الجزء ٢٢ : خطر في الأفق

264 17 43
                                    


ما أجمل المكان هناك و ما أشد هدوءه! كاد أن ينسى كم كان المنظر جميلا من على شرفة جناحه في القصر.

وقف يراقب المارة من هناك، يستمع لأصوات الأطفال و هم يركضون هنا و هناك، يلعبون و يمرحون فرأى وسطهم أخاه ثور بعمر العاشرة، ما كان له أن لا ينتبه له حتى و لو جلس وسط مئات من الأطفال...

رائحة الخبز تنبعث من السوق، رائحة العنب و الشراب... أغمض لوكي عينيه يستنشق كل تلك العطور دفعة واحدة، يملأ بها رئتيه فتكاد تغرقه الذكريات...

لقد أمضى نصف يومه هناك، الليل على وشك أن يحل و هو لم يفكر بالرحيل بعد... لم يرد الرحيل، والدته هناك... منزله و موطنه، كل شيء على ما يرام، لكنه بعيد كل البعد عن المثالية... ليس و غياب تلك الفانية لا يزال يؤرقه...

على الكرسي خلفه جلس لوكي الأصغر يراقبه عاقدا حاحبيه، لم يعجبه بقاءه كل تلك المدة، خاصة و أنه إتخذ من جناحه مركزا له، يعيث فيه فسادا كما يشاء... يترك بصماته على أثاثه و يحرك كتبه من مكانها كما لو كانت ملكا له! لم يكره لوكي شيئا أكثر من أن يضطر إلى رؤية شخص غيره يعبث بأغراضه، حتى لو كان بذلك النبل الذي يدعيه!

إن لوكي ذكي، بل حاد الذكاء... حتى بالنسبة إلى فتى بعمره! يعلم أن هناك سرا وراء ذلك الغريب، إذ كيف لوالدته أن تتركه هناك و حسب!؟ أن تأتمنه عليه و تخبئه هناك في غرفة إبنها الصغير؟!

وقف لوكي الصغير و مشى نحوه يضيق عينيه في شك و هو يراقبه يحدق بالخارج مبتسما ببلاهة...

"إذا ... متى ستعود إلى منزلك؟" يسأله فليتفت نحوه مستغربا لوكي كمن إنتبه لوجوده هناك توا...
كيف لا يستغرب الأمر و هو يقف أمام نفسه هكذا؟!

"سأرحل قريبا!" يقول لوكي محاولا الإبتسام لكن الصغير يهز شفته مستنفرا ثم يقترب من الشرفة أكثر، يقف على أطراف أصابعه و يحدق بأخيه في الخارج رفقة باقي الأطفال...

"لم... لم لا تذهب و تنضم إليهم؟ لماذا تختبىء هنا وحيدا؟" سأله لوكي فإلتفت الصغير إلى الأعلى نحوه لبرهة قبل أن ينظر إلى أخيه مجددا...

قد لمح لوكي بالفعل بعض الحزن في عيني الصغير حين نظر في عينيه قبل أن يشيح بهما مبتعدا...

"أفضل أن أتعرض للطعن في عيني... إنهم أغبياء و لا يفعلون شيئا غير الصراخ و الجري في كل مكان، لا أحب الأماكن المزدحمة و لا الأصوات العالية... لدي كتبي هنا، هذا كل ما أحتاجه" أجابه الصغير كما لو كان فيلسوفا ما بعمر الثمانين فإبتسم لوكي بألم حين تذكر طفولته، كان يمضي معظم وقته هكذا وحيدا، يقرأ كتابا أو يتعلم تعويذة جديدة، لم يكن يملك الكثير من القواسم المشتركة مع ثور أو أي من أصدقاءه... لطالما شعر بأنه مختلف... لكن و الرغم من كل الذي قاله ذلك الفتى الصغير إلا أنه يعلم الحقيقة جيدا، كان لوكي يتوق لأن يكون جزءا من مجموعتهم المشاغبة تلك، أن يركض معهم و يصرخ ملىء رئتيه كما يفعلون... لكنه كان خجولا منزويا و ظنوا هم أن ذلك كان ترفعا منه فلم يطلبوا منه الإنضمام إليهم...

تَوْبَةُ إِلَه _____ A God's repentance (مكتملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن