة بالتأكيد لن يفرط فيه لذا نهض بقامته القصيرة ليصل الى بطنه وكرشه السمين يسبب له صعوبة بالمشي .
-هل تظن أن قيمتك تساوي مبلغاً ضئيلاً كالخمسمئة ؟
زمجر الآخر غاضباً وتبسم التاجر ساخراً :
-قيمتك تساوي أكثر من ذلك بكثير .
-حدد مبلغاً .
زمجر عاقداً لحاجبيه والآخر عاد لكرسيه راداً بذات السخرية .
-لربما ألفين وما يزيد عنه ، ثلاثة ، اربعة آلاف زليوناً ذهبياً .
أنه مبلغ خيالي بالطبع لذا أزدادت العقدة بين حاجبيه وتفاقم غضبه .
-مع كل هذه القوة التي لديك سعرك مرتفع أيها الوحش.
ثم أكمل وهو يدور بالكرسي الذي يجلس عليه حيث صار الوحش مقابله بوجهه المحتد غضباً وضماداته مدماة .
-ستبقى عبدي لسنوات عجاف من عمرك الى أن تسدد دينك .
وعند سماعه لهذا أنفجر وهجم على التاجر ، حاول حارسه حمايته وطعن الوحش بخنجره لكنه لكمه بقبضة حديدية ليأخذ منه الخنجر ويطعن الرجل بعينه مرتين !
هرب التاجر خوفاً على حياته ليخرج الوحش خلفه تاركاً الحارس ينزف حتى الموت .
لم يكترث لأوجاعه او دماءه النازفة وما أن لمح التاجر ركض نحوه ولحق به لينقض عليه كحيوان مفترس ويبرحه ضرباً ثم قطع جلد وجهه بأظافره حتى تشوه وسالت دماءه ، أفرغ به كل ما حواه قلبه من غضب ، فبكل مرة وقف بها بتلك الحلبة اللعينة او في قتالات الحانات او السجون المخصصة للرهانات كان يتخيل بها اللحظة التي يمسك بها التاجر ويقطعه إرباً .
لم يفعلها أملاً بأخذ حريته لكنه خابت أمآله بفعل هذا الوغد .
أبتعد بعد نوبة دوار داهمته ليسقط فوق جثة التاجر ودماءهما تختلط معاً .يتبع .....
أنت تقرأ
وحش بلا إسم
Fantasyالعالم الظالم يخلق وحوشاً بأستمرار ظروفهُ تجبرهم على نسيان أنسانيتهم القسوة من حولهم تتسرب الى قلوبهم يصبحون كوابيساً لمن حولهم العالم القاسي يخلق أناساً قُساة ________________ الغلاف من تصميمي❤️