١١

11 4 0
                                    

< الزمن يغير الكثير ، يجعلنا نكبر ونتعلم ونفهم ونعي كل ما حولنا ، نعي أسباب ما يحصل ونتوقع على إثره ما سيحصل .
نعترض ونزعبر ونفعل كل شيء في سبيل الا يتحقق السوء الذي حدسنا يُخبرنا بوقوعه .
سمعت كثيراً إن الزمن يداوي الجروح ، لكن جروحي لا زالت مفتوحة طازجة كما لو أنني أُصبت بها أمس >
__________________________

الرفيق

<يحدث أن تلتقي بنصفك الآخر في الوقت الخاطئ >

مر عامه الأول ونضج كثيراً ، أمتلئ جسده بالندوب ، إحدى أبنتي سيده < ليلى > لم تتركه بحاله ، كانت تضايقه كثيراً ، سواءً بالكلام أم بالأفعال وتتسبب بضربه في كثير من الأحيان .
أجاد لغة نيثيني لكنه رفض نسيان لغته الأم ولكونه تربى على السرقة فكان يسرق بعض الطعام ليأكله ، بدأ يخطط للهرب ولكنه يفشل .
صار باركس رفيق روحه ، فقد كان الأصهب طيب القلب وعبقري يجيد كل اللغات وعلى عكس جيرو فهو يجيد القراءة والكتابة وحاول تعليمه لكنه رفض بعناده .
لم يكن أحد يكتشف السرقات التي يقوم بها ولكونه كان رفيق سوء فكان يجر معه باركس الذي يغطي على أفعاله
لم يتقرب من الأولاد الآخرين ولازم رفيقه ، العام التالي بات يتكاسل أحياناً عن عمله وباركس يؤديه بدلاً منه ، وأحياناً يخرجان كلاهما يتوجهان سراً نحو المدينة يتجولان ، جيرو يسرق الناس ويحتفظ بأموالهم تنفيذاً لخطة هربه .
كان الميناء مكانهما المفضل ، حيث البحر والهواء العليل ولكون باركس مولعاً بالكتب فكان يعشق التنزه بالمكتبات وشجعه جيرو على سرقة الكتب إن لم يمتلك ثمنها !
______
< كبرنا وكبر همنا ، تجاهلنا مشاكلنا ، وركزنا على تفاهاتنا ، ننبذ التعب والمشقة ونلهو هنا وهناك وكأننا لا زلنا صغاراً ، نعوض ما فقدناه في طفولتنا البائسة >
في يوم مشمس ربيعي وبهيج أنتصب جذعه ومدد جسده ، بشرته البيضاء محمرة تماماً بفعل الشمس . الهواء يتخلل شعره الأشقر ويقلب خصيلاته ، ذهبيتاه الحادتين تطالعان الأفق .
جيرو البالغ خمسة عشر ربيعاً ، بدأ في مرحلته نحو البلوغ ، جسده ضخم البنية وطويل القامة ، على عكس صاحبه المثقف باركس الذي يماثله عمراً كان ناعم البنية ضعيف الجسد وهو الآخر بشرته محمرة نتيجة العمل تحت أشعة الشمس .
-ما رأيك لو نذهب للمدينة ؟
قال بصوته الرخيم ليظهر القلق على ملامح صاحبه قائلاً بصوته الرفيع :
-لكن فترة الأستراحة لم تأتي بعد !
أقترب منه وتلك الأبتسامة على شفتيه تظهر ساخرة :
-الا زلت جباناً بعد كل المغامرات التي خضناها ؟
-أُفضل أن ننتظر فترة الأستراحة .
عقد حاجبيه هازاً رأسه ليرد جيرو ساخراً :
-لماذا ؟ كي نرفه عن الأميرتين المدللتين ونتعرض للمزيد من الضرب !
صمت ولم يرد عليه ليمشي متجاهلاً رفيقه بين الحقول .
-أنتظر الى أين أنت ذاهب ؟
هرع يركض خلفه يطالع ما حوله مخافة أن يشاهدهما أحد ، فهما حتى وإن تنفسا بشكل خاطئ تعرضا للضرب ! جنون السيد بانلغتون يزداد يوماً بعد يوم ولحد هذه اللحظة لم يكف عن شراء العبيد ويكون باركس هو دليلهم ومعلمهم .
-أنا ذاهب للمدينة .
مشيا بجانب بعض ليعانق جيرو الطويل عنق صاحبه القصير القامة حتى خنقهُ وهو يفرك مقدمة رأسه قائلاً بسخرية :
-كنتُ أعلم أنكَ لا تستطيع الأبتعاد عني .
أفلته بعد أن لاحظ أختناقه وتابع المشي تاركاً رفيقه يسعل لاهثاً أنفاسه ليتبعه قائلاً ولا زال يتلفت حوله :
-لكن سنعود بسرعة والا تعرضنا لعقاب أليم .
تجاهل ما قاله ومشيا حتى خرجا من الحقل ولكون المسافة بعيدة فمكثا ينتظران اي عربة قادمة ليركباها ثم يهربان قبل أن يطالب صاحبها بدفع الاجرة !
وهذا ما حصل ولاذا بالفرار ، وتمشيا وسط الشوارع النظيفة جنباً الى جنب وعند محل بائع الخبز سرق جيرو واحدة ولكونه بات أمهر بالسرقة فلم يلاحظه أحد .
كلما مر بقربه شخص يسرق منه أما أموال او ساعة جيب او اي شيء قد يجده مثيراً للأنتباه .
توقف باركس أمام مكتبة ووقف رفيقه يطالع بذهبيتيه الحادتين تلك الكتب التي لم يفهم منها شيئاً ولم يهتم بمحتواها يوماً مع ذلك كان باركس يصر على قرائتها على أسماعه كلما سرق واحداً .
دلف صاحبهُ مهووس الكتب كما يسميه وراح يطالع تلك الكتب المعروضة .
-إذن إيهم تريد ؟
سأله يتفحص معه الأغلفة والعناوين وأعين باركس متوسعة يطالع تلك العناوين برغبة كبيرة وكأنه سيلتهم تلك الكتب .
-لا أعلم فكلها جذبتني إليها .
أنحنى جيرو قارئاً تلك العناوين مضيقاً لحدقتيه ، لا يفهم حقاً ما الذي يجذب صاحبه لهذه الكتب المعقدة .
-لنسرقها جميعاً إذن .
قال لصاحبه بأبتسامة واسعة كشفت عن أنيابه الشبيهة بخاصة السنوريات ليبتلع الآخر ريقه وراح يراقب المكان بينما صاحبه دس ثلاثة من تلك الكتب داخل ثيابه وتبعها الرابع والخامس قبل أن يراهما شخص من الواجهة الزجاجية !
قال جيرو بعد رؤيته للرجل بأعينه الذهبية المتوسعة :
-لنهرب .
ركضا خارجاً وصراخ الرجل خلفهما جذب الأنتباه ليأتي صاحب المكتبة ويهلع .
أي أحمق سيفكر بسرقة كتب !
وما الذي سيستفاده ؟ لم يعلم أحد بوجود مهووس كتب قد يفعل أي شيء للحصول عليها !
ركضا حتى ضاعا بين الحشود ثم دلفا لزقاق أحد الأحياء وارتكزا على الحائط تحت أنظار الفتيات الجميلات اللاتي كُن يطالعن من النافذة لهذين الاثنين متضاحكات ووسامة جيرو لفتت أنتباهن .
عكس باركس الذي لم تنظر له فتاة يوماً !أخرج الكتب موقعاً إياها على الارض ليلتقطها صاحبه ويحمل منها ثلاثة تاركاً اثنين عنده .
وتحت همزات ولمزات الفتيات تمشيا متضاحكين .
وفجأة سعل باركس موقعاً كتبه وساقطاً على الارض ووجهه أُحمَر بالكامل وكأن الهواء لا يدلف رئتيه وجيرو الفزع يضربه على ظهره ظناً من كونه يختنق .
تمدد على الارض يدلك صدره ويشعر بحرقة كبيرة برئتيه ووجع شديد بصدره جعلاه غير قادر على الحراك لبعض الوقت .
-هل أنت بخير ؟ باركس أجبني !
صوت جيرو الفزع ونظراته القلقة منحته شعوراً بالأمان وبعد مضي وقت نهض تحت نظرات صاحبه المصفر وجهه ومسح وجهه قائلاً بصوت منخفض :
-أنا بخير .
-متأكد ؟
لم يشأ أقلاقه أكثر لذا حمل كتبه قائلاً :
-لا تقلق علي أنا بخير .
تابعا المشي ولم يخف عن جيرو شحوب وجه صاحبه والتعب الذي ظهر عليه على حين غرة .
بعد العشاء خلد للنوم مباشرةً مثيراً قلق صاحبه أكثر فباركس لم يأكل جيداً ونام وذلك السعال يرافقه .

يتبع....

وحش بلا إسم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن