11

3.6K 107 0
                                    

الفصل الحادى عشر________________________مدن الأحزان

أدخلني حُبك سيدتي مُدن الأحزان وأنا من قبلك لم أدخل مُدن الأحزان
لم أعرف أبدًا أن الدمع هو الإنسان أن الإنسان بلا حُزن ذكرى إنسان
علمني حبك أن أتصرّف كالصبيان أن أرسم وجهك بالطبشور على الحيطان
يا امرأة قلبت تاريخي اني مذبوح فيكِ من الشريان الى الشريان ..
نزار قبانى
سأسافر !! سأرحل لن اتمكن من البقاء ولا المسها ولا اراها .. نتعامل كغريبن هذا يفوق الاحتمال ,,, تعلل بانهاء بعض الاعمال في الخارج ورحل لكنه كان يهرب ..
بعد اسبوعين عاد من سفره المرهق ...حاول ارهاق نفسه بزيادة حتى يستطيع ابعاد تفكيره عنها... هام علي وجه بدون هدف فهو لم يكن لديه مكان للعودة إليه,, بدونها لا وطن له ...وأخيرًا تعب من اللف فقررالعودة... حجز لنفسه جناح في فندق قريب من شقتها فلربما وهو يراقبها يستطيع حتى لمحها ولو من بعيد...فهذا يكفيه للآن,, لن يستطيع حرمان نفسه من رؤيتها... أن يملي عينيه بجمالها.. يطمئن عندما يراها حتى ولو لم تره هى ..
الدراسة من المفترض أنها بدأت منذ اسبوع...وستعود لكليتها ...ستندمج في حياتها القديمة وتنساه...هو سيصبح مجرد ذكري سيئة عانت منها .. وبالتأكيد ستريد التخلص حتى من تلك الذكري ...
تعجب من قدرته العجيبة والتى مكنته من القسوة عليها من قبل ... كيف يمكن لأي مخلوق لديه قلب ينبض أن يعامل تلك الملاك بتلك القسوة ولاسابيع,, وتعجب أكثر من صبرها عليه كل تلك المدة التى حبسها فيها ومنع عنها جميع اشكال التواصل لكنها كانت صامدة بشكل مدهش ...
طوال فترة اقامتهما في المزرعة قبل رحلة القاهرة المشؤمة كان يسمع ضحكتها... يسمعها وهى تتحدث مع موظفي المزرعة بتواضع ...يراها تجلس في المطبخ تسلي صفية ...ويراها ترتدى فستانها الأصفرالمميز وهى تجلس في التكعيبة تستمع إلي الموسيقي وتقرأ من مكتبته,, كل الكتب التى احبها شاركته فيها ..
لقد دخلت قلب جميع العاملين في مزرعته ودخلت قلبه هو من اوسع ابوابه...لقد كانت فراشة قلبه ولم تكن فراشة المجتمعات المخمليه كما كان يعتقد,, هو من احرق جناحيها بقسوته وعنفه ومنعها من التحليق برقة كما كانت تفعل قبل معرفتها به ..
الدموع اغرقت عينيه ... أنها الوحيدة التي استاطعت أن تجلب الدموع إلي مقلتيه طوال حياته ... فلأول مرة في حياته يبكى,, افتقدها بشدة ..
حياته بدونها صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء ...لكن بدايتهما كانت خاطئة...فكان لابد لنهايتهما أن تكون بذلك الشكل المحزن... غلطته في حقها لا تغتفر...آه لويعود الزمن إلي الوراء فهو لم يكن أبدًا ليؤذيها بل كان ليحافظ عليها ويحميها حتى من نفسه...
فكلما اغمض عينيه تعود ذكراها وهى مشوهة بوحشية بسبب كونه حيوان غبي ... كان لابد له من معاقبة نفسه بمقدار جريمته في حقها...
رنين هاتفه الجوال قطع افكاره ..
مرحبًا أمى .. كيف حالك ؟؟ -
- خالد نحمد الله علي سلامتك .. متى وصلت يا حبيبي ؟ لماذا لم تتصل بي ؟؟
- فقط منذ ساعة وكنت سأتصل بكِ حالا ..
- سننتظركما علي العشاء ..احضر زوجتك معك ..
أوف .. كيف سيبرر غياب سارة ؟؟ ... - سأحضر بالتأكيد .. سأدعو ياسين للعشاء أيضًا .. اخبري شيماء لتستعد لكنى لا اعلم ماذا ستكون ظروف سارة .. أنتِ تعلمين الحمل والوحم ..
فقط رؤيتها ولو من بعيد ستحيه وتعيد ري جفاف عروقه التى التحمت ببعضها من شدة جفافها .. لا اراديًا اخذته قدماه إلي كليتها علي أمل أن يراها وهى تغادر ... اوقف سيارته بعيدًا عن البوابة وانتظر يراقبها بلهفة,,
من مكانه استطاع رؤية السائق العجوز الذى خصصه لها وهو ينتظرها .. خرجت أخيرًا من البوابة وصدمته جعلته ينهار كليًا .. التى خرجت لم تكن وردته التى يعرف ..لم تكن تلك التى تشع بهجة ومتعة للناظرين بل كانت شبح هزيل ..
انخفض وزنها بدرجة مخيفة ولونها اصبح شاحبًا كلون تمثال من الشمع الأبيض ... "مطفية حزينة "... ذبولها واضح علي محياها الجميل .. الألم ينبض فيه بقوة مع كل خطوة تخطوها وتقربها من مرمى رؤيته فيلاحظ ما فعله الزمن بها بوضوح أكثر ..
أين حتى الوزن المفترض أن تكون اكتسبته مع الحمل ...؟ وعلي الرغم من أنه انتوى مراقبتها من بعيد فقط ليملي عينيه بها لكن قوة سحرية وجهته حتى وجدته أمامها وجهًا لوجه ...
صرف سائقها وقال آمرًا ...- انصرف .. أنا سأوصلها بسيارتى
ليهز السائق رأسه باحترام ويغادرالمكان فورًا بسيارتها ..
تأملا بعضهما بصمت...فلربما لحظات التأمل تقتل اشتياقهما الذى طال امده ...
شعرت بأن قلبها سيتوقف من فرط سعادتها لرؤيته ...أخيرًا وجهه الوسيم تراه في الحقيقة وليس في احلامها وعطره يعيد الاتزان لجسدها .. عاتبته عيناها بصمت " لماذا غبت كل هذا الوقت ؟؟ " ...
فقدت أي مجهود حتى الكلام اصبح يجهدها .. افتقدته لدرجة أنها مستعدة لتنفيذ أي طلب يطلبه منها ويجعلها تراه لدقائق اطول ... وعندما فتح لها باب سيارته الأمامى واشار لها بالدخول ركبت بدون تردد.. بدون كلام وعندما تقابلت عيونهما حديث العيون اغناهما عن الكلام بألسنتهما ..
كان قلبه أيضًا سيتوقف من شدة لهفته عليها .. من خفقانه المجنون .. من سعادته الغامرة بسبب موافقتها السهلة علي اصطحابه لها ... سيستغل استسلامها لاقصى درجة ..
نحن مدعوان اليوم للعشاء..-
**
الدقائق مرت بسلاسة .. لن اتحدث ولا تتحدثى لكن رائحتك تملىء عقلي وذبذبات جسدك تمليء فراغ حياتى ..
ومع الدعاء والاخلاص فيه يأتى الفرج .. الفرج تمثل في عودته ولتهتف عزيزة بارتياح غامر لا يخلو من اللؤم عندما فتحت لهما باب الشقة ووجدتهما معًا...- منذ رحيلك وهى ترفض الطعام .. من الجيد أنك عدت لتطعهما بنفسك ..
نظر إليها بعتاب ...- لماذا لا تأكلين؟
خفضت عينيها وقالت بحزن واضح ..- لا استطيع .. لا شهية لي علي الاطلاق
امرها بلطف... - حسنًا .. استعدى سنغادر لمنزل أمى بعد قليل وسأطعمك العشاء بنفسي ,,
سألته بألم ..- من أجل صحة الطفل ..؟؟؟
- من أجل صحة أم الطفل .. تصحيحًا لمعلوماتك .. الطفل العادى يأخذ احتياجاته كاملة من جسد الأم ولا يهتم لضعفها .. يؤمن نفسه وينمو علي حسابها كعلقة طفيلية ,, فما بالك بطفلي .. ؟ اكمل بفخر .. - سيكون قوى كوالده ولا اريد لهذا الشقى أن يتسبب لكِ بالأذى ..
الفكر الذكوري مجددًا .. يرغب بطفل ذكر ويتجاهل الحديث عن طفلة .. ربعت ذراعيها أمام صدرته وقالت بتحدى..- ربما ستكون طفله .. ما ادراك أنه طفل ..؟؟
ابتسم بحنان ..- طفل أو طفلة لا فارق مطلقًا .. ذكري لطفل بداخل احشائك يشمل الاحتمالين وحتى طفلتى ستكون قوية ولن تصمد رقتك أمام قوتها .. لذلك من اليوم سأتولي اطعامك بنفسي ..
مجددًا يتغاضى عن الطلاق ويفتح سكة الوصل .. بل ويتصرف وكأنهما مازالا زوجان .. كيف وأين سيطعمها بنفسه ..؟
لكنها لم تتساءل ..اكتفت بالأمل ..بعد الغياب المضنى اصبحت علي استعداد لتتبعه إلي أي مكان وحاليًا لا يهمها إلي أين سيأخذها طالما هما معًا مجددًا ..
ادركت أنه قرر اعتماد " سياسة الاستعباط " والتعامل علي اساسها وهى أيضًا ستجاريه وتتصنع العبط ,,, حياتها معه كانت صعبة جدًا لا خلاف علي ذلك مطلقًا, لكن حياتها بدونه مستحيلة فالاسبوعين الماضيين كانا اشبه بالحياة في الجحيم
أمام المرآة الضخمة التى تحتل جدار كامل من غرفة الملابس وقفت تراقب بطنها وهى بملابسها الداخلية .. مازالت بطنها مسطحة ولا يوجد أي اثر لحملها بعد.. لكن حديثه عن الطفل سبب لها النشوة الشديدة والسعادة ..
فجأة فتح باب غرفتها ليدخل منه خالد الذى ادار وجهه للاتجاه البعيد عنها عندما لاحظ ما كانت ترتديه ...الدماء هربت من عروقها واسرعت بارتداء روب حريري فوق ملابسها الداخلية ..
- قبل أن تسبينى أو تعترضى .. صممت داده علي دخولي واوصلتنى لباب غرفتك بنفسها ولم اعرف كيف اتصرف,,
عندما شاهدت هديتى لكِ اصرت علي أن اهديكِ اياها في الحال..
ومع كلامه فتح علبة مخملية مربعة كبيرة كان يحملها في يده لتشاهد بداخلها قلادة ماسية ضخمة تخطف الابصار ..
فهتفت بألم ...- خالد!! أنا لا استطيع قبول هديتك .. بأي صفة سأقبل منك هدية ؟
غامت عيناه بغضب .. اقترب منها وامسك كفها بقوة ليقول بتوضيح سبب لها خفقان سريع في القلب...- لن اتوقف يومًا عن تقديم الهدايا لكِ ..ستظلين زوجتى لأخر يوم في عمري حتى لو كانت الحقيقة بالنسبة لكِ غير ذلك .. تذكري دائمًا أن طلاقنا كان بناءً علي رغبتك وبسبب وعد ارتبطت به وأنا لا انكث وعودى مطلقًا ..
ولتأكيد كلامه ادارها برقة والبسها القلادة .. يده استغرقت وقت اطول من المعتاد وتلكعت وهو يبعد شعرها عن رقبتها
القلادة خطفت عقلها .. كيف لحلية أن تعبرعن حالة وحياة كاملة ؟؟ الماسات صفت علي رقبتها متلصقات علي شكل دموع.. " دموعها " ..
علي عينه أن يتركها الآن لكن هذا اجباري .. نظرإليها مطولا بحسرة وهو مازال يضمها من الخلف .. اعاد شعرها برفق إلي مكانه وتنشقه ليمليء رئتيه بجرعة منها تكفيه لبعض الوقت .. ثم غادروتركها بمفردها لتكمل ارتداء ملابسها ...
حالة النشوة التى تركتها تطير فوق السحاب تركتها أيضًا بلا تركيز والملابس البسيطة لا تحتاج إلي الكثير من التركيز .. اختارت ملابسها بلا تكلف ..ارادت الشعور بالحرية والفستان القطنى المنقوش الواسع سيكون مناسبًا جدًا .. ارتدت فوقه سترة من الجينز الأزرق .. واختارت حذاء جملي بدون كعب نظرًا لحالتها الراهنة وحقيبة يد متجانسة معه وخرجت بدون أن تزيين وجهها بأي شيء فهى نادرًا ما تستعمل ادوات الزينة وأيضًا اصبحت تعد ملابسها للحجاب ...الخطوة التى تأخرت كثيرًا ...
وعندما رأها نهض وسألها...- مستعدة ؟
هزت رأسها بالايجاب ...فتناول يدها في يده,, مازال يتصرف وكأنهما زوجين,, بدون كعبها بالكاد حصلت كتفه ..ومع وزنها الذي انخفض كثيرًا وعدم وجود أي زينة علي وجهها .. ظهرت في طلتها وكأنها طفلة صغيرة
ربما كان يمازحها ليخفف من توترها وربما كان يتحدث بحسرة فلم تستطع التحديد ونبرته كانت فقط مختلفة وهو يقول .. - اعتقد أن الشرطة ستوقفنى بتهمة خطفك .. أنتِ بريئة وصغيرة للغاية والآن بالكاد تصلين للخامسة عشر بمظهرك هذا .. أنا في سن يخولنى اكون والدك لا زوجك ..
لثانى مرة يذكر فارق السن بينهما .. منذ معرفتها به وهى لم تضع أي حساب لذلك الفارق لكنها تعلم أنه يفكر فيه كثيرًا .. علاقتهما الآن وليدة كطفلها تمامًا وأي عثرة تعيدهما للخلف اميال .. الكلمات تؤثر بالسلب أو بالايجاب وتجعل العلاقة تتشكل علي اساسها .. الرد المنطقي الوحيد الذى استطاعت تكوينه كان ..- اذًا علي المتشككين النظر مجددًا إلي بطنى ليعلموا اننى لست طفلة بل سيدة تحمل طفل زوجها .. لكن للعلم هذه ميزة أن ابدو اصغر من عمري .. لن اشيب سريعًا
حولت بذكاء حسرته لغضب .. - من سيدقق النظر إليكِ سأقتله ..
***

 عطر القسوة : ﺑﻘﻠﻢ ﺩﺍﻟﻴﺎ ﺍﻟﻜﻮﻣﻰ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻋﺸﻖ ﻣﻦ ﻧﺎﺭ ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﺍﻷﻭﻟﻲ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن