٩

11 2 0
                                    

< قانون الحياة السائد ، البقاء للأقوى ! كلمتان توصفان معنى وحشية ما نعيش به ! وكأننا وسط غابة كبيرة نتقاتل للحصول على خيراتها كالحيوانات البرية ضاربين بالثقافة والحضارة عرض الحائط وكأنهما وُجدتا بلا منطق وكأنهما مجرد زينة للتباهي كما يتباهى الحيوان بميزته !
>

_________________________

                《 رحلة  》
<أحلامي لم تكن واضحة ، أغلبها مشوهة ، ارى كثيرون يقبضون علي بكمشة من حديد ، يضربونني بكل قوتهم ، يجلدونني حتى شكلت دمائي أنهاراً ، جسدي كان يتعذب تحت وطأتهم وصوتي أختفى بعد تقطع حبالي الصوتية من فرط الصراخ ، جميعهم وحوش سوداء ضخمة بلا ملامح فقط افواه بأسنان حادة كخاصة الحيوانات .
عيونهم الفارغة من المحاجر تطالعني ، ورغم فراغها فهي تخترق أعماقي ، القفص كان ضيقاً والأصفاد تمنعني من الحركة ، وضربني على حين غرة صداع قوي شوش كل شيء حولي ليختفي ولكن أوجاعي لا تفعل !>
عاد آرتس بعد وقت طويل ليجد الفراش غارقاً بدماء الصبي ووجههُ كان شاحباً ومتعرقاً ، عاينه الطبيب وخيط له جروحه ثم كواها ولف حول صدره العاري الضماد ثم جعله يستريح على بطنه كيلا تؤذيه جروح ظهره المصاب ليغادر ويقبض ماله .
عالم أحلامه كان غريب ومملوء بأحداث سوداوية من واقعه والذي سحبه ليستفيق وآلامه ترافقه من المنام للواقع ، أستفاق على لسعات جروحه ليأن من جديد غير قادر على الحركة ، جسده غارق بالعرق ونظراته مشوشة ، حلقه جاف كحال شفتيه ، هو بحالة يرثى لها ، جاء صاحب الغليون وتفحصه ، وحينما وجده بهذه الحالة المزرية عين أحد عبيده ليعتني به والذي كان طفل أسود البشرة بعمر التاسعة يدعى هاز .
باشر هاز بأعداد الحساء فهو كان بارعاً في الطبخ رغم صغر سنه وعاد للولد المسجى على وجهه حيث حمله وساعده على النهوض ، لا زال بصره مشوشاً ويشعر بحرارة غريبة تلف المكان ، شعر مجدداً بلسع جروحه له أثر أتكاءه على ظهره ليعض شفتيه متألماً ، مسح هاز العرق عن جبينه وساعده على تناول القليل من الحساء ، كان طفلاً أخرساً لذا لم يتواصل مع الأشقر بأي شكل من الأشكال بل مكث يعتني به والآخر يترجاه لمساعدته على الهرب .
لم يكن يعطيه سوى نظرات مواسية ، الى أن صار ذهبي العينين عنيفاً ، يرمي صينية الطعام ويحاول الهروب بنفسه فلا يجد مهرباً ، تماثل للشفاء لكن الندوب بقيت محفورة على جلده .
كان الرجل صاحب الغليون يطمئن عليه كل فين ، يطمأن أن بضاعته التي رآها صدفة بالسوق وهي تنظر نحو مزاده بأعين براقة فضولية تجهز لكي تُباع بسعر عالي .
في اليوم التالي جهزهُ ثلاثة من العبيد للمزاد ، ألبسوه أحسن الثياب ورتبوا شكله ولكنهم واجهوا صعوبة بفعل مقاومته وعناده وصراخه المستمر .
بالنهاية تم تقييده وتكميم فمه بلجام كالذي تلبسه الفرس وتم أقتياده مع مجموعة من العبيد المعروضين للبيع .
كلما رفض التقدم ركله الرجل خلفه ليقع أرضاً ثم يعاود المسير من جديد حتى خرج برفقة الآخرين الى خارج المنزل المهترئ وتم أقتيادهم الى حيث المنصة المرتفعة من جديد حيث تمركز الكثيرون ممن يبدوا عليهم الثراء الفاحش ، أصطفوا بصف واحد جميعاً وتقدم أولهم من جهة اليمين وكان لسوء حظه الأشقر ذو الذهبيتان الحادتان .
رمق الجمهور بنظرات غاضبة ، صاح ذو الغليون :
-قطعة ثمينة جديدة ، طفل قوي البنية ذو صحة جيدة ويتحمل الضرب الشديد ويفعل كل ما يرغبه سيده .
ثم جرده من ثيابه وراح يعرضه على الجمهور قائلاً :
-الطفل صالح للتعذيب كما ترون فهو قد تعافى من هذه الندوب بعد تعرضه للجلد بفترة قصيرة .
ثم صاح بعلو صوته يحمس الجمهور :
-نبتدأ المزاد به صاحب العيون النادرة وكأنها من الذهب الخالص وسعره يبتدأ من سبعمائة راين .
تعالى هتاف الباعة ليطرحوا أسعارهم من سبمعائة فما فوق بعد رؤية القوة في الطفل وما يمكن له تحمله فأي أحد سيسعد لو جاء بشخص سيتحمل التعذيب والضرب لمدة طويلة !
وصل العدد الى ألف راين ليختتم البائع المزاد مُعلناً البيع لصاحب المبلغ والذي التفت اليه الجمهور يطالعونه بفضول .
رجل ثلاثيني ذو ملامح وجه صارمة وثياب أنيقة ويبدوا عليه الثراء الفاحش ، والذي لم يكن سوى بانلغتون الرجل المعروف لدى الجميع ، التاجر الخاص بتجارة الاسلحة والعبيد ولديه ثراء لا يعد ولا يحصى .
وأشترى أيضاً خمسة عبيد آخرين أمرأة وثلاث مراهقات ورجل جثل الجسد أضافة للطفل الاشقر .
تم أقتياد الستة الى عربة خاصة وركب الرجل عربة منفصلة ورحل تاركاً الغيظ بقلوب الباقين من الطبقة الراقية فهو قد أشترى أفضل العبيد تاركاً البقية ذوي البنية الضعيفة والجسد المتوسط القوة والجمال الاعتيادي .
قهقه صاحب الغليون ولفت نظر الحضور حيث قال بصوته العالي :
-لدينا الكثيرون غيرهم لا تقلقوا ما لدينا من بضاعة يزيد ولا ينتهي أبداً.
ثم أشار لتابعه الضخم أن يأتي بالمزيد ليمتثل لأمره .
وبالنسبة للأشقر فكانت ذهبيتاه تقدح شرراً ، تم فك قيوده هو ومن معه وأُزيل ذلك اللجام القذر عن فمه ، تململ بمجلسه وحاول بطريقة جنونية فتح باب العربة والقفز لكن العبيد الذين معه منعوه وضربهُ الرجل الضخم متكلماً بلغته التي لم يفهم منها الأشقر شيئاً .
جلس خائفاً وراح يبكي ، الفتيات الثلاثة بكين أيضاً وكن ثلاثتهن من ذات المملكة .
أما المرأة فكانت تتكأ برأسها على جدار العربة وهي مغمضةً عيناها وكأنها تحاول أن تنعم بنوم عميق .
مضت الرحلة وكانت طويلة حيث خرجت العربتان من المدينة بأكملها ، الطريق مملوء على جانبيه بالاسواق والمحال والبيوت الفخمة وبعد قرابة الساعة وقفت العربتان وترجل العبيد حيث وجدوا أنفسهم عند الميناء .
تقدم منهم الرجل المرافق للسيد بانلغتون وأشار لهم أن يتبعوه ، فعلوا ما أمر بصمت ولكن قبلها قيدهم بالحبال وهو ممسك بقيودهم يجرهم كما يفعلون بقطيع الغنم .
أتجه الجميع يتبعون سيدهم ومرافقه ليصلوا حيث سفينة فاخرة ، صعدوا على متنها ليتم فك قيودهم وحبسهم بقبو السفينة .
حيث كانت هناك أفرشة أرضية مهترئة وقذرة .
جلسن الثلاث بزاوية ، المرأة قرب النافذة لترى منظر البحر ، الرجل سحب فراشاً وجلس عليه وصاحب العينان الذهبيتان جلس قرب براميل الخمر .
ومضت الرحلة لأسبوع زادتها ثلاثة ايام لتحط السفينة رحالها عند الميناء ..
<وحيد رغم من حولي ، أعيش معاناة قاسية لا يمكن لمن في عمري مقاساتها ، تم أخذي وسط بشر أراهم جميعاً للمرة الاولى ، جميعهم مختلفون وكل واحد يتحدث بلغة خاصة به ، وددت الهرب بشتى الطرق ، الرحيل الى البعيد الى حيث لا يجدني أحد ولكنني حتى في أحلامي سجين>
فقد حياته والآن بلده وهو مع أشخاص لا يفقه حتى ما يقولون ، نزل الجميع وتم ربطهم من جديد ، نظر الجميع حولهم الى حيث السفن الضخمة والمدينة المزدهرة ليست كتلك التي كانوا بها .
وتم أخذهم عبر عربة كانت بأنتظارهم وركب السيد في عربة فخمة خاصة به .
ومرت العربتان من خلال الشوارع الراقية المزدحمة والبيوت الفخمة والبنايات الطويلة والناس ذوي الملابس المهيبة .
أعينهم طالعت كل شيء ، لم يعلموا بأنهم سافروا لمملكة نيثيني ، التي يحتل حكمها مساحة كبيرة ، عامرة بالخير الوفير ، موقعها الجغرافي ممتاز ، والحاكم يهتم بمملكته أهتماماً كبيراً فكانت كالجوهرة الباهضة الثمن لمن يزورها وتملك أقوى الجيوش على مستوى الممالك لذا لا تتجرأ اي مملكة اخرى على غزوها ، معالمها الاثرية بارزة للعيان ، فذلك المعبد التاريخي العريق يبرز لأعينهم من تلك المسافة ، ابراج تكاد تبلغ عنان السماء وقصور على مد البصر كانت للنيثيين الاوائل ، المزارع لاحت لهم وظهرت على مد البصر وبوسطها المزارعين يزرعون وبعضهم كان يحصد الزرع والاخرون يستعملون المحراث .
لاح لهم لاحقاً منزل ضخم أشبه بالقصر وسط المزارع ، وأقتربت نهاية رحلتهم ليحطوا رحالهم في أرض المنزل الضخم .
نزل الرجل واصطحبهم معه والسيد بانلغتون توجه لمنزله ليرتاح من عناء السفر ، تمشى الرجل ومعه الجمع ليبلغوا منازل خشبية صغيرة متناثرة ، أطفال يلعبون وبالغين جالسين  في مجموعات وكانوا جميعهم مختلفي الأعراق .
وبعض النسوة كن يغسلن الثياب ويقمن بنشرها لتحط أعين الجميع على القادمين الجدد .
قادهم الرجل لداخل المساحة الخضراء بين الاكواخ المحاطة بالترب الطينية ونادى بلغته على أحد ما ليلبي النداء طفل صغير أصهب الشعر بشرته مائلة للحمرة
يبدوا عليه بعمر العاشرة .
تقدم من الذي نده عليه وأقترب من الجمع بعد إشارة الرجل عليهم ليتحدث بلغات ممالك متعددة ومن يجيبه يتواصل معه وهكذا .
تقدم منه الاشقر بعد أن بدأ الصبي بالتحدث بلغة مملكته التي يحتقرها الملوك ويكرهون ملكها البغيض بسبب رداءة نظامها وسمعتها السيئة .
ليقترب منه بلهفة قائلاً :
-أنت تفهم ما سأتفوه به الآن أليس كذلك ؟
-أجل .
ثم أضاف :
-أنت الآن عبد لدى السيد بانلغتون ومن الآن فصاعداً ستعيش معنا في هذه الاكواخ .

يتبع ......

وحش بلا إسم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن