٢٠

5 1 0
                                    

عبد للسلطة الطاغية

موسوم على جبيني العذاب الازلي
حياتي لعبة بيد الأخرين ولا سلطان لي عليهم او عليها
كائن موجود في حيز في هذه الحياة الكبيرة ليقتل من اجل الاخرين فقط
لا يحق له العيش ببساطة كأي رجل آخر ، لا اعرف كيف اكتب لا أملك أسماً لي لا أعلم كم بلغت من عمري لا اعرف اي شيء عن توافه الامور التي يملكها اي رجل عادي ، كل ما اعرفه وحفظته عن ظهر قلب ، العبودية والاغلال والذلة والاهانات المستمرة ، الضرب المبرح حتى تتكسر عظامي ، الغضب المستمر والحزن العميق الوحدة ، كل المشاعر التي تجعلني وحشاً بعيني قبل أعين الجميع !
_________
وسط العاصمة المركزية وداخل إحدى مقرات الجيش خرج من البناية يستنشق هواء بارد ملئ رئتيه وجعاً ولكنه أعتاده وكان يمثل له نوعاً من الطمأنينة ، مرت عليه خمس سنوات تعلم خلالها داخل البلاط الملكي القراءة والكتابة والحساب وما سواها من العلوم ، تم ضمه للجيش ألزامياً وكان هو آلة القتل المثالية التي يتم القاءها وسط الجموع لتتطاير رؤوسهم اسفل سيفه الضخم !
تم تعليمه الكثير من الأساليب القتالية التي صقلت موهبته بشكل خدم مصلحة المملكة التي توسعت خلال السنوات وتغيرت عما آلفهُ حينما كان طفلاً .
تغير الكثير والكثير عداه هو ، حقده وغضبه الدفينان يتسعان ، شعوره بالوحدة يتفاقم ، الحزن لم يعد له وجود ، قلبه كان خاوياً كعريشة مهجورة يملئها الغبار وأعشاش العناكب .
كان فطناً ذكياً مما جعل مرؤوسيه يعتمدون عليه في التعديل على خططهم الحربية فخلال الخمس سنين التي مرت درس السياسة وأساسيات الحرب وتكونت لديه خبرة عسكرية كبيرة من أرض المعارك .
كان مصدراً للقوة وللتهديد بذات الوقت ! سُمي باردوس على أسم إله الحرب في ديانتهم الوثنية أسم نال أعجابه وبفضل عقله وقوته خاف منه الحاكم لكون باردوس الوحش الذي أعتقد أنه روضه كان ولاءهُ لنفسهُ فقط لا لأحد آخر !
مما جعله يلقيه في أكثر الحروب بشاعة ودموية وبينما يموت رفاقه كان يعود مثخناً بالجراح كأسد شجاع لا يغلب شجاعته أحد . شعره طويل لحد خصره مظفور بظفيرة غليظة ولحيته كثة بعض الشيء ومهذبة لم يستطع التخلص من الوسوم فالحاكم وسم عليه نقشاً بدل وسم العبودية القديم دلالة على أنه أحد جنوده الغير رسميين ! أي يعيش فقط في أحدى البنايات التابعة للبلاط مع آخرين مثله أيتام او عبيد ولا هوية لهم تتم تغذيتهم طوال الساعات على مدار اليوم الواحد وتعذيبهم بالتدريبات القاسية التي يموت الاغلب وهم يخوضونها ويسعى القائد الاعلى المخول بهذه المهمة الى غسل عقولهم لضمان ولاءهم للحاكم الطاغية عدى باردوس الوحش الوحيد الذي لا يتروض .
بسبب ما آل إليه من حال لا أحد يضمن اتقاء شره وبينه وبين نفسه يخطط فعلاً للأنتقام والزأر بكل ما يملكه من صوت عالي في وجه كل ظلم تعرض إليه !
كان صباحه عادي أكل طعامه وحمل دروعه الخفيفة وارتداها وسيفهُ مُعلق على خصره جاهز لقطع الأعناق ، خيله البني الضخم ذو الشعر الاسود الهائج كليلة سوداء عاصفة يترنح وهو يركل الهواء بقوائمهُ الاربعة في كل اتجاه فرحاً لرؤية سيده ، خيله الذي أسماه زيزن اي الرمح في اللغة القديمة لبافاريا هو صديقه الوحيد ، المخلوق الذي خاض معه الحروب وخرج منها سليماً معافى مملوء بالندوب كحال صاحبه ، قوي غير مروض ولكن لسبب ما أحب باردوس وسمح له بأمتطاءهُ بلا سراج وكلما سقط عن ظهره وسط المعركة حام حوله يحميه حتى يركب من جديد وينطلق به نحو الاعداء ليتساقطون تحت ضربات سيفه الكبير الحجم صاحب النصل الحاد اللامع والمقبض الذهبي الضخم برأس أسد محفور عليه أسم باردوس هدية من أبنة الحاكم التي وقعت في حبه !
كان اليوم يوماً منتظراً للملك الطاغية وهو يخطط لأرسال جيشه برفقة باردوس الآلة الفتاكة لأحتلال أراضي جديدة يضمها إليه من الممالك الضعيفة او الناشئة منذ بضعة عقود ،
وجد نفسه وسط جماعة ذات وجوه بائسة وهم يخرجون بقوافل نحو أرض المعركة يقاسون الحر والبرد والجوع والعطش ويدفنون من يموت منهم في ظل هذه الظروف .
الى حدفنا نتجه بأقدامنا
في سبيل أسباب لا علاقة لنا بها
تضحية لبلد قدمنا قرابين في سبيل علو شأنه
حاكم طاغي ، رجل أشيب مغرور جبان كفأر حقل قذر يختفي خلف حاشيته وسلطانه ويرمي بكل هؤلاء القوم عبثاً للسيطرة على أناس مثلنا تماماً لا حول لهم ولا قوة !
نحن في عالم ظالم اذا لم نصبح وحوشاً كاسرة لن نعيش
واذا ما صرنا وحوشاً حاربنا هذا العالم اللئيم اكثر فلا نملك سوى الثغاب في وجهه قهراً ونحن نشهد لحظاتنا الاخيرة على قيده .
_____
غرز سيفهُ ببطن العدو وأخرجهُ بسرعة مُسبباً نزيف هائل جعل الدماء تغطي الارض والمقتول لفظ أنفاسه الاخيرة وهو يشاهد وجه باردوس أثناء مغادرته حياته !
باغتهُ فارس ملثم من الخلف ليلتفت اليه قاطعاً رأسه والدماء تُرش عليه كالماء ، ظفيرته الشقراء كسلاسل الذهب تتطاير حوله جسده مليء بالخدوش والغبار والعرق يغطيانه من رأسه لأخمص قدمه ، ذهبيتاه تتحركان بالأنحاء كضاري يبحث عن فريسة جديدة لأفتراسها وكان الأثنان آخر ما تبقى له من جيش العدو .
بعد شهور قضت على ثلاثة كتائب عاد هو مع ثلة منهم تستقبله جموع الشعب وهو على خيله ، ينظر حوله فيرى الهتافات والتهاليل وتسابق الناس لرؤيته ، قصاصات الورقة الملونة وبتلات الورود تتساقط عليه ، هتافات جماعية بأسمه رجت الارض رجاً ألبسوا خيله طوق من الورد كلما مر بثلة منهم والكل يمد يده لمحاولة مصافحته وللمرة الاولى في حياته يبتسم أبتسامة عريضة أظهرت الحفرتين في وجنتيه التفاحيتين وأنيابه المصطفة الى جانب أسنانه الشبيهة بعقد اللؤلؤ ، وأخذ يرفع يديه ويحيي الجموع وشعر بالغبطة والنشوة للمرة الاولى وكأنه ملك يُزف لعرشه ، وهو حر لا ينتمي ولاءه الا له .
وصل الموكب خاصته لأعتاب المملكة وهو يرتدي اطواق الورد وقلائد الذهب واللؤلؤ وأندر الاحجار الكريمة وضحكته الجميلة جعلته كشمس شديدة الأشراق في يوم ربيعي لطيف ، فبطولاته وقتالاته كانت تُنشر في الجرائد وتتناقلها الاسماع ومنذ بدايات ظهوره رفقة الفيلق بدأ ينال أهتمام الناس ووصل الأمر لدرجة الهوس ومنحوا له مكانة وحب غير مشروطين رغم كونهم لا يروه الا أثناء عودته مثكل بالجراح ثم يختفي خلف اسوار البلاط الملكي ولا يظهر الا لحرب أخرى !
الحاكم فوق في شرفات قصره يراقب الحشود ويستمع لهتافاتهم ويشعر بالخطر على عرشه ، فهذا الوحش الذي دربه بيداه سوف ينقلب عليه لا محالة وحينما ينقض عليه سيقطع عنقه بهذا السيف .
نظر للأسفل فشاهد أبنته وهي تقف عند البوابة أستعداداً لأستقبال الرجل الذي تحبه وهو لا يبالي سوى بنفسه وحبه لذاته .
كان وزيره بقربه ، وهو الآخر يتطلع لباردوس بالكثير من الحقد الدفين وينظر للجموع وهي تحيي ذلك الوحش الكاسر الذي صنعوه بأنفسهم .
همس له الحاكم "ورهاف" بفحيح كالأفعى ونظره لا يتزحزح من على باردوس :
-علينا التخلص منه بأسرع ما يمكن .
رد الوزير:
-أغتياله لن يكون سهلاً وقد يسبب استنكاراً وضجة بين الشعب المحب له .
رد وهو يزفر نفساً خفيفاً أحتقن في صدره :
-سنرسله لحدفه برجليه .
كان وزيره ينظر إليه بعدم فهم ثم يعاود النظر الى البطل القومي بالأسفل .
كان واقفاً بشموخ قصاد الجموع الهاتفين وهو يحييهم كما كان يفعل في حلبات القتال لكن هذه المرة ليست حلبة بل ساحة كاملة ممتلئة بالبشر تحييه كما لو كان ملكاً ، شعور ملئه بالنشوة والسيطرة وأشعره بالقوة ، كان مستغرباً من كل هذا الحب والتبجيل ثم تناهى لسمعه صوت أبنة الحاكم وهي تندهه :
-أهلاً بعودة بطل الأبطال وأسد الأسود ، نشكر الآلهة "تريستا" على عودتك سالماً .
كانت قصيرة نوعاً ما أمامه لكن بالنسبة للنساء كانت طويلة ممشوقة القامة ، ملامحها ناعمة وعينيها سوداوتين ناعستين ، تلبس فساتين مزخرفة بالذهب ومطرزة بالاحجار الكريمة وعلى رأسها تاج فخم مزين بحجر نادر يدعى ' تالوس' يُستخرج من جبال محيطة بالمملكة وهو شديد الندرة لا ترتديه الا الملكات لونه ما بين البنفسجي الفاتح والقليل من الاخضر ويغلب عليه لون فيروزي وكأنه البحر يتلاطم داخل زجاجة !
شعرها الاسود الطويل يستريح على كتفيها العريضين وعلى صدرها الممتلئ وصولاً لخصرها المياد الى اسفل وركها !
كانت أبنة الحاكم الوحيدة والعزباء الملكة " ميلوزا " أجمل أمرأة عرفتها المملكة ، ذات شخصية انطوائية فلا يعرفونها الا من خلال اللوحات التي ترسمها لنفسها وتنتشر عبر التجار الى انحاء العالم حيث يأتيها الخُطاب من كل حدب وصوب محملين بالهدايا والمهور الغالية لطلب يدها ، كانت لسبب غير معروف مصممة على العزوف عن الزواج وكان لسوء حظها باردوس هو الرجل الوحيد الذي وقعت له كحال كل الفتيات !
اول رجل أحبته وأول رجل صنعت قصص خيالية عنه في دماغها البريء ، ظنته فارس على جواد أبيض ولائه لها ولأبيها ولمملكتهم الآمنة والسعيدة فهذه الفتاة العشرينية تعيش داخل فقاعتها بعيد عن العالم منعزلة حتى عن عائلتها الملكية ، فأبوها مزواج وهي وحيدة والدتها لذلك تسكن في قصر صغير منعزل مع أمها تقضي وقتها بين الحدائق والرسم واللعب مع قططها ، او تسريح شعرها والتجمل أمام المرآة لساعات ، تكتب الشعر وتقرأ بعض الكتب العلمية والجرائد لمعرفة أخبار العالم . كانت فتاة جاهلة بما حولها وبالتالي تجهل طبيعة الرجل الذي أحبته طوال ثلاث سنين !
عيناها تلألأت لرؤيته والدموع تنافضت شوقاً إليه وتألماً على الجروح التي ملئت جسده وتركت أثرها عليه .
كانت تُمسك بين يديها طوقاً مصنوع من ورودها المفضلة وهي ترفع رأسها تتطلع إليه مكسورة الرقبة لطوله !
أبتسامتها واسعة بريئة متلألئة وكأنه كان ينظر لطفلة ،تلك مرتهما الاولى التي يتحدثان بها بشكل مباشر فوالدها لم يكن يسمح لها بالنظر إليه حتى او التفكير مجرد فكرة بالتحدث إليه محذراً إياها من كون باردوس رجل خطير ولا يؤتمن !
لكنها وبصفتها فتاة متمردة أستمعت لنصيحة قلبها وبتشجيع من وصيفاتها صنعت له طوق ورود ووقفت بأنتظاره مستعدة لأي عقوبة من والدها ، قلبها يطرق بعنف ولسانها يتلعثم ، وهي تنظر إليه بفرحة كسجين يرى شمس الحرية بعد سنين من العزلة ، كان يتمعن بها ولا يدري من تكون بالضبط ؟ لكن تاجها العظيم وحلتها التي جعلتها أشبه بإحدى آلهاتهم جعله يدرك أنها أبنة الملك الوحيدة وسط تسعة اخوة ذكور من نساء مختلفات !
أنحنى عليها ليرتدي الطوق فوقفت على أطراف أصابعها وألبسته إياه ودموعها تتقافز متساقطة كحبات مطر نقية على وجنتيها التفاحيتين وهي تبتسم أعرض أبتسامة حتى تشجنج فكها !
-نشكر الآلهة لعودتك سالماً يا باردوس .
راحت سوداوتيها تلتهمان تفاصيله عن قرب ، وأنفها يستنشق رائحته المليئة بالعرق والتراب كما لو كانت تستنشق باقة ورودها المفضلة !
-ممتن يا جلالة الملكة .
زادت خفقات قلبها حتى شعرت به كاد يغادر محلقاً حول فارسها الأشقر وهي لا تدري كيف تفتح موضوعاً للحديث وسط هذا الصخب فقررت الحديث دون تفكير مخافة رحيله وعدم رؤيته الا لبعد شهور او سنين !
فهي لا يُسمح لها بالخروج الا للحديقة ومحيط القصر وهو في الثكنات الخاصة بالجنود هناك ماكثاً فقط روحها وقلبها وعقلها من يزورانه !
-أنا أحبك .
توسعت حدقتيه وهو يستشعر غرابة هذه الكلمة وهي تُمرر الى مسامعه ! فتاة وأبنة ملك وتُحبه !
اول ما خطر في باله وسئلها إياه مباشرةً :
-لماذا ؟
عاقداً لحاجبيه وهو ينحني عليها أكثر يستمع لصوتها المختفي وسط تهليلات الحشود لبقية القادة الذين وقفوا خلفه فحجبوه بغير قصد وكأن القدر خصص هذهِ اللحظة لهما فقط !
-لما لا أفعل ، أنت بطلي وفارس أحلامي وأول رجل مميز عن الجميع ، لقد خطفت قلبي وأنا لم أرك الا من بعيد ، أحبك منذ ثلاث سنين خلت يا باردوس ولم أستطع مبادلتك كلمة واحدة الا الآن .
كان صامتاً عاقداً لحاجبيه يتفحصها بذهبيتيه يستوعب حديثها !
-لا أفهم شيئاً ؟
رفعت حاجبيها ثم ضحكت فمسكته من يده الضخمة وراحت تشده وهي تضحك بمشاكسة فتبعها وهي تقوده لتخطفهُ بعيداً عن الضجة دون ملاحظة أحد حتى أبيها الواقف في الشرفة غفل عنها وهو يخطط مع وزيره ما سيحصل لباردوس .

يتبع .....

وحش بلا إسم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن