12

3.3K 93 0
                                    

الفصل الثانى عشر ___________ نفس مطمئنة

" روحي وروحك حبايب من قبل ده العالم والله "
شيء غامض يربطهما لا تدري كنهه لكن لا يخيف مطلقًا .. بل يطمئن ويريح ويزيل التوتر .. لم تكن لتجرؤ علي تلك الزيارة لولا وجوده بجوارها.. اتحاد الارواح وتناسخها حقيقة أم خيال ؟؟ ربما هما كانا في الماضى متحدان .. من الاف السنين أو مئاتها ..
لكن لا,, لن تخالف العقيدة الاسلامية فالأية القرآنية صريحة ..
(( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ))
كل الأرواح تعود إلي بارئها بمجرد الوفاة,, اذًا فالتفسير الوحيد لما يحدث معها هو ظاهرة " الديجا فو أو حدث من قبل " هل كانت معه هنا من قبل ؟؟
المشهد كله مألوف وكأنها عاشته من قبل بكل تفاصيله واحداثه بكل انواع الظاهرة الثلاثة الحسية والسمعية والبصرية كما قسمها علماء النفس.. حتى أنها علمت أن خالد سيدعمها فتشجعت قليلا .. لكن الهدوء المثير للقلق السائد في منزل والدها اثار فضولها فدائمًا فيلا الجباس كخلية نحل .. وترددت في النزول من سيارته التى اوقفها أمام الباب ..
- خالد أنا اشعر بالقلق .. هناك خطبًا ما صدقنى .. اعدنى لمنزلي ..
اصبحت شفافة له بدرجة تثير السعادة وتثير النشوة ..أن تذوب بالكامل في شخص ما أمر تعجز الكلمات عن وصفه .. ربما تنحنى الجبال لهيبته وقوة تأثيره علي اتحادهما .. " نعم " شعر بتوترها الشديد في قلبه وبداخله تلاقت افكارهما ..
توترلاحظه منذ مكالمتهما في الصباح ... لكنها قالت " اعدنى لمنزلي " ياه ... أخيرًا انتمت إليه كليًا وشعرت بالأمان في منزله.. أمان فاق أمان المنزل الذى قضت فيه طفولتها وظل الرجل الذى يسمى والداها .. فاستدار إليها واحتوي وجهها بين كفيه ليقول بحزم حنون ..
- لا اريدك أن تشعري بالخوف مطلقًا وأنتِ معى حبيبتى .. لن اسمح أن يصيبكِ أي ضرر .. حتى الرمش الساقط من عينك سأحميك منه,, لا تحملي الهم طالما في صدري نفس وفي جسدى قوة ..
وأي دعم كانت ستريده أكثر من كلمات نزلت كبلسم علي جروح نازفة .. تشجعت وهبطت من السيارة وهى تتعلق في ذراعه بقوة ولكن الهاجس الذي يحتل عقلها يرفض أن يتركها ويرحل لحال سبيله...ولأول مرة الحراسة المسؤلة عن تأمين والدها لم تكن موجودة في مكانها المعتاد بجوار الباب ..
ستتصرف كضيفة .. كعادتها في هذا المنزل الذى دائمًا استقبل زوجات والدها .. كل زوجة كانت تعاملها كضيفة حتى انها اقتنعت بذلك تمامًا .. وانتظرت الخادمة لتدخلهما إلي الصالون الملحق بمكتب والدها بل وتعطيها الاذن بالدخول .. " الخادمة تملك هنا حقوقًا أكثر منى "
فيدخلا يدًا بيد يتحديان المجهول .. يتحديان حتى قلقها وتوترها ,, كانت تشعر أن القبر المغلق سينبش الآن لتخرج منه مصيبة تؤتى علي الباقى القليل من علاقتها بزوج لم يعد زوجها حتى ..
علي العكس منها خالد كان مسترخيًا وكأنه في نزهة .. حسدته علي رباطة جأشه وقوته..." رجل المهام الصعبة "
وفور استقرارهما علي المقاعد اغلق والدها الباب وحيا خالد بجفاف .. ومن علبة صدفية أمامه اخرج سيجار وعرضه عليه..
ليرفض بتحدى واضح ...- لا يجوز التدخين في حضور السيدات سيادة الوزير,, وخصوصًا في حالة سارة الراهنة .. سننتظر بالخارج حتى تنتهى من سيجارك أو نعود في وقت لاحق تكون فيه اهدأ ولا تحتاج للتدخين ..
كالمعتاد خالد القوى هو الوحيد القادر علي تحجيم والدها وفرض رأيه عليه ...
ابنته تحمل طفلا .. وقع الكلمة له صدى غريب .. الم في البطن .. راحة .. ترقب .. سعادة .. خوف ..
تراجع واغلق العلبة ونحاها جانبا .. ثم رفع سماعة الهاتف الداخلي وطلب رقم ...قال بلهجة آمره .. - اريدك في مكتبي فورًا .. ثم ليسود الصمت لحظات .. جميع الاطراف تترقب .. تتأمل .. تنتظر ما سيحدث ..
الهدوء قطعته تالا بدخولها بهدوء يماثل هدوئهم .. كانت ترتدى فستان قديم من فساتينها التى تركتها في غرفتها في فيلا والدتها .. والمدهش شعرها العسلي طابق شعرها تمامًا,, نفس تسريحتها,, نفس اكسسوارتها .. نفس طريقة مشيها...
تالا حولت نفسها لنسخة فعلية منها ... وسقط فكها ببلاهة عند رؤيتها للتحول الواضح في مظهرشقيقتها ...لم تستوعب لماذا ترتدى تالا ثيابها فهى لديها خزائن ثياب لا تنتهى ..
وعندما شاهدها والدها قال بلهجة صارمة...- تالا ...كرري أمامهما ما اخبرتينى به من قبل .. تكلمى بحرية لا توجد حراسة عند الابواب لتسترق السمع .. من أنتِ يا فتاة ؟؟ تالا أم سارة ؟؟؟ أنا عقلي سيقف من التفكير .. من التى سلمتها لعريسها..؟؟ اشار لتالا بعجز وهو يوجه حديثه لخالد .. - أنت تزوجت تالا وليس سارة .. هى تقول ذلك وأنا اعجز عن التفريق بينهما ..
تصنعت الخجل وهى تحنى رأسها أرضًا....- أنا سارة يا أبي وأنا التى قضيت الليلة في مزرعة خالد .. في فراشه بعد ما تراجعت عن سفر الاسكندريه مع وائل وطلبت منه أن ينزلنى في الأراضي الزراعية,, اكتشفت انى لن استطيع تنفيذ وعدى بتسليمه نفسي هناك كما اتفقنا قبل رحيلنا ..
ثم شاهدت المزرعة واتجهت إليها .. واستغلنى خالد يومها بطريقة اخجل من وصفها ثم زوجته أنت تالا بدلا منى .. وخدعتك واجبرتنى علي الموافقة .. تالا خبيثة شريرة .. وبدأت دموع التماسيح في النزول بغزارة من عينيها .. ثم رفعت هاتفها النقال لتريهم الصورة " السلفي " التى التقطها وائل لهما فى ذلك اليوم .. ملابسها ذلك اليوم لا تترك مجالا للشك وبالطبع خالد لن يخطىء في التعرف علي ارضه وقت الغروب .. حتى شمسه الغاربة مميزة .. بالتأكيد وائل المسكين لم يصمد أمامها وخر بكل التفاصيل
الحقيرة تقلب الموازيين وتشكك والدها في شخصيتها وتشكك خالد في زوجته .. ما هذه الحيرة ؟؟ كيف ستثبت أنها سارة الحقيقية .. انتبهت أن الفستان الذي كانت ترتديه تالا هو نفس الفستان الذى ارتدته هى يوم مغادرتها لمزرعة خالد ...
يوم التقاط الصوره لها....انتبهت أن تالا تقلدها بحرفية عالية .. فزعت من كلامها .. ستتسبب في فوضى غير محتملة.. دائمًا تسبب الفوضي في كل مكان ...
لكن ما غرضها من تلك اللعبة هل سيقتنع والداها ويقوم بتبديل ابنتيه فيعطيها لخالد ويحتجزها هى هنا ليعاقبها ؟؟ وهل سيصدق خالد أن التى تعيش معه هى تالا وليست سارة .. لا هذا مستحيل فحتى لو صدق لن يقوم بالتبديل ببساطة هكذا .. أم فقط كانت تخبر خالد بسبب سفرها للاسكندرية كى تثبت له أنها ملوثة مثلها تمامًا ؟؟ أو الاحتمال الضئيل جدًا ولكنه موجود أن تكون مقتنعة بما تقول وتعتقد فعليًا أنها " سارة "؟؟
كان يدرك جيدًا كذب تالا فهو لم يقترب من سارة فى ذلك اليوم .. ومن الواضح أن تالا لا تعلم واعتقدته تزوجها من اجل ما فعله يومها لها,, لم تعلم أنه لم يلمسها وهذا يهدم كل كذبتها التى لم تستطع حبكها.. التى معه هى سارة بشحمها ولحمها لا مجال للخطأ ولا للمقارنة لكنها ضمنيًا اخبرته عن علاقة سارة بهذا الوائل ... زوجته كادت تسلم نفسها له .. وصورتهما وهو يلمسهما تجعل الدماء تتركز في دماغه بصورة ستفجرها
نفس الغيرة الغبية المدمرة كادت تسيطر عليه مجددًا.. سينفث نيران الغضب ويعنفها بل وربما يضربها مجددًا .. لا جديد في تصرفاته البالية ولا تحسن في علاقتهما الهشة التى تنحنى مثل غصن ضعيف أمام الرياح .. لكن من منا لم يرتكب اخطاء في حياته...؟ الجميع يخطىء علي كل المستويات لكن علي الأقل هى تراجعت وغيرت رأيها بارادتها الحرة ..
لم يكن هناك حسيب ولا رقيب علي تصرفاتها ولكنها عادت إلي طريق الصواب علي الرغم من المخاطر التى كانت ستتعرض لها ...
" التائب من الذنب كمن لا ذنب له " الله سبحانه وتعالي يسامح اذًا كيف به وهو العبد الضعيف ألا يسامح وخصوصا أنها فعليًا بريئة ...فقط فكرت وتراجعت وليست فقط بريئة بل وكتبت لها حسنة التراجع عن نية السوء ..
هو تأكد بنفسه أنه الأول في حياتها... تأكد بخبرته أن شفتيه أول شفاة تلمس شفاها ... أن يداه أول يد تلمس جسدها .. وأن عينيه هى الوحيدة التى تمتعت برؤية جسدها ... بريئة بالكامل وهو تأكد من ذلك ولم يكن يحتاج لقطرات الدم اللعينة تلك لتثبت له ذلك .. اذًا فعلي ماذا بالتحديد سوف يحاسبها...؟ علي برائتها التى انتهكها هو ؟؟
في الواقع والداها هما من يجب أن يحاسبا علي اهمالهما .. انجاب الابناء مسؤلية وأمانة وهما فرطا فيها بغباء..
لقد كاد يقع في فخ تالا مثل الغر الساذج ..في كل يوم يمر يفهمها أكثر.. ارادت الانتقام من سارة وتدمير حياتها....فعندما علمت أنه لا امل لها في اغرائه بجمالها واستمالته والفوز به دون سارة فقررت أن تتسبب لسارة بخسارته هى أيضًا بل وخساره والدها وهو فعلا كان سيستجيب ... التعقل ضربه في اخر لحظة قبلما يتهور ويدمر اخر فرصة له معها...علي الأقل اصبح الآن يفهم سبب ملابسها الغريبة تلك الليلة ويفهم سبب زيارتها له ..
وقطع منصورافكاره عندما شاهده يجذب تالا وسارة بعنف وهو يقول بغضب ...- أنا اريد الحقيقة من منكما سارة .. ومن منكما كانت علي علاقة به ؟؟
اندفع بكل قوته وانتزع يد سارة التى كانت ترتجف بعنف من يد والدها واخفاها خلفه ...شكل درع لحمايتها ... - لا شأن لك بها علي الاطلاق .. تحدث معى أنا رجل لرجل وتصرف كالرجال ولو مرة في حياتك .. سارة انتظرينى في السيارة .. ولا تغادريها مهما حدث ..
لم تكن بحاجة للتفكير فيما عرضه عليها .. بالطبع عرضه كان طريقها للخلاص من ورطة لا تعرف كيف ستخرج منها .. لم تتأزم الامور يومًا كما تأزمت الآن .. اوصدت الابواب من الداخل وجلست ترتعش علي حريتها ..
فور مغادرتها .. حاولت تالا اللحاق بها لكنه منعها...ووجه كلامه لمنصور...- كل ما تقوله تلك الحية هو محض افتراء .. في الليلة التى قضتها سارة في مزرعتى لم المسها ..تلك ليست اخلاقي أو اخلاقها .. استقبلتها كضيفة ونامت في غرفة الضيوف حتى الصباح .. كيف تشك في في فتاة كسارة ؟؟ وإن كانت قد قررت السفر مع شاب ثم عادت لطريق الصواب فهذه مشكلة المنزل المتسيب الذى تربت فيه لا مشكلتها هى .. مراهقة قضت عمرها في الاهمال ولم تجد أي رقيب علي تصرفاتها ومع ذلك صمدت وضعفها للحظات لم يشينها بل بالعكس زادها قوة ونقاء .. اعتقد أنها بقرارها السفر كانت تعاقبكما علي اهمالكما لها ..علي زواج والدتها الخامس لكن فطرتها السليمة انتصرت .. للأسف هى غيرت رأيها لأنها اسقطتكما من حساباتها ولم تعتقد حتى انكما تستحقان العقاب .. هل تعلم أنها اخبرتنى أنها يتيمة حينما سألتها عن عائلتها ..؟
لكن ما لا افهمه كيف تسمح لطفلة طائشة كتالا بالتلاعب بك ؟؟ كيف لا تري الفارق بينهما ؟؟ ربما متطابقتان في الشكل لكنهما يختلفان كاختلاف الليل والنهار في الطباع .. لا يوجد أي وجه للمقارنة.. كيف تقارن ملاكًا كسارة بشيطان كهذه ؟
وكأنه استفاق من غيبوبة طويلة وشهق ليستقبل الحياة الجديدة,, كان يحتاج لتلك الكلمات لتجعله يفيق .. دلو من الماء البارد سقط علي رأسه وجعله في حالة صدمة .. مرت أمامه اخطاء تالا وعصبيتها كشريط منذ يوم ولادتها ...انهيارها يوم النتيجة وتكسيرها الهستيري لغرفة سارة...استهتارها بكل شيء ... رسوبها الدائم في الامتحانات ... مصاريفها الخيالية... رحلاتها الكثيرة الغامضة .. تهديدها بالانتحار عدة مرات ..
في المقابل مرت أمامه صوره سارة الخجولة... متى علم أن سارة خرجت من المنزل ؟ لم يتذكرها غيابها أبدًا...متى طلبت منه مصروف زيادة ؟ رصيدها البنكى يتنامى لا يتناقص وكأنها تمنحه البركة .. متى رسبت في أي سنة دراسية ؟ دائمًا من الاوائل علي صفها...يا الله كم هو غبي!!... وكم سمح لتالا بالتلاعب به وكأنه طفل صغير ...
كانت دائما تتعمد الخلط بينها وبين سارة لارباكه وسارة من حبها الشديد لها كانت تتحمل اللوم بصمت كى تقتسم الاخطاء معها .." المشاركة حتى في العقاب " حبها الشديد لها جعلها تتحمل العقاب مرارًا عن اخطاء لم تكن يوما فاعلتها فقط كى لا تعاقب تالا دائمًا وحدها .. الحقيقة كانت أمامه منذ البداية وهو لم يهتم ويتقصاها .. حقيقة احتاج لغريب كى يظهرها لها ..
ابنتاه !! كنزه الحقيقي الذي اهمله وانشغل بجمع الاموال والمنصب الزائل والزواج والطلاق .. خالد هو من جعله يدرك كم فاته .. وهو محق تمامًا,, تالا تسبب الفوضى والارتباك أينما حلت..
فجأة انحنى ظهره وازداد عمره سنوات فوق سنوات عمره الحقيقي ... فهم أخيرًا ولكن للأسف فهم متأخرًا .. وخالد كان يردد .. - أنت لا تستحق لقب أب
نعم هو لا يستحق .. لابد وأن يطلب المغفرة من سارة فدائمًا ظلمها بسبب تالا.. وتالا تحتاج لمساعدة من مختص فورًا... هما تؤام متماثل لا يمكن لاحداهما أن تكون ملائكية مثل سارة وتكون الاخري شيطانية بالكامل ...
بالتأكيد مع المساعدة تالا سوف تتحسن و ...
اندفعت فجأة تجري لتهرب .. لتختبيء والدموع تملىء عينيها,, كانت تبكى لأول مرة في حياتها دموع حقيقية وليست دموع تمثيل ومن سرعتها التى عبرت عن رغبتها في الفرار من كل الدنيا لم يتمكن أي منهما من منعها من الخروج أو حتى اللحاق بها .. " شيطان شيطان" هل هذا ما يراها الناس عليه ..؟ ربما ستنتحر وتخلص نفسها من كل الألم ..
***
شعرت بالاختناق من حبستها في السيارة وعدم معرفتها بما يحدث .. حفل تقرير المصير بدأ ولا تشهده بنفسها ...

 عطر القسوة : ﺑﻘﻠﻢ ﺩﺍﻟﻴﺎ ﺍﻟﻜﻮﻣﻰ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻋﺸﻖ ﻣﻦ ﻧﺎﺭ ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﺍﻷﻭﻟﻲ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن