٧

18 4 2
                                    

<أنا الضحية ، أنا الفريسة ، أنا اللقمة السائغة في أفواه الشر ، لا كلمات تصف حالي ولا جمل مفيدة تعكس ما مررت به ، تلك المرارة وكل ذلك الالم الذي تجرعته ، ماذا كان ذنبي لأتذوقه ، ماذا حل بذلك القلب الذي لاطفني وحماني وتلك الأنامل التي لطالما داعبت خصيلاتي ، ما بالها كادت تنزع عني جلدي ، تلك العيون ألتهمتني ، تلك الآهات صمت لي أذني ، ذلك الالم وكأن عضوي سينكسر لا زال لا يفارقني ، أيقنت حقيقة مرة وحيدة ، هو أنني مجرد عبد ، مجرد سلعة رخيصة يُفعل بها ما يشاءون ولم أكن يوماً أكثر من ذلك >
..............................
            《 وجع روح 》

صباحهُ كان كئيباً ، الأعتداء الجنسي الذي تعرض له سبب له جرح لا يندمل ، ذعراً كبيراً ووجعاً عظيماً .
كان يخشى من ملامسة أي كائن حي لجسده ، الألم لم يبارح ما بين ساقيه وبكى ليله حتى تورمت عينيه ، جاهلاً بطبيعة ما مر به ، كل ما يعلمهُ أنه تعرض لشيء فظيع ولا يرغب بأن يتكرر مجدداً .
لكن أنى له الوقوف بوجه سيدته ؟ والتي عادت وطلبت حضوره مساءً !
تمرد ورفض الذهاب مُدعياً التعب ، لكنها مصرة حيث أرسلت له أكثر من خادم وخادمة تطلب حضوره ليتم جره غصباً بعد تكرار رفضه .
قلبه راح يرتعد بين أضلعه كلما لاح له المنزل من بعيد .
رجلاه ثقيلتان والهواء لا يدلف رئتيه وصوته المترجي الخائف حث الخادم على شده وأخذه بالقوة بدلاً من تركه منصاعاً بذلك لأمر سيدة المنزل ، رماه عند باب مرسمها داقاً عليه مبلغاً إياها بقدوم ضحيتها ، فُتح الباب ورآها أمامه تمنحه تلك الأبتسامة الجامدة .
دعته للدخول ليمتثل لأمرها بقدمين مرتعشتين وقلب راجف ، وكما حدث سابقاً تجرعت نبيذها الفاخر وخلعت له ثيابه تتحسس جلده لتمارس معه الجنس قصراً تاركةً الألم يرتسم في محياه ودموعه تتقافز من مقلتيه تتساقطان على جانبي رأسه .
______________
صعد درجات السلم خالعاً قبعته ومعطفه مستلقي على ذراعه ، قابل خادمة في طريقه ليناولها قبعته ومعطفه سائلاً :
-أين تانيبال ؟
أجابته ونظرها مطرق للأرض :
-أنها في مرسمها سيدي .
أنصرف يحث خطاه نحو تلك الغرفة التي تبعد عن بقية الغرف بممر واسع ، فتحه ليجد زوجته العارية جالسة فوق ذلك الطفل وهي بقمة نشوتها .
ناظرته بكل برود لتنهض أما هو فعصف به الغضب ودلف للداخل بخطوات واسعة !
............
على عمود وسط أرض منزله ربطه وراح يجلد ظهره العاري حتى تراشقت دماءه وعانقت الأرض ، زوجته تراقب ضحيتها النفيسة وهي تُجلد بلا رحمة وكانت ملامحها لا تعبر عن شيء .
صوت صراخه المختلط مع بكاءه شق السكون والخدم والعمال ملتفين نحوه لا يعلمون ما سبب عقابه !
<أ لم أكن فريسة لتلك الأنامل الطويلة ؟ أ لم تنتهكني وتأكل لحمي كما تشتهي ؟ ألم تستغلني لتصل لنشوة عابرة بكل همجية ؟ ألم تسبب لي كل ذلك الالم ؟ إذن لما أنا الذي أُعاقب ؟ ما هو ذنبي ليتم جلدي بلا رحمة ، لُينتهك جسدي من جديد أسفل كل ذلك الضرب المبرح ! ما هو ذنبي ؟ ما الذي يدفع هذا الرجل للغضب مني ؟ أ لم تكن زوجته هي المخطئة ؟ أ لم يراها راقدة فوقي كضبع جائع تنهشني كما ترغب ؟ وفوق ذلك أنا هنا من يتلقى الضرب والجلد نيابة عنها !
بأي قانون وبأي عدل هذا الذي يحصل ؟
صرخاتي لم تشفع لي ، دموعي لم تلين قلوب كل تلك الوحوش المحيطة بي ، لم يبالون لكوني خدمتهم بأخلاص حتى ساعتي هذه ، بذلت كل ما بوسعي لأرضاء جشع تلك السيدة ، روحي حينها تشعبت بالظلم ، كساها السواد والبرود كجلمود عينيها ، العالم هذا ليس فقط قاسي ، ليس فقط متوحش ، أنه عالم أسود ممثلاً الجحيم بذاته !>
نظرات الشفقة تلوحه من قبلهم ، ليس بيدهم حيلة للتدخل ، أخيراً توقف السيد عن جلده لاهثاً بتعب ليأمر كلارد معتدلاً بوقوفه :
-إذهب به لأي مكان لعين وتخلص منه .
اومأ مبتلعاً ريقه ، الشفقة تلوح من عينيه وهو يمررهما على الصبي الفاقد لوعيه ، ألبسه أصدقاءه بنطلوناً يستر عورته وهم يبكون عليه ، ليتقدم منه كلارد حاملاً إياه على ظهره الذي سرعان ما سالت عليه دماء الصبي . وصار قميصه أحمراً بالكامل .
توجه نحو أحد العمال طالباً منه تجهيز عربة ليوصله للمدينة ، خلال لحظات وصلت العربة ليضعه بداخلها وهو جلس قرب السائق وأنطلق الحصان يجرها متوجهون الى مركز المدينة .
طلب منه بعد بلوغهما المدينة أن يقله لأقرب مشفى ، أوصله ليترجل وحمل الصبي الذي بدى أشبه بجثة بشحوب وجهه وأبيضاض شفتيه .
دلف به للداخل وتلقفنه الممرضات ليضعنه على سرير متنقل لتتم معالجته ودفع كلارد أموال علاجه مقدماً ليلقي عليه نظرة أخيرة ليرحل تاركاً من سماه دوريس بحالة صعبة .
كان فاقداً لوعيه طوال فترة تخييط جراحه البليغة وبعد أن تمت العملية بقي في غيبوبته والمحلول الطبي متصل بذراعه ، كانت المشفى مليئة بالمرضى على آخرها ومعهم ذويهم ، فضلاً عن كونها صاخبة وقذرة في كل زاوية تم وضع فانوس ليبدد الظلمة .
حل عليه الصباح وأستفاق لتلسعه آثار الخياط فبكى ألماً لتسرع عنده الممرضة وتعطيه مسكناً ليعود لمنامه .
أستمر بحالته ما بين مخدر ومنوم حتى تم طرده من المشفى لأن الأموال المدفوعة لهم لم تغطي كل هذه المدة ! بقيت آثار الضربات واضحة بعد إزالة الخيوط ولم تلتئم تماماً بل لا زالت تلسعه عند الحركة .
مشى بثياب المشفى ودموعه ترافقه لا يهتدي لطريق ، يمشي باكياً وجعه ومعاناته وما قاساه لم يكن ما جرى سهلاً عليه ، معدته فارغة والدنيا تدور من حوله بسبب حمى لازمته ليسقط ارضاً على وجهه فاقداً لوعيه .
مرت عليه الساعات وحل المساء ليستيقظ من غيبوبته يجد نفسه ملقى بجانب القمامة ، الجروح لا زالت تؤلمه لم تتشافى كلياً ، حرارته مرتفعة وفمه جاف والدوار لا زال يلازمه .
بليلة وضحاها تغيرت حياته للأسوء ، كان له مكان لينام به ، ليأكل به ولديه أصدقاء ، ويعمل ، ظن أنه سيبقى في ذلك المكان حتى يصبح راشداً ، لكن تم التخلص منه كحيوان غير مرغوب به ! لم يكن ذنبه ما فعلته له تلك الشمطاء .
< أقترفت ذنب لم يكن بخاصتي ، نلت الجزاء الذي لم أستحق ولا نصفه حتى ، قدر قاسي كُتب علي ليلتها ، أن أعود للشارع لكن هذه المرة بلا مأوى لأعود إليه وبلا سرير يتلقفني بأحضانه ، بل الشارع وبلاطه البارد والوحوش التي تسكنه هو مأواي الجديد ! >
هوسها به وأعتدائها عليه دمرا له طفولته وحياته لقد قتلت بدم بارد طهارته وبراءته ، أفترسته بكل وحشية وهو من لا ذنب له بما جرى رُمي بالشارع ، هذا المنطق الغريب جعل الغضب يتفاقم بداخله ، الحقد بدأ يتقد بداخل قلبه تمنى لو يستطيع العودة والأنتقام ، تمنى لو يمسكها ويقوم بتمزيق وجهها المبتسم اللعين لكن حينما يتذكر لمساتها تلك لجسده البريء يتقشعر جلده ، مرت عيناها بخاطره فأرتعش قلبه بين ضلوعه سعيد أنه تخلص منها وحزين لأنه فقد مأواه و أولئك الأصدقاء الذين كانوا بمثابة عائلة بالنسبة إليه .
فقرر العيش بالشارع والبحث عن أي عمل يدر له مالاً ولكن بما أنه يتضور جوعاً الآن نهض وتمشى بين الباعة يجر نفسه جراً ، لمح بائع تفاح ليقف مع الزبون يدعي تفقد البضاعة فخطف تفاحة وهرب مختفياً بين المارة يتبعه صراخ الرجل الذي لم يستطع اللحاق به وترك محله مفتوحاً ، أختبأ لاهثاً بزقاق مظلم ، جلس ضد الحائط يستشعر ألم ظهره ، فتناولها على عجل غير أنها لم تسد جوعه .
العطش جعل حلقه جافاً مُراً لذا أخذ يتمشى حائراً ، من أين سيحصل على الماء ؟
قصد بعد مشي مضني أستمر ساعة ينير له القمر دربه  ارض زراعية يتوسطها كوخ ، عادةً يحفر الناس ملاك الاراضي بئراً لتسهيل الحصول على المياه ، فذهب إليه لاهفاً وأنزل الدلو ورفعه بعد امتلاءه وراح يشرب بنهم .
مضى ليلته نائماً بالحقل وصباحاً ترقب محل الخباز الذي كان يعرض بعض منتجاته خارجاً فسرق خبزتين ثم تتبع بائع الحليب الذي كان يمشي ويوزع على البيوت ليدفعه ويسقطه أرضاً لتتناثر القوارير ويسرق واحدة و يهرب قبل أن يستوعب الرجل ما يجري !
ذهب لزقاق يحوي قمامة وبعض الكلاب الضالة ومشرد نائم على الارض ليتناول طعامه سريعاً ويخبأ أحدى الخبزتين للغداء ويشرب القارورة كاملة .
ثم خرج متمشياً يبحث عن عمل .

يتبع .....

وحش بلا إسم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن